ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا تطبع مع روسيا وإسرائيل ...وسوريا

تركيا تطبع مع روسيا وإسرائيل ...وسوريا

  تركيا، هذه الأيام أمام خيارات صعبة، فرضتها أوضاع اقليمية وأزمات متلاحقة للعالم العربي عموماً، وتداعيات الأزمة السورية خصوصاً، التي كان لها ارتدادات سلبية على الوضع السياسي والاقتصادي والسياحي التركي. يُضاف إليها الوضع الأمني المتردي نتيجة الضربات الإرهابية المتتالية التي مُنيت بها تركيا في فترات متقاربة، كان أخرها تفجير أكبر مطاراتها في اسطنبول (مطار أتاتورك ) الذي أدى إلى مقتل 44 شخصا وأسفر عن إصابة 239 آخرين . كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها شكلت دافعاً للرئيس التركي أردوغان لأن يعيد ترتيب حساباته الداخلية والخارجية في محاولة منه لإنقاذ الوضع وحفظ ماء الوجه قدر الإمكان.

هذا التغيير أو التحول في نمطية السياسة التركية جاء على لسان رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدريم بعد أيام من توليه منصبه، حيث قال :"إن تركيا بحاجة إلى زيادة أصدقائھا وتقليل أعدائھا"، وهذا اعتراف ضمني على ما يبدو بأن سياسات سلفه أحمد داود أوغلو تسببت في تھميش بلده ومحاصرته بالمشاكل نتيجة الفشل الذريع لسياسة "صفر مشاكل". مما دفع حكومة يلدريم  إلى تحديد أربعة مجالات للسياسة تريد اتخاذ خطوات جديدة فيھا، وھي إسرائيل وروسيا والاتحاد الأوروبي وسوريا.

فالرئيس التركي أردوغان حقق فوزاً انتخابياً سھلاً، لكنه في الواقع محاصر بضغوط ومشاكل أمنية وسياسية واقتصادية، بعدما بدأت مسيرته تسلك منحى تراجع وانحسار، وبدأ أفول عصره الذھبي مع تراجع "الإسلام الإخواني"  بالمحيط العربي في فترة( 2013-2014 ). كذلك تراجعت مكانته في الولايات المتحدة وعلاقته مع إدارة أوباما، بعدما كان أردوغان قدم تركيا لدى واشنطن كحائط صد لإيران وطرح "العثمانية الجديدة" في بدايات "الربيع العربي"، مقدماً النموذج التركي الإسلامي "الأردوغاني" كمشروع لواشنطن التي اتجھت في فترة ما بعد سقوط حكم مبارك في مصر الى التحالف مع الإسلام السياسي "الإخواني" في القاھرة وتونس وصنعاء وطرابلس الغرب  والمعارضة السورية.

 لكن أوباما اختار طريقاً آخر، وبدل أن يستخدم "الإسلامي الإخواني" كحائط صد أيديولوجي سني ضد طھران، تخلى عن التحالف مع الإخوان المسلمين بعد الھجوم على السفارة الأميركية في بنغازي، واندفع في عملية الاتفاق النووي مع إيران، ووفر غطاء للتدخل الروسي العسكري في سورية  وأتبعه باتفاق أميركي -  روسي حول حلّ الأزمة السورية.

وبذلك أخفقت سياسة "صفر مشاكل"  التركية وأصبحت العلاقة أكثر تعقيدا مع مصر ومتوترة مع أوروبا بعد تمرير البرلمان الألماني قراراً عن الإبادة الجماعية للأرمن. وحصل توتر في علاقات تركيا مع كل من إيران والعراق على خلفية الاصطفاف الحاصل إزاء الأزمة السورية.  فوجدت تركيا نفسھا وسط تغيّرات جيوسياسية أفرزتھا الأزمة السورية وانعكاساتھا السلبية عليھا، خصوصا مع صعود نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يقود المعارك ضد "داعش" في منبج وعرب الفرات، وھو ما تعتبره أنقرة تھديدا لأمنھا القومي. فالحرب السورية مدّت مخالبھا الى أراضي تركيا، والھزات الأمنية تفتك بمدنھا من شرقھا الى غربھا، وضُربت فيها السياحة التي تشكل عصب الاقتصاد التركي وأصبحت في حال مزرية. وحتى وضع أردوغان ساء كثيرا، ووجهت له اتھامات بالاستبداد والتسلط.

