ارشيف من :آراء وتحليلات
بين اردوغان الامس واردوغان اليوم
على الرغم من انقضاء اسبوع كامل لم تزل ارتدادات الانقلاب الفاشل في تركيا تطغى على ما عداها من أحداث نظراً لاهمية الحدث وما يمكن ان ينتج عنه من تأثير على الصعيدين الداخلي والاقليمي.
بغض النظر عمن يقف خلف محاولة الانقلاب في تركيا سواء كان انقلاباً مفبركاً ومدبراً من اردوغان نفسه ام ان هناك جهات خارجية وقفت خلف الانقلاب وكانت داعمة له؛ فمن المؤكد ان تركيا وصورتها قد تغيرتا، وأن هيبة الجيش التركي قد اهتزت وتشوهت وحتى اسس النظام التركي اصابها زلزال قوي لم يطح بالدولة لكن اساساتها باتت بحاجة للتدعيم واعادة النظر في هندستها اذ لم يعد بالامكان ولا بمقدور القيمين على السياسة التركية المضي في الطريق نفسه الذي تم اعتماده منذ العام 2011 وحتى الامس القريب .
مما لا شك فيه ان بوادر تغيير في مجريات السياسة الاردوغانية بدأت ملامحها تظهر منذ الاطاحة برئيس وزراء تركيا ورئيس حزب العدالة والتنمية، كمشهد الاستراتيجية التركية الفاشله (صفر مشاكل) الخاصة بأحمد داود اوغلو.
رجب اردوغان اكمل ملامح التغيير بارسال كتاب الاعتذار الشهير للرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين بما يوحي انه بريء من قرار اسقاط السوخوي الروسي فوق الاراضي السورية وقتل احد الطيارين الروس.
لم يتأخر الرئيس الروسي بوتين بقبول الاعتذار فاتصل باردوغان لابلاغه بذلك وانهما سيلتقيان في القمة المزمع انعقادها في الصين.
شخصية عربية رفيعة المستوى قامت بزيارة موسكو مؤخراً، حيث اجتمعت الى اصحاب القرار الروسي وعادت بمعلومات تفيد ان قراراً تركياً على اعلى مستوى قد اتخذ بالاتفاق مع الجانب الروسي بتغيير السلوك التركي الذي كان متبعاً فيما خص الملف السوري.
ان سرعة التجاوب الروسي مع الاعتذار التركي ايضاً فاجأ الاوساط المراقبة، خاصة بعد التصريحات الروسية التي اكدت على طلب تنفيذ المزيد من الخطوات التركية تجاه روسيا لكن حقيقة الامر أن العارفين بذكاء ودهاء الدبلوماسية الروسية يؤكدون ما يلي:
ان السياسة الروسية لا تريد العداء، خاصة مع الدول التي تعتبر لاعباً اساسياً في الملف السوري ومن بينها تركيا، وان روسيا لم تكن لتقبل التجاوب مع الاعتذار التركي فقط لاجل اسقاط الطائرة الروسية لولا حصول روسيا على وعد تركي واضح وصريح بتغيير قواعد اللعبه في سوريا لصالح الروسي والسوري وتحديداً في معركة حلب ما يعني ان الروس استطاعوا تحييد تركيا في معركة حلب تمهيداً لاستدارة تركية اكبر تفضي الى تقليص الدعم التركي للتنظيمات الارهابية التي تتخذ من الحدود التركية باتجاه سوريا منفذا وممراً للدعم والتمويل. وهنا لا بد لنا من الاشارة الى استعجال الادارة الامريكية بطلب اجتماع وزير الخارجية الامريكية جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو لبحث الملف السوري اساساً حتى وان ادخل بند بحث الازمة الاوكرانية على جدول الاعمال بين الطرفين . وبحسب المعلومات فان البحث المستفيض تركز على طلب امريكي بعدم احداث تغييرات عسكرية اساسية في سوريا واطلاق محادثات جنيف من جديد مع ضمان امريكي بالموافقة على استمرار الحرب على داعش والنصرة وعدم البحث بمستقبل مشاركة الرئيس بشار الاسد وترحيل هذا الملف للادارة الامريكية المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية .
هل تتغير سياسات اردوغان الخارجية ؟
الدبلوماسبة الروسية لم توافق على بعض البنود التي تمت مناقشتها، لكنها وافقت على غالبيتها، وتحديدًا على البند الذي يتحدث عن ضرورة محاربة الارهاب والآخر عن اعادة الحياة لمباحثات جنيف رافضة البحث في بند الرئيس الاسد مؤكدة مرة اخرى دعمها للشرعية السورية في المطلق مستندة في الوقت عينه على وعد من اردوغان في المبدأ باستدارة نحو روسيا وذلك لانقاذ الوضع الاقتصادي التركي المتكل بشكل رئيس على الاسواق الروسية في السياحة والغاز والشركات التركية العاملة في روسيا فضلاً عن امكانية رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين في المستقبل الى اكثر من 120 مليار دولار بالمقارنة مع 20 مليار دولار حجم التبادل التجاري مع امريكا .
الرئيس الامريكي باراك اوباما، وفي حديث لمجلة اتلانتيك، وصف الرئيس التركي اردوغان بانه فاشل ومستبد، كما أن اوروبا مستاءة من اردوغان لأنه فتح ابواب جهنم من اللاجئين نحوها
بعض دول الخليج العربي ترى في اردوغان قائد جماعة الاخوان المسلمين والمزاحم الرئيس على دور الاسلام السياسي في مواجهة ايران في المنطقة
الرئيس السوري اطلق من منبر مجلس الشعب السوري شعاراً نارياً قال فيه ان حلب ستكون مقبرة احلام اردوغان
اردوغان بدوره اطلق صرخة بوجه الامريكي قائلاً يا امريكا عليك الاختيار بين الصديق التركي واقامة كيان كردي على الحدود التركية وتساءل هل امريكا معنا ام مع الاكراد؟
لعل المصيبة جمعت بين اهداف سوريَّة وتركية وهو عدم السماح بانشاء كيان كردي . فمن الجهة السورية تتمسك الدولة بوحدة الاراضي رافضة اي شكل من اشكال الفيديرالية، ومن الجهة التركية فان قيام كيان كردي على الحدود يعتبر بمثابة الكابوس المزلزل .
اذاً اردوغان لم يعد مرغوباً به، بل انه بات يشكل عقبة رئيسية في تنفيذ مخطط امريكا واوروبا واسرائيل بالتلاقي مع بعض دول الخليج العربي والهادف الى تقسيم وتفتيت سوريا.
اردوغان خسر مجمل اوراقه في سوريا، فالمنطقة العازلة صارت من الماضي واسقاط الرئيس الاسد لن يتحقق والاستيلاء على حلب بات من الاحلام التي لن تتحقق.
في المحصلة بين اردوغان الامس و اردوغان اليوم تغير وجه تركيا وهي بعد الانقلاب الفاشل تتهيأ لتأخذ مساراً آخر سيكون اقرب الى المحور الروسي.