ارشيف من :نقاط على الحروف
’أم تي في’.. بوق الفتنة
لم يعد لبنان بحاجة الى خبرات المحققين والأدلة الجنائية. يكفي أن تستمع إلى بعض محطات التلفزة حتى تكتشف ذلك. رغم كل ما لحق بالبلد من مصائب في السنوات الأخيرة، لا يزال لبنان يتمتّع بميزة لامعة. "أم تي في" تمكّن المشاهد اللبناني من معرفة كافة التفاصيل حول أي انفجار لحظة وقوعه. من لا يصدق فليراجع تغطية القناة مع اللحظات الأولى لوقوع الانفجار أمام بنك لبنان والمهجر في فردان.
الاتهام السياسي بات مهنة بعض الاعلام. لحظات بعد الجريمة تكفي ليلتقط المذيع أو المراسل أنفاسه ويستجمع معلوماته وينطلق بالتحليل. بعد دقائق على انفجار فردان، جهّزت "ام تي في" مضبطة اتهامها. تخطت القناة بثوان كل المراحل العلمية التي تعتمدها الأدلة الجنائية والتحقيقات الأمنية. شبهاتها حامت بين موقع "الضاحية"، والصحافي حسن علّيق، بما يصب في خانة حزب الله. لا يحتاج رجال المخابرات وعصابات الإرهاب الى أي جهد اضافي لبث الفتنة وتأجيج الاحتقان، طالما أن "أم تي في" حاضرة. للحظة يظن المشاهد أنه أمام "فيلم أميركي طويل".
"أم تي في" تستخدم موقف صحافي للترويج لاتهامها السياسي
الصحفي جوني منير كان أوّل ضيوف القناة. "هل من قراءة؟" يسأل المذيع. يسهب منيّر في شرح التهديدات الارهابية الأخيرة للبنان، والاشارة الى المعلومات الموجودة لدى الأجهزة الأمنية بنية "النصرة" و"داعش" استهداف لبنان.
تصويب الاتهام من قبل منيّر نحو الجماعات الارهابية لا يناسب سياسة المحطة بطبيعة الحال. يقاطع المذيع الضيف قائلاً "هناك معلومات أن الانفجار داخل مبنى بلوم وكأنها رسالة، ما رأيك؟". الاجابة "من المبكر أن نحلل".
لحظات وتنتقل بنا القناة الى مراسلها في المنطقة، لدى الرجل "ترجيحات أمنية" بأن الانفجار لم يكن نتيجة سيارة مفخخة بل نتيحة "شاحنة مفخخة كانت موجودة في المنطقة"! سرعان ما يستغني عن المعلومات ليبدأ بالتحليل "المستهدف هو المصرف المعروف بدوره في أزمة المصارف التي تحصل في الفترة الماضية، البعض يتحدث عن أن الانفجار هو اغتيال مصرفي".
"أم تي في" تستغل الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة اتهامها ىالسياسي
الصحفي طوني أبي نجم يدلي كذلك "بقراءته الأولية البسيطة"، ويحسم التحقيق قبل بدايته "الانفجار يأتي في سياق أمني مالي واضح، عملية تحريض منظمة ومشبوهة تمارس بحق القطاع المصرفي والحاكم مصرف لبنان وتحديداً بنك لبنان والمهجر، نلاحظ رسائل في بعض وسائل الاعلام وتخويناً على مواقع التواصل الاجتماعي". يضيف "حزب الله محشور في موضوع العقوبات المالية، القدرات اللوجستية لافتعال هكذا انفجار في وسط بيروت لا يمتلكها الكثيرون في لبنان".
"خليك معي استاذ طوني"، يقول المذيع. يبدو أنه على وشك الاعلان عن خبر مهم: "هناك حساب على تويتر يطلق على ذاته اسم الضاحية دوت كوم، يقول احذروا مصرف لبنان والمهجر، أخد مجدوا بالتسكير والتضييق"، يضيف "هذا الحساب أطلق هذه الرسالة قبل ساعة من وقوع هذا الانفجار". وعلى الشاشة تعرض القناة لتغريدة موقع "الضاحية"، تليها تغريدة للصحفي في جريدة "الأخبار" حسن علّيق يقول فيها "لأخذ العلم بنك لبنان والمهجر لصاحبه سعد الأزهري هو الأكثر اندفاعاً بين المصارف لتطبيق العقوبات الأميركية. يصر هذا المصرف على تنفيذ ما يطلبه الأميركيون وما لا يطلبونه أيضاً".
بعد استعراض "الأدلة القاطعة"، يتابع نجم "هذا ما كنا نقوله، لا يرسلون رسائل مبطنة، رسالتهم واضحة..".
علّيق كان كذلك نجم "المستقبل". تكاد المذيعة تذكر اسمه بين جملة وأخرى. مع إغفال تام للسؤال الذي يفترض أن يسأل عند وقوع أي جريمة "من المستفيد؟". الأسلوب عينه والاتهام السياسي الذي اعتاد الناس عليه بعد كل تفجير منذ العام 2005، هو عينه أيضاً. لا مكان للأجهزة القضائية في قاموس البعض، الاستغلال الفاضح والمقيت لكل جريمة، باتت حالة تحكم المشهد الاعلامي، مع كل ما يحويه من "تخبيصات" وتحليلات للمراسلين الذين من المفترض أن مهامهم تنحصر بنقل المشاهدات على الأرض.