في ضوء ھذا الوضع لم يكن من المستغرب أن يُقْدم أردوغان على إجراء مراجعة عامة لسياسته الخارجية وإحداث تحول ملموس يصل الى حد القيام بانقلاب على السياسة التي اتبعها في السنوات والأشھر الماضية. حيث أقال شريكه ورئيس وزرائه وحزبه أحمد داوود أوغلو محمّلاً إياه مسؤولية الإخفاق الذي حصل. وأتبع ذلك بسلسلة تغييرات شكلت مؤشراً واضحاً إلى مرحلة جديدة فقام بـ:
-    تعيين مقربين منه في رئاسة الحكومة، وحزب العدالة والتنمية، ووزارات المال والطاقة والاقتصاد.
-    إنھاء ولاية رئيس المخابرات التركية ھاكان فيدان. وكانت ھذه إشارة حسن نية تجاه إسرائيل التي اتھمت فيدان بأنه مسؤول عن تردي العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين البلدين، وأنه سرب معلومات حساسة تلقاھا من المخابرات الإسرائيلية الى المخابرات الإيرانية.
-    إجراء تشكيلات دبلوماسية ذات دلالة بتصفية فريق أحمد داوود أوغلو في الخارجية، وإبعاد أركان الوزارة الى مراكز دبلوماسية في جنيف ونيويورك. واتبع أردوغان هذه التغييرات بخطوات جديدة، الأولى الاعتذار من روسيا، والثانية اتفاق مصالحة وتطبيع مع إسرائيل.
 
الإعتذار من روسيا:
هذه أول مرة في حياة أردوغان يعتذرفيها عن عمل قام به . لم يقف الأمر عند ذلك، فقد أذعن الرئيس التركي  للشرط الروسي بتقديم اعتذار عن إسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية  - التركية لإعادة العلاقات الطبيعية، لأنه في حاجة الى ھذه العلاقات والى تحقيق مكاسب. وأكد أردوغان في رسالته إلى الرئيس بوتين أن "روسيا ھي بالنسبة لتركيا صديق وشريك استراتيجي".
جاء بعدها اتصال بوتين بأردوغان إثر تفجير مطار أتاتورك في اسطنبول مؤخراً، معزياً بضحايا التفجير الارهابي، كمؤشرلبداية عودة المياه إلى مجاريها، و "طيّ صفحة الأزمة" بين البلدين ودخول العلاقات الروسية  - التركية مرحلة جديدة. ترافق هذا التطور في العلاقات بين انقرة- وموسكو، مع اعلان بوتين عن قراره بتطبيع العلاقات مع تركيا، وبأنه سيكلف الحكومة ببدء محادثات مع الوزارات والمؤسسات الحكومية  المعنية في تركيا بھدف إعادة علاقات التعاون المربحة للبلدين في المجالين التجاري –الاقتصادي، والمجالات الأخرى، وإلغاء القيود على سفر السياح الروس إلى تركيا.

لكن، بالرغم من ذلك تبدو روسيا غير مستعجلة على إعادة العلاقات مع تركيا الى سابق عھدھا، ومثل ھذه العودة لن تكون سريعة ولن تحصل إلا إذا حصل تجاوب تركي مع الشروط والمطالب الروسية، ومن بينھا تعديل السياسة التركية في القرم والبحر الأسود وفي سوريا خصوصا، ووقف دعم أردوغان للمعارضة، ووقف إرسال السلاح والرجال الى محيط  حلب، وإغلاق الحدود التركية أمام الجماعات المتطرفة والإرھابية.
ھذا التطور المھم في العلاقات "الروسية -  التركية"  كان كافيا لإحداث حالة قلق عند أطراف كثيرين أولھم الأكراد الذين يخشون أن يكون ھذا التقارب على حسابھم، وأيضا عند المعارضة السورية التي تخشى أن تغيّر تركيا في مستوى دعمھا لھا، وان تتحول الى مسايرة ومجاراة للسياسة الروسية في سوريا ...

