ارشيف من :آراء وتحليلات
انتخابات طرابلس بين مشاريع التطرف والتسوية
أتت انتخابات طرابلس مخالفة لكافة التوقعات، قالبة الطاولة على كل التحالفات السياسية التي حصلت قبل الانتخابات البلدية والاختيارية، ولتعيد خلط أوراق الخريطة السياسية لعاصمة الشمال طرابلس الفيحاء. فمفاجأة الانتخابات البلدية الكبرى جاءت من الشمال الذي شھد المرحلة الرابعة والأخيرة من ھذه الانتخابات التي أخذت حجما سياسيا وازى الانتخابات النيابية وتفوّق عليھا في مناطق وطوائف معينة...
فقد حقق الوزير (المستقيل) أشرف ريفي فوزا انتخابيا فاق كل التوقعات بما فيھا التوقع الذي كان لدى ريفي نفسه ... بعدما كانت معركة ريفي في أقصى طموحاتھا ھي معركة خرق اللائحة المنافسة (لائحة "لطرابلس" انقلب المشھد الانتخابي رأسا على عقب ومعه المشھد السياسي في طرابلس.
ريفي نجح في المعركة البلدية وحقق فوزا في وجه لائحة ائتلاف سياسي عريض يضم كل القوى والقيادات (ميقاتي، الحريري، الصفدي، كرامي، الجماعة الإسلامية، الأحباش). وما حدث في طرابلس يطرح سؤالا حول الاسباب التي أدت إلى ذلك؟ ويمكن التوقف عند ثلاثة عوامل:
-الأول "تقني" له علاقة بطبيعة اللائحة الائتلافية التي جمعت التناقضات وأعدت على عجل وافتقرت الى خطاب سياسي محفز وسادت قواعدھا حالة استرخاء بسبب اطمئنانھا الى نتيجة محسومة سلفا...
-الثاني "اجتماعي نفسي" له علاقة بحالة الإحباط والاستياء السائدة في المجتمع، وخصوصا في طرابلس المدينة الأكثر فقرا على شاطئ المتوسط، وتعاني من ضائقة اقتصادية وتدني مستوى المعيشة ونسبة بطالة مرتفعة.
-الثالث "سياسي" له علاقة بالطريقة التي خاض فيھا ريفي المعركة وأضفى عليها طابعا سياسيا وتعبويا وشعبويا عزف فيه ريفي منفردا على وتر المشاعر والعصبيات السياسية والطائفية.
لذلك أتى التصويت في طرابلس "تصويتا سياسيا" بامتياز، عكس مزاج الشارع في عاصمة الشمال وھذا معطى ليس من الممكن تجاھله في اتجاه عملية خلط أوراق على الساحة الشمالية، وھذه النتيجة أعلنت ان الرئيس سعد الحريري لم يعد "الأوحد والمطلق"، وأن زعامته تواجه تحديا فعليا وتراجعا ملموسا بدأ في بيروت، ولكنه ظھر بشكل واضح جدا في طرابلس والشمال .
بعد نتائج طرابلس نجد أنفسنا أمام خارطة سياسية جديدة على مستوى الطائفة السنية من أولى معالمھا أن ثنائية طرابلس لم تعد بين ميقاتي والحريري، وإنما بين ميقاتي وريفي، وأن "رقما صعبا" نشأ ھو أشرف ريفي الذي يطرح نفسه ممثلا وزعيما للحالة الحريرية في تمييز بينه وبين تيار المستقبل الذي لم يعد معبراً حسب ريفي عن إرث ومشروع رفيق الحريري، وعن مزاج وتطلعات جمھوره...
طرابلس :بين التطرف والتسوية
وهنا يبرز سؤال، كيف سيكون رد المستقبل على نجاح ريفي؟ وكيف سيتعاطى مع الوقائع الجديدة التي فرضتها نتائج انتخابات طرابلس؟
ما حدث يعادل هبة شعبية وصلت لصناديق الاقتراع، وانقلابا سياسيا على سياسات ومواقف لم تعد تمثل تطلعات جمهوره . الوزير ريفي لم يخض فقط مغامرة انتخابية، وإنما تجرأ على أن يطرح نفسه وريثا "إيديولوجيا" للرئيس رفيق الحريري ومشروعه، بعدما أظھرت التجارب والوقائع أن سعد الحريري لم يستطع الحفاظ على إرث والده وبدّد رصيده الشعبي والمالي.
