ارشيف من :نقاط على الحروف
الشهيدان حسين واحمد سلمان ...اعرفكما جيدا
وفي ذلك الصباح من صباحات شهر شعبان وقف أحمد يخاطب رفاقه عن الشهادة.. في نبرة صوته ألحانٌ تعزف أوتاراً على موسيقى آتيةٍ من هناك، تنساب بين اريج النصر وفوح العنفوان، من هناك، من أعراسٍ لا يفهم كُنهها إلا من تسلطن قلبُه وتذوّق طعمَ الشهادة.
حارت عيونُ احمد تحدِّق في المجاهدين قبل المعركة وتجول في ثنايا المكان، تسترق النظرات، ثمة شيء يريد قوله لكن ليس الآن، فلغتُه لن يفهمها إلا ذاك القائدُ المتواضع أبو علي نور. أجل، ذاك هو الذي يدرك خبايا الأمور وخفاياها ويُجيد فكَّ حروف لغة الشهادة.. نظر الرجلان الى بعضهما، حَدَّقا جيدا،ً ثم علت ثغريهما بسماتٌ وضحكاتٌ بصوتٍ غيرِ مسموع لكن سرعان ما ارتفعت.. تُرى: ماذا قالاَ لبعضهما؟ فهُما قبل أيامٍ كلما التقَيا في مسجدٍ أو منزلٍ او مقهىً وتسامرا مع جموع المحبين كانا يضحكان بشكل يلفت الحاضرين ويثير التساؤلات عن سبب الضحك في غير وقته، وعندما يُسألان يجيبان بضحكة لا تفي بالاجابة.
وفي اليوم الموعود كعادته غادر احمد منزله، لكن شيئًا يشده للخلف، رجع الى المنزل قَبَّلَ وحيدته نانا "كما يحب ان يسميها" في وجنتها بصمت، فهو لا يريدها ان تستفيق كي لا تتعلق بركابه كعادتها.. وكذلك فعل حسين حين خرج، ما الذي أصابني؟ تساءل أبو علي نور، وما الذي يجول في خاطري، هل سأنال ما عجزت عن نيله ولطالما أنشده؟ فلندع الامور على غاربها وعلى رب المجاهدين التوكل.
من تشييع الشهيدين احمد وحسين سلمان
توجه البطلان الى ساحة الوغى وفي جعبتهما شجاعةُ علي الاكبر وبأسُ العباس وعزيمةُ الحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين ونافع بن هلال وعابس وجون ووهب وغيرهم من أصحاب النفوس الأبية: فالحسينُ هنا ويزيدُ أيضاً هنا، تبدّلَ الزمانُ والمكانُ لكن العدو هو هو والانصار هم هم... وبنداءِ سيد الشهداء استهل المجاهدون معركتهم في الدفاع عن الاسلام المحمدي الاصيل والذود عن الامة، كل الامة، دون كلل او ملل او وجل، فهذا دأبُ مَن مشى في طريق ذات الشوكة واتخذ من العزة طريقاً للعبور نحو النصر.. هكذا فعل أحمد، أبى إلا ان يكون في الموقع المتقدم لينال شرف الجرح والشهادة معاً في الميدان، لكن هل ينام السكينُ فوق دمه وأبو علي نور قائدُ الميدان؟ ماذا يصنع القادةُ في أحداثٍ كهذه؟ ما هو ديدنهم؟ ماذا يقول لابنته نور التي تنتظر والدها؟
كشبل حيدرة أبي الفضل العباس كنتَ يا أبا علي نور حين دفعتك رابطةُ القرابة والقيادة الى اتخاذ المبادرة، أجل هكذا تكون القادة حين لا تبالي بحراملة العصر وسهامهم مهما اشتدت، وهكذا تكونُ القادةُ حين تأبى ان يبقى الشهداءُ والجرحى في ساحات الجهاد وما البال اذا كان ابن عم، وهكذا يرتقي أشرافُ الامة شهداء مضرجين بدم العزة والاباء.
منذ فترة يا صديقَيَّ كان لي شرف زيارة ذاك المكان، مررت بالقرب من حضرة استشهادكما، أقسم أن رائحة المسك التي حُكي عنها عبقت في أحشائي وتغلغل أريجُها في كياني، أجل تلك رائحة حسين وأحمد فأنا أعرفهما جيداً وهما أبناء عمي وصديقاي.
اليوم وفي ذكراكما الاولى أخلدا حيث انتما في عليائكما يا مهجة القلب ورياحين العمر، اليوم فهمنا تلك الضحكة السحرية وما تخفي من اسرار كربلائية.
اخوكما حسين سلمان