ارشيف من :نقاط على الحروف
صحيفة النهار: النوم باكرا... والهلوسة
لا يمكن اعتبار يوم ثلاثين ايار 2016 يوما يشبه غيره في تاريخ الصحافة الورقية اللبنانية. اثبتت اعداد الصحف الي صدرت صبيحة ذلك اليوم (باستثناء صحيفتي السفير والاخبار) ان الصحافة في لبنان تعيش أزمة مهنية كبيرة. صحافة كسولة وخاملة. ينام الصحفيون فيها باكرا. لا يبذلون اي جهد لتقديم الحد الادنى من حقيقة ما يجري. يمكن القول ان هذه الاعداد الصحفية تتضمن قدرا كبيرا من عدم احترام المتلقي والاستخفاف بعقله.
لم تتردد الصحف اللبنانية ذلك اليوم (باستثناء الاخبار والسفير ) بنشر نتائج انتخابات مغايرة للحقيقة. كان الامر يتطلب جهدا بسيطا او القيام بعدد قليل من الاتصالات مع المعنيين بالحدث و تكبد عناء صياغة المواضيع الرئيسية والعناوين الاساسية بما يتناسب والحقيقة. الا ان الصحف اللبنانية فضلت ذلك الصباح نشر خبر فوز اللائحة الائتلافية في طرابلس في حين ان الماكينات الانتخابية الاساسية في المدينة كانت بدأت منذ ساعات الفجر الاولى تحصل على ارقام تظهر عكس ما تبنته الصحف واعتمدته كمعطى في تحليلاتها التي تهدف الى تشكيل الرأي العام اللبناني.
صحيفة النهار كانت احدى هذه الصحف. بدا ان هم العاملين في الصحيفة العريقة هو الترويج لفكرة تفتقر الى اي معطيات حقيقية وهي ان الانتخابات البلدية في لبنان "الغت الاحادية حتى داخل المجتمع الشيعي الذي ظل ممسوكا منذ ما قبل الحرب".
على ماذا استندت الصحيفة حتى وصلت الى هذا الاستنتاج؟ ما هي الارقام التي تدفع باتجاه تبني هذه المقولة؟
الجواب في تتمة رئيسية النهار. الصحيفة تضيف بلا اي تردد وبكل ثقة: "اما في النتائج، فطرابلس للائحة الائتلافية التي جمعت كل قوى المدينة". هكذا اذن تستقي النهار معلوماتها وتبني تحليلاتها على قاعدة الامنيات وليس المعطيات. السياسة التحريرية للصحيفة التي يقدمها اصحابها على انها رائدة في صحافة العرب وليس اللبنانيين فقط تقوم على هذه القاعدة السحرية. كتابة ما يتمناه المشرفون والقيمون والمالكون والممولون الذين اعتكفوا عن القيام بمهمتهم التمويلية فتركوا الموظفين دون مستحقاتهم الشهرية.
النهار في خريف العمر
قد نجد في هذا المعطى ضالتنا. من البديهي ان يفقد الموظف حافزيته للعمل بعد تركه لمدة سنة تقريبا دون راتب. لكن المشكلة ستكون اخطر اذا كان هذا العامل دافعا للاستمرار في العمل وفق قاعدة "الامنيات لا المعطيات" خاصة اذا كانت هذه هي احدى طرق كسب ود الامير المنتظر رضاه لاغداق ماله على صحافة السلاطين.
المتابع لصحيفة النهار يميل الى ان بعض كتابها يتبنى الخيار الاخير. يرى هؤلاء ان تحصيل مستحقاتهم قد يتحقق اذا نجحوا في ان يكونوا رأس حربة في مشروع الامير الممول. مقالة "ريفي يهزم حزب الله" المنشورة يوم السبت الماضي دليل على حضور هذا الاتجاه بقوة في اروقة الصحيفة. لا بل يمكن القول ان الامور تخطت لدى البعض حدود الامنيات ووصلت الى مستوى الهلوسات. ففي حين ان البلد مشغول بمعرفة نتائج انتخابات طرابلس وتأثيرها على تيار المستقبل والقوى الطرابلسية الاخرى بحسب ما تقتتضيه طبيعة الامور. يختار الكاتب، مقاربة اقل ما يقال فيها انها منفصلة عن الواقع. يستشهد بمقالة واردة في موقع العهد الاخباري تتحدث عن ان الطرابلسيين مقسومون بين شامت بالحريري ومتخوف من عودة الاحداث الامنية الى عاصمة الشمال. ويعتبر ان هذا التحليل الصحفي الذي ورد على لسان كثير من المحللين والمراقبين هو "تهديد من حزب الله" وردّ من الحزب على ريفي!!!
ليس هذا فقط، تصل الهلوسات لدى الكاتب الى ذروتها في ختام المقال حيث يعبر عن مكنونات قلب "الامير" ورغباته وامنياته ان لم نقل هلوساته فيكتب. "في المستقبل من يرى أن تكون ترجمة انتصار طرابلس عودة ريفي الى الحكومة ليكرّس هزيمة "حزب الله" سياسيا".
الكاتب في صحيفة النهار يستنتج من انتخابات طرابلس انها ستكرس هزيمة حزب الله السياسية وليس هزيمة المستقبل. كيف استطاع الرجل ربط الامور بهذه الطريقة وهل يمكن الكلام بعد ذلك عن حد ادنى من المصداقية والمهنية؟
ما يمكن قوله: مسكينة صحيفة النهار يبدو انها تعيش خريف عمرها ما يدفع بعض العاملين فيها الى النوم باكرا والى النطق بالهلوسات.