الرئيس سعد الحريري اذن يواجه تحديا فعليا لزعامته ومستقبله السياسي . تحد ھو الأول من نوعه وحجمه منذ العام 2005 . وھذا التحدي مرشح لأن يتطور ويكبر ويتمدد مع مرور الوقت، خاصة إذا ذھب ريفي الى الانتخابات النيابية على خلفية أنه يريد فيھا ومعھا إكمال ما بدأه في الانتخابات البلدية. وهذا يعني انه يتجه لتشكيل كتلة نيابية وازنة في طرابلس وعكار والضنية عبر تحالفات بدأت مع النائب خالد الضاھر، ويمكن أن تشمل "الجماعة الإسلامية" وتيارات إسلامية أخرى. فالوزير ريفي عرف كيف يربط ويمزج في خطابه وأدائه ومحاكاته بين المجتمع الإسلامي والمجتمع المدني.
استنادا الى أوساط سياسية على صلة بأجواء 8 اذار، فإن قراءة اخرى لنتائج معركة طرابلس "الأولية والافتراضية" تتمحور حول النقاط التالية:
1- معركة طرابلس كشفت و"فضحت" أزمة تيار المستقبل التي ظھرت بنسب متفاوتة في سائر المناطق بدءا من بيروت التي وجه ناخبوھا الإنذار الأول. وھذه الأزمة، بغض النظر عن أسبابھا ومكوّناتھا، تُرجمت على أرض الواقع بأشكال مختلفة. وباختصار، فإن تيار المستقبل خرج من الانتخابات البلدية مثخنا بالجراح، وقد تم "تحجيمه" شعبيا، وبالتالي فان ما قبلھا ليس مثل ما بعدھا، في مختلف الملفات رئاسيا ونيابيا وعلى صعيد التحالفات السياسية .
2- الوزير أشرف ريفي حقق انتصارا انتخابيا ونجح في استغلال واستثمار أزمة المستقبل وعرف كيف يدير معركته وقد خاضھا ريفي بخطاب سياسي عالي السقف والنبرة، واستخدم فيھا الأسلحة "المحظورة" المثيرة للنعرات والعصبيات. ما ادى الى إلغاء تمثيل مكوّنات تشكل جزءا أساسيا من نسيج المدينة الاجتماعي والسياسي . والى صعود حالة التطرف وتسعير الخطاب المذھبي .
3- من المبكر إعطاء تقييم حاسم ونھائي في ما خص الوضع الجديد داخل الطائفة السنية وكيف سيتطور وما سيؤول إليه. فمن الواضح أن الطائفة السنية تشھد وضعا غير مستقر ودخلت مرحلة انتقالية، ولكن من الصعب تقدير نھاياتھا ورسم معالمھا الكاملة. الانتخابات البلدية أعطت مؤشرات يبنى عليھا، ولكنھا ليست مؤشرات حاسمة في تحديد الأحجام والزعامات بانتظار الاستحقاق المفصلي المتمثل في الانتخابات النيابية. حينها يتبيّن ما إذا كان ريفي يشكل "ظاھرة" وحالة شعبية سياسية ظرفية وعابرة، أم أنه بات يشكل فعلا مشروع زعامة في طرابلس طامحة الى التمدد خارج الشمال.
ھذا الوضع المستجد والآتي من طرابلس ربما يدفع باتجاه إحياء احتمالات التسوية في لبنان، وتسريع وتيرتھا عبر حركة الاتصالات والحوارات السياسية. ويمكن أن يجعل انتخاب رئيس للجمھورية في غضون أشھر قليلة أمرا ممكن الحدوث بعدما باتت الضرورات اللبنانية تتقدم على العقبات الإقليمية... احتمال انعقاد ما يمكن تسميته "دوحة لبنانية" اصبح كبيرا . على ان يشمل اتفاقا على رئيس الجمھورية والحكومة، رئيسا وتركيبة، وقانون الانتخاب. وھذه التسوية نواتھاالانطلاق من الحوار بين حزب الله والمستقبل من اجل بناء صيغة تفاهم وطني ضد المتطرفين ...