ارشيف من :آراء وتحليلات
المشهد التركي – الروسي – الاسرائيلي على وقع تداعيات الأزمة السورية
شهدت الفترة الماضية أحداثاً سياسية وأمنية دراماتيكية سريعة، تمثلت بالانفجار الرابع لهذا العام في اسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا، وهو جاء متزامنا مع حدثين أخرين هما زيارة نتنياهو لحليفه الجديد الرئيس الروسي بوتين، وخطاب الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب .
وبرغم اختلاف هذه التحركات واتجاهاتها، إلا أن محورها واحد هو تداعيات الأزمة السورية، ومقرها الرئيسي هو دمشق، التي شهدت خطاباً للرئيس بشار الأسد، هو أكثر ثباتاً وتمسكاً بـالثوابت التالية :
1- مواصلة الحرب على الإرهاب حتى تحقيق الانتصار الكامل، وتحرير كل شبر من سورية.
2- "ورقة المبادئ" التي قدمھا الوفد السوري المفاوض في جنيف 3، كأساس للمفاوضات وعدم الموافقة على أي طرح خارجھا، وهي تؤكد على :
- سيادة سوريا ووحدتھا.
- رفض التدخل الخارجي ونبذ الإرھاب .
- دعم المصالحة والحفاظ على المؤسسات .
- رفع الحصار وضبط الحدود.
- التنوّع الثقافي وإعادة الإعمار.
3- حكومة الوحدة الوطنية، والمقصود بھا حكومة تضم ممثلين عن النظام والمعارضة الوطنية، وبالتالي لا مكان لھيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات ولا بحث ونقاش في مصير الرئيس الأسد.
من ناحية أخرى كان لافتاً في خطاب الرئيس الأسد، التوجه الكلامي وبنبرة حادة إلى الرئيس التركي أردوغان، متهماً إياه، بأنه يرسل الإرھابيين علناً عبر الحدود التركية الى شمال سوريا، حيث وصفه بـ"الفاشي والبلطجي والأزعر السياسي والسفاح"، وواعداً بأن تكون "حلب مقبرة أردوغان." الذي يواجه في عقر داره خطر الإرهاب المرتد عليه جراء دعمه لـ"داعش" وأخواتها، وكان ثمنه الإطاحة باستقرار تركيا على المستويين الأمني والاقتصادي، وأول ضحايا الهجمات التي لا يمكن فصلھا عن الحرب السورية وتداعياتھا كان القطاع السياحي.
الملاحظ ان اردوغان كان يوجه في كل مرة أصابع الاتهام بشكل أساسي الى حزب العمال الكردستاني. وكانت الحكومة التركية تتوقع عبر معلوماتها الاستخباراتية، أن يوسع الكردستاني ھجماته من أجل عرض قوته أمام موسكو وواشنطن، ذلك أن حساباته تستند الى إظھار قوته في تركيا لنيل دعم أكبر في سوريا والمنطقة، وخصوصا من الولايات المتحدة التي تلعب "الورقة الكردية" في شمال سوريا.
تركيا تخاف التنسيق الاميركي الروسي
ولذلك تصف مصاد دبلوماسية العلاقات التركية – الأميركية بأنها تمر بحالة من الغموض والتوتر وعدم وضوح الرؤيا الاستراتيجية الأمريكية تجاه الهواجس التركية في سوريا، وقد حددت المسائل الخلافية بينهما في ثلاثة أمور:
1- المنطقة الآمنة، وهو ما تريده تركيا منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية، فيما الولايات المتحدة عارضت، أولا لأنھا تواجه معارضة من سوريا وإيران وروسيا. وثانياً لأن التطورات اللاحقة أظھرت أن لواشنطن أجندتھا الخاصة بھا لكل المنطقة الحدودية السورية مع تركيا.
2- التدخل الروسي، حيث غاب الدعم الأميركي الذي كانت تنتظره أنقرة في الأزمة التي نشبت بينھا وبين روسيا، جراء إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية خرقت الأجواء التركية على الحدود مع سوريا في 24 تشرين الثاني من العام الماضي، حتى بدا لأنقرة أنھا تُركت لوحدھا مجدداً في مواجھة الدب الروسي. واقتصرت الجهود الأمريكية وقتها إلى منع وقوع المحظور والحيلولة دون اندلاع صراع عسكري مباشر بين البلدين. وهذا يُظهر بوضوح على وجود شراكة أميركية – روسية سياسية وعسكرية في سوريا تضطلع فيھا روسيا بالدور الأكبر.
