ارشيف من :آراء وتحليلات
انتحار الرجل المريض
لم تكن خطوة حضور رئيس جهاز الاستخبارات السعودية السابق الامير تركي الفيصل مؤتمرا لجماعة منظمة «مجاهدي خلق» الايرانية المعارضة والذي عقد في باريس سوى قفزة كبيرة خطتها المملكة في اطار تصعيدها ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية. ورغم الكثير من التهديدات التي اطلقتها سابقا عن دعمها لبعض الاطراف الايرانية الا ان هذا الحضور كان التصعيد الاكبر، ليس فقط لناحية مجرد حضور المؤتمر وانما ايضا لناحية التصريحات التي اطلقها تركي الفيصل في كلمته التي القاها في المؤتمر، لا سيما الحملة التي شنها على قائد الثورة الاسلامية في ايران الامام الخميني قدس سره.
لن نخوض في المفردات التي استعملها الفيصل في خطابه من قبيل: قهر الاقليات في ايران واضهاد الاديان والطوائف الاخرى، فبغض النظر عن عدم صحتها، لكن الغريب ان تطلق من امير سعودي لا يعلم معنى المعارضة اصلا، ولا يفقه مفهوم الاقليات، ولم يعاصر مصطلح اديان اخرى فضلا عن مفهوم التعايش والعيش المشترك. المملكة لم تبق شيئا من هذه المفاهيم منذ تأسيسها، فقد هدمت الكنائس وقتلت وهجرت الاقليات وهدرت دماء كل من لم يحمل الفكر الوهابي.
كما لن نتحدث عن تركي الفيصل والمصافحة الشهيرة بينه وبين نائب وزير الخارجية الاسرائيلي.
في السياق الموضوعي لخطوة التصعيد السعودية فانها جاءت بعد تفاقم وضع تنظيم داعش، وقيامه بسلسلة من العمليات الارهابية في اكثر من منطقة كان اكثر ها عنفا ما حصل في العراق وتحديدا في الكرادة وبلد، مع ما يعني ذلك مجددا من توجيه اصابع الاتهام الى المملكة السعودية بوصفها المُنْتِج لهذا الفكر الاقصائي الارهابي. كما انها جاءت بعد حملة متجددة من الاعلام السعودي الذي كذب كذبة وصدقها ان داعش، الذي يقرأ في كتب ابن تيمية وجميع المرجعيات «الفكرية» المعتمدة وهابياً، هو مُنْتَج ايراني.
تركي الفيصل
في الوقائع، وبعيدا عن الاصابع الحقيقية التي تقف خلف الهجمات التي وقعت في المملكة مؤخرا، والتي تخالف الى حد ما اسلوب داعش في العمل، وناحية توقيتها بعيد هجمات الكرادة، فان الامر الذي لا شك فيه هو ان المملكة دخلت في نفق مظلم في علاقتها مع هذه التنظيمات. وعندما يقال "ازمة علاقات بين هذه التنظيمات الارهابية وبين المملكة السعودية" فليس المقصود هنا ، العلاقة بينها وبين كل المنظومة الحاكمة في المملكة، بل المنظومة السياسية فيها، اي آل سعود او آل سلول حسب ادبيات هذه الجماعات، والا فانه لا مشكلة بين داعش والقاعدة مع المؤسسة الدينية الوهابية لانهما معا يغرفان من «منهل» فكري واحد، وجميعهم يتبنون «عقيدة» واحدة. من هنا يمكننا القول ان الازمة في الواقع هي بين آل سعود تحديدا وبين هذه الجماعات التي لم تكن المرة الاولى التي تنقلب على مموليها وصانعيها.
من الناحية «الفكرية» والتنظيرية لهذه الجماعات، فانهم مهما توسعوا واحتلوا وكبرت ولاياتهم الجغرافية، فان «مشروعية» مشروعهم او «دولتهم» خالية من اهم عنصر «شرعي» طالما ان اهم بقعتين واقدسهما اي مكة والمدينة هما خارج نطاق «الخلافة» . من هنا فان استهداف المملكة من قبل هذه الجماعات بشكل مركز ليس الا مسألة وقت فقط، وكلما ضاقت الارض بهم، فان التوجه نحو «اقدس» البقاع يصبح شبه حتمي، ليس فقط لاهميته الدينية وانما ايضا لاهميته الاستقطابية خاصة وان «التربة» السعودية تربة خصبة لا توازيها اي تربة اخرى في العالم الاسلامي لانها منشأ الوهابية، والمُصنّع الاساس لهذه الحركات التكفيرية.
من هنا فان المملكة في تصعيدها الكبير، في رمزيته لا في مفاعيله الميدانية، لناحية دعم جماعات ارهابية ايرانية معلوم انها كانت وراء تفجيرات واغتيالات طالت الشعب الايراني وبعض المسؤولين، هذه الخطوة السعودية لا يمكن فهمها الا في اطار من يحاول افتعال المزيد من الازمات واشعال المزيد من الحرائق في محاولة لاشغال الساحات، وفتح «جبهات» وساحات جديدة «للجهاد»، لعلها تشغل هذه الجماعات بدل الالتفات الى الساحة السعودية.
ولو اردنا ان نكون اكثر دقة في توصيف خطوة مشاركة امير سعودي مثل تركي الفيصل في دعم معارضة ايرانية ارهابية، فلعل اكثر التوصيفات التي توافق الواقع انها : كالرجل المريض بداء عضال يسعى لعلاج مرضه عبر الانتحار.