ارشيف من :آراء وتحليلات

هل سَتُثَبّت الدولة نفسها في القاع؟

 هل سَتُثَبّت الدولة نفسها في القاع؟

لقد جاءت العملية الارهابية الواسعة في القاع مؤخرا، والتي هي عبارة عن تركيبة غريبة من العمليات الانتحارية غير الواضحة الاهداف حتى الان، لتضع الدولة اللبنانية الممثلة بالسلطة السياسية او بالحكومة امام امتحان حساس لا تحسد عليه، قد لا تخرج منه، الا وقد اصيبت مصداقيتها المهزوزة اساسا، والسبب في ذلك هو التالي:

-  لقد لمست  الحكومة لمس اليد، ان هناك كمًا هائلًا من التهديدات الجدية ومن التحديات الكبيرة في المجال الامني  تحاصر لبنان  وتضغط عليه من الداخل وتضيق الخناق عليه من الخارج، حيث بدأ تأثير المحيط الملتهب. فقد اصبح الميدان اللبناني هدفا استراتيجيا للمجموعات الارهابية بكافة اتجاهاتها ليكون بقعة انتشار بديلة عن ميادين اخرى يخسرونها تباعا، وهدفا لعملياتهم الارهابية فيكون ساحة متفجرة لايصال رسائل النار والقتل والتي كانت دائما تشكل لهم متنفسا ومهربا وحاجة.

- لقد احست الحكومة بضغط المجتمع والمواطنين في المنطقة التي كانت هدفا ومسرحا للعملية الدموية الاخيرة. فأبناء بلدة القاع ومحيطها، خدم اغلبهم في الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية، كما كان بعضهم عناصر فاعلة في بعض الميليشيات التي اشتركت بالحرب الاهلية اللبنانية، وتاريخهم المهني حافل بالمهمات العملانية والاستعلامية والميدانية الحساسة، ولديهم خبرات ومعلومات كافية لتجعلهم يميزون بين الفعالية والمصداقية والحرفية في العمل من جهة، او لا سمح الله بين العجز او التقصير او التواطؤ او التخاذل من جهة ثانية. فالحكومة اذن موضوعة تحت المراقبة حيث أعين الجميع عليها وعلى ما يمكن ان تتصرفه.

- لم تكن الحكومة مرتاحة طبعا بعد ان تعمّقت في تفاصيل العملية وبعد ان درست وقائعها ومعطياتها حين استنتجت وبشكل لا يقبل الجدل حجم الخطر وجديته في تلك المنطقة المليئة بالثغرات وبنقاط الضعف، حيث الامكانية لتنفيذ اكثر من عملية مماثلة واردة  وتتمتع بنسب مرتفعة من النجاح، مع العلم ان هذه المعطيات الحساسة والخطرة التي تكونت لدى الحكومة لم تكن نتيجة تقصير او تقاعس او تلكؤ من الجيش اللبناني او من اي جهاز أمني معني بحماية او بامن او بادارة تلك المنطقة، بل لانها تعلم جيدا ان مشكلة الحرب في سوريا مع ما تفرضه من تحديات ضخمة في مجال الامن ومواجهة الارهاب او في موضوع معالجة النزوح الهائل وما يسببه من ضغوط كبيرة، تعتبر مشاكل ضخمة يصعب على اغلب الدول الكبرى مواجهتها والحد من تداعياتها ومن تأثيراتها، فكيف بالحري بالنسبة لها وهي الدولة الهشة بنظامها غير المتوازن والضعيفة بامكانياتها وبقدراتها.

 هل سَتُثَبّت الدولة نفسها في القاع؟

هل ستثبت الدولة نفسها في القاع؟

 هذا في الميدان والامن، اما في السياسة فقد جاءت عملية القاع الارهابية لتشكل مادة سجال وتشابك في السياسة الداخلية اللبنانية، وانعكس ذلك على طاولة مجلس الوزراء حيث ظهر انقسام واضح بين فريقين، وذلك على خلفية توصيف العملية ومن هو المستهدف منها، حيث رأى فريق وهو محق طبعا، انها تستهدف كل الوطن بكل مكونات المجتمع من خلال استهدافها امن وسيادة الدولة والوطن، وبالتالي يجب ان يكون الرد عبر قرار وطني شامل يحفظ السيادة ويحقق الامن بطريقة جذرية ونهائية من خلال استعادة السيطرة على اماكن تواجد الارهابيين داخل الاراضي اللبنانية في الجرود المعنية او في منطقة مشاريع القاع المذكورة، ورأى فريق آخر ان العملية الارهابية المذكورة كانت تستهدف فئة واحدة على خلفية انخراط الاخيرة في الحرب السورية وبرأي هذا الفريق، فان الصدفة  جعلت الارهابيين يفجرون احزمتهم الناسفة في بلدة القاع المسيحية بعد ان انكشف امرهم وحوصروا، فطبقوا تعليمات مشغليهم وموجهيهم بتنفيذ التفجير قبل الوقوع في قبضة الاجهزة الامنية ومنع هذه الاخيرة من الاستفادة من اية معلومة تساعد على كشف خلاياهم النائمة او شبكاتهم العنقودية.

كما وبرز سجال سياسي آخر بين فريقي مجلس الوزراء حول العملية، وجاء على خلفية تحديد مصدر هذه العناصر الارهابية، حيث رأى فريق انها جاءت تسللا ومباشرة من الرقة مزودة بتوجيهات مركزية من قادة تنظيم داعش هناك، ورأى الفريق الآخر انه وحتى لو كان مصدرها الرقة مباشرة، فقد استفاد المنفذون من بقعة صديقة ومُساعِدة ومُوجِهة في جرود عرسال او في جرود رأس بعلبك او منطقة مشاريع القاع المحيطة بالبلدة.

 وجد هذا الفريق ان بيت القصيد يكمن في هذا المعطى الذي يشكل نقطة الضعف والثغرة التي يمكن العمل على معالجتها، الامر الذي اعترض عليه الفريق صاحب الفكرة التي تعتبر ان هدف الارهابيين هو فقط الفئة التي تقاتلهم في سوريا، والذي رأى في ضبط معابر وطرق ونقاط تواصل الجرود ومشاريع القاع مع البلدة، او تنظيم وتوزيع وفصل مخيمات اللاجئين هو مشروع مواجهة عنصرية يستهدف النازحين الذين هربوا من جحيم الحرب السورية.

وهكذا... وبعد ان بدت الدولة او السلطة او الحكومة اللبنانية وكأنها نسيت ان هناك مشكلة امنية وميدانية داهمة ويجب معالجتها، وبعد ان راحت تناقش نفسها بنفسها في جدال عقيم، وبعد ان جاءت المعطيات الامنية والميدانية لتؤكد رؤية ونظرية فريق واسع قادر على التمييز وتحديد مكمن الخلل، اصبحت امام اختبار دقيق وحساس، فهل ستخرج بنتيجته دولة جدية ومسؤولة، او ستسقط في القاع ودون اي امل بالخروج منه بعد ان تُثبت فشلها وعدم مسؤوليتها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار مفصلي وضروري هو من صلب واجباتها.

2016-07-01