ارشيف من :آراء وتحليلات
الأهمية الاستراتيجية لاستعادة السيطرة على الطبقة
لدى الجيش العربي السوري وحلفائه مروحة واسعة من المناورات الهجومية التي يفرضها ميدان معركته المفتوحة على كامل الجغرافيا السورية، وخاصة في الشمال والشرق، فأهدافه في النهاية هي استعادة السيطرة على كامل هذه الجغرافيا واستكمال انتشار وحداته في جميع البلدات والمدن السورية التي يتواجد فيها المسلحون الارهابيون، واعادة سلطة الدولة والقانون، والتأسيس لمصالحات وتفاهمات تعيد التوازن الذي فقدته سوريا بعد ان تعرضت لاعتداء واسع من دول اقليمية وغربية عبر تلك المجموعات الارهابية، المحلية التي غُرر بها، والاجنبية التي استقدمت لأسباب وأسباب وتحت عناوين مختلفة بحيث تقاطعت وتشعبت مصالح تلك الدول المعتدية في دعمها.
ما يلفت انتباه المراقبين والمتابعين اليوم هو العملية الهجومية المفاجئة التي اطلقها الجيش العربي السوري وحلفاؤه بدعم روسي واسع، جوّي وغير جوّي، وذلك اعتبارا من اثريا في ريف حماة الشرقي وباتجاه الشرق مستهدفا مدينة الطبقة في محافظة الرقة التي تقع على نهر الفرات جنوب بحيرة الاسد، وفيها مطار الطبقة العسكري الذي يعد من اكبر المطارات العسكرية السورية، وذلك في الوقت الذي يخوض هذا الجيش مواجهات عنيفة في ريف حلب الشمالي حيث اوحت معركته هناك أنه بصدد تنفيذ عمل هجومي وذلك من خلال الدعم الجوي والمدفعي العنيف ومن خلال ضغوطه على طريق الكاستيلو الذي يشكل المدخل الوحيد لمراكز المسلحين داخل مدينة حلب، وفي الوقت الذي يخوض فيه معارك في البادية شرقا لاكمال تأمين حزام امن مدينة تدمر واستعادة الحقول النفطية التي يسيطر عليها داعش في حقلي شاعر وجزل ومحيطهما.
مطار الطبقة الاستراتيجي
هذه المعركة الهجومية لاستعادة السيطرة على مدينة الطبقة والتي بدت صاعقة في دلالاتها واختيارها، اذ يمكن وصفها بالنقلة الاستراتيجية الخارقة على رقعة ملتهبة وفي توقيت حساس، تؤمن للجيش العربي السوري وحلفائه ولروسيا ايضا النقاط الايجابية التالية:
معنويًّا:
بعد الغطرسة الأميركية والتركية من خلال المواجهة الاعلامية والديبلوماسية بينهما والخلاف العلني حول دعم التحالف الدولي للوحدات الكردية لمهاجمة داعش في الرقة، او في ريف حلب الشمالي الشرقي اعتبارا من سد تشرين على الفرات وامتدادا الى منبج ولاحقا الى مناطق سيطرة التنظيم الارهابي ما بين جرابلس وعفرين استكمالا للاقليم الكردي المزعوم، جاءت هذه العملية لترد على هؤلاء وأتباعهم في الاقليم وداخل سوريا بان للدولة السورية ولجيشها العنيد، الكلمة الفصل في مواجهة الارهاب على اراضيها وفي اختيار المعركة التي تريدها وفي التوقيت الذي تراه مناسبا، كما جاءت هذه العملية لتقول لهؤلاء بان للدولة وللجيش في سوريا خطة مستقلة في معركة استرجاع السيطرة على الجغرافيا السورية، وفي معركة مواجهة أية أجندة دولية أو اقليمية تتناول افكارا ومخططات ومشاريع تصب في اتجاه تقسيم او تفتيت سوريا وضرب وحدتها وتماسكها.
عسكريا :
في استكمال هذه العملية الهجومية واستعادة السيطرة على مدينة الطبقة تتحقق للجيش العربي السوري النقاط الميدانية التالية:
- تأمين حماية نهائية لطريق اثريا - خناصر- حلب والتي كانت دائما هدفا لعناصر داعش في محاولة قطع هذا الشريان الحيوي لوحداته وللمواطنين في حلب وأريافها.
- عزل مواقع ومراكز داعش في ريفي حماة وحمص وقطع تواصل وترابط وحداته هناك مع معقله الاساس في مدينة الرقة، وذلك تمهيدا لمهاجمة هذه المواقع غرب وجنوب غرب اثريا لاحقا اسوة بمهاجمة القريتين بعد السيطرة على تدمر.
- فصل أماكن تواجد داعش في الرقة عن اماكن تواجده في ارياف حلب وخاصة الشرقية والشمالية الشرقية ما بين الباب ومنبج حيث يتعرض حاليا لضغوط جدية من وحدات حماية الشعب الكردي بدعم من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية.
- الحصول على نقطة ارتكاز أساسية لتأمين مهاجمة السخنة شمال شرق تدمر عبر محورين من تدمر ومن الطبقة، والتأسيس للضغط على دير الزور شرقا تحضيرا لمعركة استعادة الاخيرة لاحقا.
استراتيجيا:
- بعد السيطرة على الطبقة واستكمال السيطرة على المثلث الحيوي ما بين اثريا والطبقة ومدينة تدمر، يمكن القول ان الجيش العربي السوري سيمتلك قاعدة صلبة في الوسط السوري شرقا تحتضن اكثر من مطار عسكري واغلب حقول ومصادر الطاقة السورية، وتؤمن قاعدة تواصل ميداني وجغرافي لوحداته في ارياف حمص وحماة وحلب وامتدادا الى ريف دمشق عبر القلمون الشرقي.
- ستشكل هذه العملية بعد استكمالها اكبر تهديد جدي لمواقع داعش في مدن وارياف الرقة ودير الزور، وستؤسس لبداية اندحار داعش وهزيمته في الشرق السوري وبالتالي في كامل الجغرافيا السورية.
وأخيرا... إنها النقلة النوعية التي اختار الجيش العربي السوري من خلال تنفيذها، ان يفرض نفسه لاعبا اساسيا في المواجهة ضد الارهاب، وان يذكر الجميع بانه صاحب الحق والسلطة والسيادة الاوحد في اعتماد المناورة التي يريدها على طريق استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، وأن حربه الدفاعية على كامل أرضه وفي مواجهة أعداء سوريا، الإرهابيين كتنظيمات ومجموعات والدول كداعمين ورعاة لهذا الارهاب، مفتوحة ومستمرة حتى النهاية.