تركيا تطبع مع روسيا وإسرائيل ...وسوريا

اتفاق تركي مريب مع اسرائيل

الإتفاق مع إسرائيل والتطبيع معها:
تمت المصالحة التركية – الاسرائيلية والتطبيع معها،  بعد قطيعة سياسية استمرت منذ العام 2010 بين تركيا وإسرائيل، نتيجة لتدخل الجيش الإسرائيلي بالقوة على سفينة مرمرة التركية لمنع دخول أسطول المساعدات الى غزة، مما تسبب بمقتل تسعة مواطنين أتراك. وشملت بنود الاتفاق:
1-    -إسرائيل وتركيا تعودان لعلاقات التطبيع الكامل، والتعھد بأن لا تعمل دولة ضد الأخرى في المنظمات الدولية، كحلف شمال الأطلسي (الناتو) والأمم المتحدة.
2-    يتراجع الأتراك عن مطلبھم برفع الحصار عن قطاع غزة، في المقابل توافق إسرائيل على تمكين تركيا من إرسال كل عتاد ومساعدة إنسانية تريدھا إلى قطاع غزة عبر ميناء أسدود – أي تحت الرقابة الأمنية الإسرائيلية. كما تسمح إسرائيل للأتراك بإنشاء محطة للطاقة في غزة، ومنشأة لتحلية المياه بالاشتراك مع ألمانيا وكذلك بناء مستشفى.
3-    لا يتضمن الاتفاق أي بند يتعلق بإعادة الاسير الاسرائيلي لدى حماس أبرا منجيستو وجثماني أورون شاؤول وھدار غولدن، ولكن الأتراك وعدوا باستخدام كل علاقاتھم مع "حماس" لإقناعها  بإعادة الجثث.
4-    تدفع إسرائيل 21 مليون دولار لصندوق إنساني تركي، سيقدم تعويضات لعائلات ضحايا سفينة "مرمرة".
5-    تلغي تركيا كل الدعاوى ضد ضباط الجيش الإسرائيلي الجارية في المحاكم في اسطنبول جراء مسؤوليتھم عن اقتحام سفينة "مرمرة".
6-    تتعھد تركيا بأن لا تعمل "حماس" ضد إسرائيل من الأراضي التركية.
7-    الدولتان تعودان للتعاون الأمني والاستخباري.
8-    -إسرائيل وتركيا ستشرعان باتصالات رسمية من أجل إنشاء أنبوب للغاز من حقول الغاز الإسرائيلية. حيث تقوم تركيا بشراء الغاز من إسرائيل وبيعه في الأسواق الأوروبية.
بنود ھذا الاتفاق شغلت الأوساط والتنظيميات الفلسطينية وأثارت ردود فعل، لأن غزة وحماس شكلتا جزءا منه. ففي وقت التزمت حركة حماس الصمت ازاء الاتفاق الإسرائيلي  التركي وعدم التعليق لا سلبا ولا إيجابا، أعلنت حركة الجھاد الإسلامي المؤيدة لإيران رفضھا لھذا الاتفاق، وأي اتفاق صلح وتطبيع مع إسرائيل من أي طرف عربي أو إسلامي تحت أي مبرر وذريعة...
من المؤكد أن التطبيع التركي -  الإسرائيلي، والتركي - الروسي سيكون له تداعيات وانعكاسات كبيرة على المنطقة كلها عموماً والمشھد السوري خصوصاً، ومن المؤكد أيضاً أنھا مصدر قلق للأكراد وللمعارضة السورية . ومن المؤكد ان تركيا تتحول والمنطقة أيضا تتجه الى تسوية تقر بمسلمات المقاومة  وتطبع مع الثوابت السورية .

2016-07-04