ارشيف من :آراء وتحليلات
عندما تختصر معركةُ حلب الحربَ على سوريا
بعد ان تلاشت والى حد كبير معادلة "لا حل بوجود الاسد" الببغائية التي رددها كثيرا خليط من الدول المجرمة ومن المجموعات الارهابية على اختلاف تسمياتها ، (والتي لا تتسع المساحة المخصصة للمقالة لذكر كل تلك التسميات )، وفي الوقت الذي بقي فيه وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير يغردها منفردا دون ان يلاحظ او ان ينتبه انها اصبحت سخيفة ومستهلكة ودون جدوى او معنى ، من المؤكد انها ستختفي وكانها لم تكن ، حتى عن لسان الجبير ، وذلك عندما يستعيد الجيش العربي السوري وحلفاؤه السيطرة بالكامل على مدينة حلب مع اريافها المحيطة .
في الحقيقة ، تتعدد وتتزاحم كثيرا المزايا والخصائص التي تتمتع فيها مدينة حلب ومحيطها القريب من الارياف الاربعة الملتصقة بها وذلك لناحية اهميتها كمدينة سورية رئيسية بحد ذاتها ، او لناحية اهميتها في الحرب التي تشن على سوريا بشكل عام وذلك على الشكل التالي :
اولا : اهميتها كمدينة رئيسية
- جغرافيا ، تعتبر عقدة ربط رئيسية بين محافظات ادلب وحماه والرقة والحسكة وامتدادا الى الداخلين التركي والعراقي وما لذلك من اهمية حيوية في كافة المجالات .
- تاريخيا ، تختزن في ذاكرتها وفي مرافقها السياحية والثقافية تاريخا بعيدا شهد على تبدل حقبات وثقافات طبعت وميزت تاريخ الشرق بالكامل .
- اقتصاديا ، تعتبر عاصمة سوريا الاقتصادية الاولى حيث تنافس اغلب عواصم الشرق في القدرة الفنية والتقنية على خلق وتسويق صناعات مميزة في مختلف المجالات وذلك بسبب تراكم هذه الخبرات الصناعية والحرفية عبر التاريخ .
- ثقافيا ، يمكن ان يلخص التنوع الذي تجمعه وتحضنه مدينة حلب التنوع الواسع الذي يطبع تاريخ سوريا ، والذي يطبع الشرق من خلالها في المنطقة الاقدم عبر التاريخ ما بين نهري دجلة والفرات وعلى ضفافيهما .
ثانيا:اهمية معركة حلب
انطلاقا من الاهمية اللافتة التي تميز مدينة حلب والمحيط ، يأتي هذا السباق للسيطرة على المدينة من خلال معركة واسعة وشرسة بين الجيش العربي السوري و حلفائه من جهة ، وبين اغلب المجموعات الارهابية من جهة اخرى . مع العلم ان هؤلاء الارهابيين مدعومين من دول اقليمية معروفة إنخرطت في هذه الحرب بشكل علني ووقح ، وعبر اجهزتها العسكرية والامنية والمالية و اعلامها و ديبلوماسييها ومسؤوليها وبطريقة مكشوفة وفاضحة .
حلب تحسم المعركة الكبرى...
الان بدأت المعطيات الميدانية على الارض تكتمل لناحية سيطرة وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه على المدينة بالكامل من خلال تقدمها الاستراتيجي مؤخرا في مزارع الملاح الشمالية والجنوبية شمال حلب ، وملامستها ميدانيا لطريق الكاستيلو والسيطرة عليه ناريا ، وعليه يمكن عرض النقاط الايجابية التي ستوفرها هذه المعركة على الشكل التالي :
1- محاصرة المجموعات الارهابية داخل الاحياء الوسطى والشرقية للمدينة بالكامل وقطع اي تواصل ميداني او لوجستي او عسكري مع وحداتها في الارياف خارج المدينة وخاصة في الريف الشمالي باتجاه عندان وحريتان او في الريف الغربي باتجاه النصورة وخان العسل وامتدادا الى ريف ادلب والحدود التركية ، مما يؤسس لاستسلامها او مهاجمتها وتدميرها .
2- انتزاع القدرة من المسلحين في التأثير على الجيش العربي السوري من خلال ابعاد مرابض اسلحتهم المتوسطة ومدفعيتهم التي ترتكب بواسطتها ابشع المجازر بحق المدنيين الابرياء داخل الاحياء الآمنة في المدينة .
3- تحرير جهود وقدرات مجموعة كبيرة من وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه والتي كانت تغطي جبهة واسعة بمواجهة الاحياء الشرقية والوسطى للمدينة ، مما يسمح بدعم اوسع ومساندة اكبر لمعارك هذا الجيش في استعادة السيطرة في ارياف حلب الاخرى وامتدادا الى المحافظات المتاخمة لمحافظة حلب .
4- سيطرة الجيش العربي السوري على بقعة حيوية متماسكة لوجستيا وميدانيا وجغرافيا ، تشكل قاعدة انطلاق واسعة صالحة لمهاجمة المجموعات الارهابية في مختلف الارياف المحيطة بالمدينة .
5- امتلاك الحكومة السورية والجيش العربي السورية نقطة ايجابية مهمة لا يمكن تجاوزها في اية مفاوضات لتسوية الازمة او لحل سلمي باشراف دولي ، كما وتعطي هذه الدولة قدرة اوسع على التحكم اكثر بمسار هذه المفاوضات لناحية تثبيت وفرض الصفة الارهابية على مجموعات يلهث ويجهد فرقاء اقليميين ودوليين على اعتبارها وبوقاحة مجموعات معتدلة ، في الوقت الذي لا تختلف فيه هذه المجموعات عن داعش في الوحشية وفي الاجرام وفي الارهاب .
6- إضعاف تأثير تركيا في الحرب على سوريا من خلال انتزاع السيطرة الميدانية من المجموعات الارهابية التي تدعمها وترعاها ، وبالتالي إفقادها اية امكانية للتحكم في المواجهة ضد الجيش العربي السوري في معركته لاستعادة السيطرة على الشمال وامتدادا على كامل الجغرافيا السورية .
واخيرا ... بقدر ما لسيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه على طريق الكاستيلو من اهمية في معركة مدينة حلب بشكل عام ، بقدر ما تحيط هذه العملية من حساسية ومن خطورة لناحية استشراس المجموعات الارهابية لعدم خسارتها و المحافظة عليها من جهة ، او لناحية محاولة إيجاد طريق او معبر بديل لن تكون احياء حلب الغربية بين صلاح الدين والراشدين بعيدة عنه ، تبقى هذه المعركة من المعارك الاستراتيجية والحيوية التي تتطلب جهودا كبيرة وصبرا والتزاما متواصلا وعنيدا ، وستشكل مفصلا مهما في حسم الجيش العربي السوري والحلفاء المعركة شمالا ، وبالتالي في تحقيقهم الانتصار في الحرب على سوريا بشكل عام .