ارشيف من :آراء وتحليلات
أخندزادة’ والقيادة الشرعية لطالبان
على غير ما فعلته بعد موت زعيمها الاول الملا محمد عمر، لم تنتظر حركة طالبان كثيرا، حتى اعترفت بمقتل زعيمها الثاني الملا "أختر منصور"، بعد استهداف سيارته من طائرة أمريكية دون طيار وعينت الحركة "المولوي هيبة الله أخند زاد"، اميرا لها.
جاء تعيين القاضي الشرعي "أخند زاد"، بمثابة رسالة الى قادة وعناصر الحركة ومؤيديها الذين يولون العلم الشرعي اهمية كبرى، ربما أكثر من الصفة "العسكرية"، التي يتنازع عليها "بعض" قادة "طالبان"، كذلك حرصت الحركة في بيانها على الاعلان عن اسمي نائبي "أخند زاد"، وهما "سراج الدين حقاني" و"الملا يعقوب" - ابن الملا محمد عمر - في خطوة هدفت لاحتواء اي معارضة للزعيم الجديد، وتفادي الانقسامات التي واكبت تعيين سابقه "اختر منصور".
الملاحظة الاولى التي يمكن تسجيلها حول الامير الجديد انه يحمل لقب "المولوي" والمولوي هو الذي تخرج من كلية العلوم الشرعية او ما يعادلها ( تعادل الاجازة الجامعية) في وقت أن لقب الملا هو من تخرج من الثانوية في العلوم الشرعية او ما يعادلها. وبالتالي يظهر ان رتبة المولوي تفوق مرتبة "الملا"، والتي كان يحملها "الملا محمد عمر"، و"الملا اختر منصور"، اضافة الى أن "أخند زادة" يتمتع بعلاقات وطيدة بمجلس شورى مدينة كويتة، الذي يجمع عددا من زعماء طالبان، وترجع له أغلب قرارات الحركة، ومنها تعيين القادة.
من هنا فان تعيين "أخند زاد"، بهذه السرعة، وتوافر الشروط التي جعلت قادة "طالبان" يتجمعون حوله، وجَّه العديد من الرسائل لكل من كان يراهن على الخلافات داخل قيادات "طالبان" والتي اعقبت تعيين "اختر منصور".
اذن ما يميز "أخند زادة" انه ليس زعيما عسكريا، بل كانت معظم المناصب التي شغلها بين العلم الشرعي والقضاء. فقد تولى مهمة "قاضي القضاة"""، أثناء حكم طالبان في أفغانستان، عكس سابقيه "الملا عمر"، و"الملا منصور"، اللذين عرفا بقتالهما ضد السوفييت. على ان هذا الامير الثالث لحركة طالبان تنسب اليه الأحكام الشرعية بالقتل التي صدرت اثناء حكم "طالبان"، والفتاوى الشرعية التي تعمل بها الحركة، وهو أكبر مرجعية شرعية للحركة، حيث انضم إلى "طالبان" في تسعينات القرن الميلادي المنصرم، بعد انسحاب القوات السوفياتية منها.
رغم انه لم يعرف له تاريخ ميلاد محدد، لكن يعتقد أنه في بداية العقد الخامس من عمره، فهو من مواليد منطقة بانغواي، في إقليم قندهار، وينتمي إلى قبيلة نورزاي، وعندما سيطرت الحركة على ولاية فرح غربي أفغانستان، تولى "أخندزادة" مهمة القضاء على الجريمة فيها، وعين قاضيا للمحكمة العسكرية في قندهار، ثم في ولاية نانغرهار، واختير لرئاسة المحكمة الإسلامية العليا، اثناء حكم طالبان لأفغانستان.
وكان “أخندزادة” قد عين رئيسا لمجلس العلماء في الحركة، عام 2011، وشغل منصب نائب لزعيم الحركة، أختر محمد منصور، وهو عضو مجلس القيادة، ويدير مدرسة دينية في مدينة كويتا في باكستان، ويحتفظ بعلاقات وطيدة بمجلس شورى مدينة كويتا.
اخندزاده
ويؤكد المهتمون بالشأن الأفغاني، أن "أخندزادة" سيشرك مجلس شورى طالبان في قراراته أكثر من سابقيه، ولكن هناك علامات استفهام حول موقفه من مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، فهل سيسير على خطى "منصور" الذي أعلن رفضه للمفاوضات التي تحظى بدعم اسلام اباد؟ ويعتقد أن أكبر منافس لـ "أخند زادة"، في قيادة "طالبان" هو الملا "عبد الغني بارادار". ولكن المعلومات ترجح كونه معتقلا لدى السلطات الباكستانية، فيما يرى آخرون أن تعيين “اخند زادة”، تم بسرعة لتجنب المزيد من الخلافات داخل حركة طالبان، وأن مهمته الأولى ستكون لم شمل الحركة والقضاء على الخلافات التي نشبت بعد مقتل الملا محمد عمر، خاصة أن “الملا أختر منصور”، كان محل اعتراض لدى بعض زعماء الحركة في اجتماع كويتا، بينهم ابنا الملا عمر، اللذان غادرا الاجتماع بسبب تعيين أختر، زعيما لطالبان.
وطبقا لوكالة “أسوشيتد برس”، فإن بيان حركة “طالبان” الذي وزعته على وسائل الإعلام قال أن اختيار “مولوي هيبة الله أخند زادة” الذي كان نائبا لمنصور-، لزعامة الحركة تم في اجتماع لقادتها يعتقد أنه عقد داخل باكستان، وأكدت “طالبان” في بيانها مقتل زعيمها الملا أختر منصور في هجوم بطائرة أميركية بدون طيار، وقال متحدث باسم طالبان إن الملا منصور لقي مصرعه في الغارة الأميركية في باكستان، وإن “أخندزادة” اختير زعيما جديدا للحركة، وسراج الدين حقاني والملا يعقوب نائبين له.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، تساءلت عن الكيفية التي تعقبت من خلالها الولايات المتحدة زعيم الحركة حتى تمكنت من قتله، وقالت إنه قتل بينما كان يعبر بسيارة إحدى المناطق بباكستان التي عادة ما تكون خارج نطاق المجال الجوي للطائرات بدون طيار الأميركية، وأضافت الصحيفة أن وكالات التجسس الأميركية ركزت على “الملا منصور”، بينما كان يزور عائلته سرا في إيران، وأنها نصبت له فخا عندما عاد وعبر الحدود الباكستانية، وأوضحت “وول ستريت جورنال” أن هذه المنطقة كانت خارج نطاق عمل طائرات الاستطلاع بدون طيار الأميركية، لكن “الجهات الاستخبارية” مكنتها من ملاحقة هدفها الذي كان في سيارة بيضاء من طراز تويوتا كورولا.
ومهما يكن من امر فان اختيار قاضيا شرعيا لحركة طالبان لا يمكن فصله عن سياق التطورات التي تشهدها الحركة، ليس فقط على المستوى الداخلي للحركة بل ايضا على مستوى المنافسات الجدية التي يمكن ان تطال نفوذ الحركة مقابل جماعة داعش واغراءات خطاب «الخلافة الاسلامي» فضلا عن جميع الملفات التي تنتظر الحركة لا سيما وانها عمدت منذ مدة لاعادة انتاج خطابها مستفيدة من الاخطاء الفادحة التي وقعت بها ابان السيطرة على الحكم في افغانستان واعلانها امارة اسلامية.