ارشيف من :آراء وتحليلات
السعودية ’تلعب’ في الوقت الضائع: الحرب على إيران!
أعلنتها العائلة السعودية الحاكمة صراحة أنها تقود حرب إلغاء ضد الجمهورية الإسلامية في إيران. ما كان السعوديون يضمرونه، أو يمارسونه في ساحات سوريا واليمن والعراق، يبدو أنهم قرروا نقله مباشرة الى قلب إيران، عبر أذرع منظمة "مجاهدي خلق" المحظورة. إنتقلت الحرب بين القوتين الإقليميتين الى مستوى جديد من المواجهة. ما بعد رعاية تركي الفيصل مؤتمر "خلق" الباريسي، وإعلانه صراحة النيّة لإسقاط النظام في إيران، ليس كما قبله. ردّة فعل طهران العملية على هجمة الرياض الأخيرة ستحدّد مستوى المواجهة ودرجة سخونتها.
صحيح أن الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل، ليس عضواً في الفريق الدبلوماسي أو الحكومي الرسمي السعودي، إلا أن نشاطه كرئيس مجلس أمناء مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالسعودية، كرّسه كمنظّر ومستشرف للسياسة السعودية الخارجية، خصوصاً في شقّ العلاقة الإسرائيلية - السعودية والجهود المشتركة بين الرياض وتل أبيب لمواجهة ما يشتركان على تقييمه كـ"خطر وجودي إيراني".
حفل باريس كان مزدحماً بالشخصيات العربية والغربية الأميركية الهوى والمؤيدة لإسرائيل، جورج صبرا مثلاً. لكن تركي الفيصل، عرّاب التقارب السعودي - الإسرائيلي، خطف الأضواء. أدبياته التي استخدمها في الحديث عن إيران، والمتطابقة مع أدبيات الإعلام الخليجي، زيّنت، بحذافيرها، خطاب مريم رجوي. هذا ما يفسّر إحتفال الإعلام السعودي بالحدث وتظهيره على أنه إنجاز سعودي هام في سياق المواجهة المفتوحة مع إيران. في ذروة الإحتفال السعودي هذا، ظَهَّر جمال خاشقجي، إعلامي البلاط الملكي المدلّل، أن العائلة السعودية الحاكمة لديها مخطّطاً لـ"دحر إيران". غرّد الخاشقجي على "تويتر" رداً على منتقدي مشاركة تركي الفيصل في موتمر "مجاهدي خلق" قائلاً: "إنتقاد مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية يشي أن بعضنا يريد دحر إيران بالتمني وبدون عمل وجهد وطني...". صار واضحاً أن في السعودية يعملون ليل نهار على "دحر إيران" عبر "جهد وطني" جامع.
سعود الفيصل
في هذا التوقيت بالذات، تعاني أذرع السعودية وضعاً ميدانياً صعباً في سوريا واليمن والعراق. تعاني العائلة الحاكمة أيضاً من إرتدادات العلاقات المتوترة بين أعضائها على خلفية تقاسم السلطة والنفوذ. الأهم في ما تعانية السعودية، قلقاً متزايداً من إرتفاع الأصوات داخل أروقة القرار في الولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد، حيال تجاوزات السعودية وتصرفاتها في المنطقة. وصل ارتفاع تلك الأصوات الى حدّ التهديد والوعيد.
وفيما تلعب العائلة الحاكمة في الوقت الضائع في انتظار إتمام الإستحقاق الرئاسي الأميركي، ندّدت المرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض هيلاري كلينتون، غداة اعتداء أورلاندو، بدور السعودية (وقطر والكويت) في التمويل العالمي لـ"إيديولوجية التطرّف". قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "لقد حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. يجب أن يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم". وفي حين يراهن البعض في السعودية على وصول الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب الى البيت الأبيض، شكّك الأخير بعلاقة الحماية التي تربط السعودية بالولايات المتحدة. قال ترامب في إحدى جولاته الإنتخابية: "إننا نرعى السعودية. الآن لا يستطيع أحد إزعاج السعودية لأننا نرعاها، وهم لا يدفعون لنا ثمناً عادلاً. إننا نخسر كل شيء".
في إيران، لم تُحدث الحركة السعودية الأخيرة المفاجأة التي أرادها السعوديون. ينتظر الإيرانيون الكثير من السعوديين، لا مجرّد حضور مهرجان أو محاولة استفزاز. يدركون أن الغرب عموماً والأميركيين والبريطانيين خصوصاً لن يفوّتوا فرصة للتصويب على الجمهورية الإسلامية. يضعون السعودية في السلة الأميركية لا خارجها. يقرأ العقل الإيراني حفل "خلق" على أنه "مهرجان خطابي حُشِد له إعلامياً وسياسياً، غير أن الحضور السعودي أفشله تماماً". التناقض وعدم الشرعية السياسية والأخلاقية التي ألبسها السعودي لمؤتمر "خلق" تُريح الإيرانيين. يجيب الإيرانيون سائليهم عن رأيهم بما جرى بسؤال: هل يصدّق الرأي العام العالمي فضلاً عن الإيراني أن السعودية تدعم ثورة محقة على كوكب الأرض؟
بعيداً عن الهدوء الإيراني المعتاد، ثمّة في إيران مَن يحمّل السعودية مسؤولية الإغتيالات التي ارتكبتها "خلق" بحق علماء ومسؤولين إيرانيين، ويحمّلها أيضاً مسؤولية أي عمل أمني يحدث على الأراضي الإيرانية، ربطاً بدعوة تركي الفيصل منظمة "خلق" الى الاستمرار بعملیات الاغتیال، الذي أعلن الوقوف الى جانب هذه العمليات بوصفها "مقاومة إيرانية"، مردّداً: "وأنا أريد إسقاط النظام". نطق أمین مجمع تشخیص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي، بلسان حال أغلبية إيرانية ساحقة. كتب رضائي على حسابه الشخصي على تطبيق "إنستغرام": "(..) رسالتنا إلی آل سعود من الیوم وصاعداً هي أننا لا نغضب بسرعة، لكن إذا غضبنا سوف نمحي آل سعود من الوجود (..)".