ارشيف من :آراء وتحليلات
اين وكيف ستكون المواجهة المقبلة بين اسرائيل وحزب الله ؟
لقد تعلمنا في المدارس العسكرية ومن خلال تحليل ومتابعة اغلب الحروب الصهيونية على العرب وعلى لبنان ، ان لهذا العدو عقيدة قتالية معروفة تتميز بمبادىء ثابتة من اهمها المحافظة على السيطرة الجوية ، ودائما نقل المعركة خارج ارضه والعمل على حسمها باقسى سرعة من خلال استعمال كافة الامكانيات والوسائط العسكرية والقتالية ، ولقد بنت اسرائيل هذه المبادىء من خلال مسيرة طويلة من الحروب والمعارك الواسعة التي شنتها ، او من نتائج المعارك المحدودة في الزمان والمكان والتي كانت تنفذها بطريقة مستقلة وموضعية ، و طبعا اعتمدت في تكوين وتثبيت هذه المبادىء على دروس وعبر من جميع تلك المعارك بعد ان تشكل لجان للتقييم و كانت الاخيرة تذهب بعيدا في عرض ودراسة الاخطاء والاخفاقات بكل صراحة وتجرد ، و كانت دائما استنتاجات واقتراحات هذه اللجان محترمة ويؤخذ بها ويعمل على تنفيذها .
بعد حرب تموز 2006 ، شهدت الاوساط الداخلية الاسرائيلية وخاصة العسكرية منها فورة واسعة قامت باغلبها على دراسة وتقييم نتائج وعبر واخفاقات الحرب المذكورة ، وقد كان لتقرير لجنة فينوغراد حول تلك الحرب وما خلصت اليه ، او لشهادات قادة وحدات اساسية او ضباط وجنود ميدانيين خرجوا احياء او مصابين من جحيم المعارك تأثير مهم واساسي عملوا من خلاله على بلورة عقيدة قتالية معدلة إستندت على دروس وعبر تلك الحرب .
هذه العقيدة القتالية المعدلة تبناها العدو الذي مضى قدما لتحضير ولتجهيز خطط شاملة في توسيع وتعميق بنك اهدافه وفي تطوير وتحديث قاذفاته وطوافاته وتجهيزها باحدث الصواريخ الموجهة والقنابل الذكية وفي بناء واستكمال منظومة القبة الحديدية لمواجهة صواريخ حزب الله المرتقبة ، وفي زيادة القدرة التدريعية لدى دباباته لتلافي ما وقعت به في حرب تموز من تدمير قاتل ، وفي تفعيل تدريب وحداته الخاصة وتجهيزها بامكانيات تسمح لها إتخاذ المبادرة في الميدان لحماية عناصرها اثناء عمليات الاختراق خلف خطوط حزب الله ، الامر الذي فشلت فيه سابقا .
خيبة اولمرت في تموز
بالمقابل ، لم يقف حزب الله متفرجا في مواجهة هذا التعديل الجدي لعقيدة العدو القتالية ولتطوير قدراته التسليحية والتقنية والبشرية والتدريبية ، فهو ايضا طور عقيدته القتالية وشكل لجانا للدراسة وللتقييم ولاستخلاص العبر ، وعمل بشكل فاعل على تطوير قدراته العسكرية لناحية حصوله على اسلحة كاسرة للتوازن في البحر والبر والجو ، وايضا مضى قدما في تحضير قدراته وقادته وكوادره لمواجهة العدو موسعا ميدان دفاعه ووسائطه الى ابعد من جنوب الليطاني ، وعلى خلفية تلك التحضيرات العسكرية والميدانية والبشرية حقق حزب الله توازنا في مواجهة التطور العسكري والميداني لدى العدو الاسرائيلي وسمي هذا التوازن بـ " توازن رعب " اعترف العدو ضمنيا بانه قد تحقق واكتمل وذلك من خلال احجامه ولفترة طويلة بعد عدوان تموز 2006عن تنفيذ اي اعتداء واسع ما خلا بعض عملياته الاجرامية في اغتيال قادة وكوادر للمقاومة والتي كان يأتيه الرد عليها مباشرة وبطريقة واضحة وحاسمة ، الى ان جاءت الحرب على سوريا واضطرار حزب الله الى الانخراط فيها في معركة استباقية وجودية سماها معركة الدفاع المقدس ، وقد حقق حزب الله تقدما نوعيا في هذه الحرب لناحية امتلاكه اسلحة وقدرات مهمة ، او لناحية اكتساب الخبرات القتالية وتراكمها ولناحية التعرف على مفاهيم عسكرية متطورة وعلى اساليب قتالية وتكتية فاعلة في الميدان . هذا الامر اكسب المقاومة نقاطا متقدمة وجدية في موقعه كطرف اساس في توازن الرعب ، و نقل بذلك اسس ومفاهيم وطرق الرد الاسرائيلي من مكان الى آخر .
من هنا ، وبعد ان عمد العدو من جديد الى فتح ورشة عسكرية واسعة لدراسة مدى جدية و خطورة هذه النقاط التي اكتسبها حزب الله من الحرب في سوريا على منظومة توازن الرعب التي اختبرها وحضر لها ، جاءت الصدمة الاعلامية والتي صعقت الرأي العام الاسرائيلي واوساطه السياسية والعسكرية عندما حدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وفي احد خطاباته الخطوط العامة للمعركة المقبلة مع العدو والتي تمحورت في قوله صراحة ان الحرب المقبلة ستكون في اراضي فلسطين المحتلة وان اهداف الحزب في هذه الحرب ستكون جميع النقاط والمواقع الاستراتيجية والحيوية والتي تشكل العمود الفقري لهذا الكيان الغاصب ، و هذه الصدمة التي صعقت الداخل الاسرائيلي بكافة مكوناته ، كما صعقت اوساط عدة خارج كيان العدو ، لم تكن فقط وليدة حساسية الاهداف التي ذكرها سماحة الامين العام او وليدة خطورة المناورة وغرابتها في تدفق عناصر النخبة في حزب الله الى الجليل او الى مناطق ابعد جنوبا باتجاه الداخل الاسرائيلي ، بل جاءت وليدة المصداقية التي يتمتع بها كلام امين عام حزب الله لدى هذه الاوساط كافة داخل وخارج اسرائيل .
وهكذا ، فان هذه الخطورة وهذه الجدية في الخطوط العامة التي اصبحت تميز مناورة حزب الله المقبلة في مواجهة العدو والتي سوف تؤدي الى خلق معادلة جديدة مفادها ان الحرب القادمة سوف تكسر المبادىء الاساسية للعقيدة القتالية لدى حيش العدو الاسرائيلي اذ ستكون حتما على اراضيه وليس على اراضي الغير ، وستمتد لمدة طويلة في هذا الداخل مستنزفة قدراته ووحداته ، وسوف تعمد قاذفاته وطوافاته ان تتابع وتقصف وتدمر بلداته وقراه ومستوطناته حيث سيتوغل عناصر حزب الله ، كل ذلك سوف يجبر العدو حتما على البحث عن عقيدة جديدة ستكون بعيدة ومغايرة بالكامل لعقيدته التي ارساها وبناها وطورها خلال عقود من الزمن على خلفية نتائج معارك وحروب واسعة خلال احتلاله واغتصابه للحقوق العربية .