ارشيف من :أخبار لبنانية
’بنت جبيل’ عقدة اسرائيلية وعقيدة لبنانية
لم يكن بالسهل على قادة العدو الاسرائيلي، سياسيين وعسكريين تقبّل ما حصل في معركة بنت جبيل اثناء عدوان تموز في مثل هذه الايام منذ عشر سنوات، حيث سقط واصيب لهم ضباط وجنود كانوا يعتبرونهم دائما في اغلب معاركهم "البيدق الرابح"، فاختصاص هؤلاء ومهمتهم الاستطلاع خلف خطوط العدو وتأمين تقدم الوية مدرعاته ومشاته التي تتدفق في الهجوم مستفيدة من تغطية جوية ومدفعية كاسحة ومن نيران صدم الدبابات الاحدث والاسرع في العالم .
هذه الاهمية التي اكتسبتها معركة بنت جبيل بالنسبة للعدو الاسرائيلي ظهرت للاسباب التالية:
- ميدانيا: بعد فشل تقدم وحداته عبر محور مارون الراس حيث تعرضت لكمين محكم وسقوط اصابات مؤلمة في صفوفها، اعتبر العدو انه في تقدمه وسيطرته على بنت جبيل، المدينة والتلال المحيطة وخاصة صف الهوا شمال غرب ، سيحصل على نقطة الارتكاز الاهم على محور جهده الرئيسي في الهجوم: عيترون - بنت جبيل، حيث ستؤمن هذه النقطة الحماية الميدانية لوحداته وقاعدة انطلاق ستتوزع منها في ثلاثة محاور، شمالا باتجاه برعشيت ثم شقرا والوصول الى وادي السلوقي والامساك به من وسطه في النقطة الاهم التي تربطه مع حولا ومع عيترون ومع مجدل سلم وخربة سلم، وغربا باتجاه بيت ياحون ثم تبنين والتقدم للامساك بطريق صور - بنت جبيل على خط الشهابية - الغندورية الاستراتيجي، وجنوبا باتجاه عين ابل ثم رميش والالتفاف على عناصر المقاومة في عيتا الشعب ومحاصرتهم.
بنت جبيل ...عقدة العدو
- معنويا: طالما بقيت مدينة بنت جبيل حيث اطلق سماحة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال التحرير عام 2000 مقولته التاريخية " واللهِ اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت " عقدة في ذهن وتفكير قادة جيش العدو وضباطه وافراده ، فحاول هؤلاء فك هذه العقدة من خلال تنفيذ مناورة الدخول الى المدينة ورفع علمهم في الملعب حيث اطلقت العبارة التي اصابت من كبريائهم ومن معنوياتهم مقتلا ، فكان استشراسهم وتصميمهم من خلال زج وحدات النخبة في معركة اعتبروها مصيرية وحيوية ، وحيث فشلوا فيها اضافت الى عقدتهم التاريخية عقدة اخرى لن تفارق تاريخهم و مخيلات ضباطهم وجنودهم الذين اصيبوا او خرجوا سالمين من ذلك الجحيم على ابواب الملعب الذي شكل كابوسا وهاجسا لهم .
- استراتيجيا: بالاضافة لحاجته النفسية والمعنوية من تلك المعركة، ولما تقدمه له السيطرة على بنت جبيل في الميدان لصالح مناورته الهجومية على المحور المذكور، فهو كان يحتاجها ايضا لاعطاء حربه الواسعة (اعتدائه على لبنان) قيمة استراتيجية يعيد من خلالها الثقة التي فقدها وتزعزعت داخل مجتمعه، ويبرر من خلالها لشعبه الجدوى من الخسائر المذلة التي اوقع نفسه بها، وايضا لاعطاء صورة للمجتمع الدولي الذي دعمه، مع قسم وازن من العرب الداعمين له ايضا في ذلك، بانه ما زال قويا وقادرا ويمكن الاعتماد عليه في اية حرب تهدف الى القضاء على المقاومة، وبالتالي ما زال الشريك الاساس لهم في تنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم الاجرامية في السيطرة وفي الهيمنة .
ربما كان لمعركة بنت جبيل كما لغيرها من المعارك التي خاضتها المقاومة في مواجهة هجوم العدو الواسع في حرب تموز عام 2006 أهمية حيوية وميدانية لعبت دورا مهما في تظهير وتثبيت انتصار المقاومة ولبنان في تلك الحرب التاريخية، ولكن يبقى لهذه المعركة ذلك الوقع الغريب في تلك الملحمة المميزة من تاريخ المعارك والحروب ضد العدو الاسرائيلي، وستبقى له عقدة ليس بالسهل التخلص منها بعد ان جرحت كبرياء جيشه الحديث والمتطور والمجهز باكثر الاسلحة دقة وفتكا، وستبقى ايضا علامة فارقة في تاريخ لبنان والمقاومة ومنطلقا لنشوء عقيدة عسكرية لبنانية تقوم اولا على تثبيت ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وثانيا على إلغاء عقدة الخوف من مقاومة عدو قوي وقادر ومتمكن مثل العدو الاسرائيلي، وتقوم اخيرا على الثقة بالنفس وبالقدرة على المواجهة والصمود والانتصار.