ارشيف من :آراء وتحليلات
لماذا تأخرت الحرب الى العام 2006؟
كثيرا ما يتم الاسهاب في عرض السياقات والعوامل التي ساهمت في بلورة قرار كيان العدو بشن حرب على لبنان عام 2006. ولكن ربما ما لم يتم مقاربته، بشكل مركز على الاقل. هو السؤال عن العوامل التي ساهمت في تأخير قرار العدوان الى العام 2006.
لم تقتصر نتائج تحرير العام 2000، على البعد الجغرافي واندحار جيش الاحتلال الاسرائيلي عن الاراضي اللبنانية (باستثناء مزارع شبعا). بل تلمس بنفسه مفاعيل هذا الانجاز على الساحة الفلسطينية، بعد انطلاقة انتفاضة الاقصى، وادرك التداعيات المعنوية والسياسية والثقافية لهذا التحول التاريخي في العالم العربي. ومن أهم ما حضر في المقاربة الاسرائيلية القلق من تبلور المقاومة كخيار استراتيجي ثبتت جدواه بين بديلين أحدهما مرفوض ويتمثل بالخضوع لواقع التفوق الاسرائيلي بحجة عدم وجود توازن استراتيجي يسمح بالتحرير والصمود. والاخر لا تتوفر مقومات وجوده، ويتمثل بخيار الحرب الشاملة ضد العدو..
الى ذلك، ادرك الاسرائيلي أن حزب الله واصل مراكمة قدراته الدفاعية في مرحلة ما بعد التحرير. وكان يدرك الاسرائيلي ايضا أن هذا المسار التصاعدي إن تواصل سيشكل تهديدا للامن القومي الاسرائيلي ويشكل سدا منيعا أمام طموحاتها الاقليمية..
مع ذلك، راهن العدو على مفاعيل التطورات الاقليمية والدولية.. للتخلص من خطر حزب الله، من دون أن يتورط في مواجهة مباشرة. خاصة بعدما انكوى وعي الجمهور الاسرائيلي، وقادته بفعل حرب العصابات التي شنها حزب الله ضد جيش الاحتلال..
على خط مواز، أتت انطلاقة انتفاضة الاقصى بعد اشهر من التحرير لتفرض على الاسرائيلي أولوية مواجهة التهديد الذي تفاقم ووصل الى كل مدينة اسرائيلية.. حتى اعتبر الاسرائيليون في حينه أنهم يخوضون "معركة على البيت". في هذه الاجواء، حرص الاسرائيلي على تجنب فتح جبهة اخرى مع حزب الله في لبنان. حتى لا يضطر الى خوض مواجهة قاسية على جبهتين في آن معا. وجعل أي خيارات عملانية دراماتيكية على الجبهة الشمالية أمر مستبعد لسنوات تلت.
ايضا، أتت احداث 11 ايلول/ 2001.. التي أعقبها اعلان اميركي بالحرب على الارهاب. وفي حينه راهنت اسرائيل أن حزب الله سيكون مشمولاً بهذه الحرب وهو ما عزَّز لديها خيار تجنب التورط في المواجهة المباشرة مع حزب الله ما دام الامر قد يتم على يد الولايات المتحدة الاميركية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر..
وبلغت الرهانات الاسرائيلية مرحلة الذروة مع الاحتلال الاميركي للعراق في العام 2003. في حينه كان المخطط الاميركي يستهدف احتلال العراق وتطويق ايران لاخضاعها، واسقاط أو اخضاع سوريا ولبنان والمنطقة.. خاصة بعدما بات الجيش الاميركي على حدود هذه الدول التي بات عليها أن تتعامل مع الولايات المتحدة كما لو أنها قوة اقليمية وجزء مباشر من معادلات القوة الاقليمية.
الانكسار الاسرائيلي
وكتعبير عن الرهان الاسرائيلي حول مدى انعكاس هذا المستجد الاميركي على هامش الحركة لدى حزب الله، وتطور قدراته ومستقبله ووجوده.. اوجز رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الاسبق هذا الموقف، قبل اسابيع خلال محاضرة بالذكرى العاشرة على حرب لبنان الثانية، بالقول أن "الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003، دفع اسرائيل الى استنتاجات غير صحيحة، بأن حزب الله سيضعف بعد ذلك".
امتدادا للمسار نفسه، انتقلت الولايات المتحدة ومعها فرنسا، في حينه، الى مرحلة استصدار القرار الدولي 1559.. وأدى ذلك في حينه الى اخراج الجيش السوري من لبنان، لاحتواء وتطويق حزب الله تمهيدا للقضاء عليه.. الامر الذي دفع الاسرائيلي الى تكوين انطباع كما لو أنه بات قاب قوسين أو ادنى من تحقيق أماله وطموحاته في لبنان من دون أن يتورط بنفسه. وهو ما أجمله يادلين، ايضا، في المناسبة نفسها، بالقول "في العام 2005، قُتل الرئيس رفيق الحريري، وخرجت سوريا من لبنان، وبدا في حينه أن حزب الله ضعف فيما القوى الموالية للغرب تصاعدت، وهو ما أعطى انطباعا في اسرائيل أن الامور تتطور الى الجانب الصحيح، حزب الله ضعيف والسوريون يغادرون" لكن الذي حصل في الواقع، كما يضيف يادلين، هو العكس اذ بدلا من أن يضعف حزب الله تعزز أكثر وحصل دون قيد على الصواريخ البعيدة المدى من الرئيس بشار الاسد..
في السياق نفسه، ذكَّر يادلين بالموقف الذي أطلقه رئيس اركان الجيش السابق موشيه يعلون (2002-2005) بأن صواريخ حزب الله ستصدأ، ورأى أن هذا الموقف ارتكز في حينه الى تقدير مفاده بأن انسحاب سوريا من لبنان، والقرار 1559 وما يترتب عليه من قيود على نشاط حزب الله، ولَّد شعور في اسرائيل بأن حزب الله سيتفكك تلقائياً.
ولخص يادلين التقدير والنظرة التي كانت متبناة في تل ابيب، بالقول " كان هناك شعور بأن عامل الزمن يعمل لصالحنا، فنحن نمتلك قوة أكبر بكثير (من حزب الله) وقدرة أكبر على التحمل والتسلح أكثر وكلما مر الوقت، وإن تنظيما صغيرا مثل حزب الله سيصل في النهاية الى نقطة انكسار، لكن الوضع لم يكن كذلك".
وهكذا يلاحظ أن توالي التطورات منذ ما بعد تحرير العام 2000، ساهمت في تأخير العدوان الاسرائيلي على لبنان، إلى أن تم استنفاذ كل الرهانات وفشل كل الخيارات البديلة. في ضوء ذلك، نضجت ظروف تبلور قرار العدوان من أجل تحقيق نفس الاهداف.. وبعبارة أخرى ما لم ينجح الاخرون في تحقيقه، تم استدعاء لاعب الاحتياط المتمثل بالجيش الاسرائيلي من أجل القيام بالمهمة.. لكن الذي حصل أن فشل هذا الرهان كان مقرونا هذه المرة بانتصار استراتيجي وتاريخي مدو ما زالت مفاعيله حاضرة وتتوالى على مستوى لبنان والمنطقة.