3- المسألة الكردية، وھي الأھم والأخطر في حسابات تركيا وفي خلافھا مع الولايات المتحدة . فمنذ البداية كان اردوغان واضحا في ھذه القضية عندما خيّر وبنبرة جادة إدارة الرئيس باراك أوباما بين تركيا أو الفصائل الكردية السورية بقوله "إما نحن أو إرھابيو كوباني". وهنا يطالعنا سؤال، واشنطن ماذا اختارت؟
يمكننا القول هنا، أن إدارة أوباما لا تبدي بوارد الاختيار في عرض أردوغان، وأكثر ما يثير حفيظة الأتراك، هو غض الأميركيين النظر عن تحركات الفصائل الكردية في المناطق الحدودية مع تركيا واستفادتھا من السلاح الأميركي ليس فقط في محاربة "داعش"، بل وتحقيق مكاسب جغرافية لربط المناطق ذات الطابع الكردي بعضھا ببعض، في إطار تھيئة الأرضية لإعلان الانفصال عن سوريا أو على الأقل تكوين إقليم فيديرالي .
فالعملية العسكرية التي تقودھا الولايات المتحدة بجيش كردي للسيطرة على مدينة الرقة، والتي تحولت إلى محاولة فرض السيطرة على المنطقة الممتدة من نھر الفرات غربا إلى منبج، هي خير دليل على إخفاق السياسة التركية بشأن سورية، لكن الأكثر خطورة بالنسبة الى تركيا أن ھذه العملية تسهل بلوغ "العدو الكردي" ھدفاً استراتيجياً وھو وصل كانتون عفرين بكانتون عين العرب (كوباني).
فأميركا تريد أن تفعل مع أكراد سوريا كما فعلت في شمال العراق مع أكراد العراق. لكن تركيا ترى في نشوء كيان كردي في شمال سوريا تقسيما لسوريا. وهي تتفق مع إيران وروسيا في هذه النقطة، وھو ما يساھم في تعاون قوي بينھما وتركيا.
لكن الكلام عن "مثلث " يضم تركيا وروسيا وإيران، هو جديد على السياسة الخارجية التركية بعد الانكسار الكبير في العلاقات التركية – الروسية، والتركية السورية. وهو بالتالي عنوان كبير يفتقر الى الجدية والمصداقية ولا يمكن له التقدم السريع في خضم التطورات المتسارعة.
وربما هذا التخبط الأردوغاني وحالة عدم الاتزان السياسي الداخلي والخارجي الذي تُعاني منه تركيا، جعلت نتنياهو يفضل تأجيل اتفاق المصالحة والتطبيع معها متوجها في ھذه المرحلة ناحية موسكو وتوطيد علاقته مع بوتين من خلال دبلوماسية الزيارات المكثفة والرغبة الجامحة في تغيير السلوك. خدمةَ للمصالح الإسرائيلية الأمنية، وذلك من خلال التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي وأهم بنوده كانت:
- السماح للطائرات الروسية باختراق المجال الإسرائيلي عند الحاجة.
- تفھم موسكو لمصالح "إسرائيل" وأمنھا وخطوطھا الحمر: ومنھا عدم نقل أسلحة نوعية الى حزب الله، ومنع إيران من الاقتراب من الحدود مع" إسرائيل" وإبقاء الجبھة الشمالية ھادئة.
وإذا كان نتنياھو يُفضل روسيا على تركيا، فإن بوتين يفضل ھذه الأيام أوباما على نتنياھو والاستفادة مما تبقى من عھد الرئيس الأميركي للاستثمار في سوريا سياسيا وعسكرياً، وھذا التنسيق السياسي الميداني يُقلق تركيا والمعارضة السورية التي تقول:" إن ھذا الموقف الموحد الأميركي- الروسي يُؤدي لعملية تصعيد عسكري في الداخل السوري، ويصيب العملية السياسية بالشلل، خصوصا وأن الملف السياسي معطل بقرار روسي وبصمت أميركي مريب." ولكن الأخطر والأھم في نظر المعارضة ھو التنسيق الروسي - الأميركي للعب ورقة دمج نظام الرئيس الأسد بعملية مكافحة الإرھاب ومحاربة "داعش.
فالتدخل العسكري الروسي في سوريا غيّر الأوضاع الميدانية لمصلحة نظام الرئيس الأسد، وأعطى روسيا دوراً سياسياً محورياً في تقرير مستقبل سوريا . لكن الانتصار الآخر الذي حققه بوتين كان في الحصول على اعتراف أميركي بشرعية الدور الروسي في سوريا، بما في ذلك الدور العسكري، والاعتراف الأميركي الضمني بوجود فيتو لموسكو في دمشق. وحتى الآن لا تزال روسيا متمسكة بالرئيس الأسد، كما أنھا تعمل معه وإيران على تحقيق انتصار عسكري نوعي في حلب.