ارشيف من :آراء وتحليلات
فيديل كاسترو: رجل بعمر ثورة
الاء حمود
مدهش أن يطفئ أحد شموع عامه التسعين بعد ستمئة محاولة اغتيال، او أن يشبَّ في أسرة مترفة وسط فقر شعبي لكنه على خلاف معظم أبناء الاثرياء يكون مستميتاً لتحقيق العدالة الاجتماعية ، إنه المحامي الوحيد الذي لم يستلم سوى قضية واحدة ، هي قضية الشعب الكوبي.
هو فيديل كاسترو الثائر ضد نظام جاهر بالديكتاتورية اذ تفاخر رئيسه بالظلم لدرجة أن أسمى نفسه "الديكتاتور".
الواقع أن ثورة كاسترو بدأت سلمية، اذ انه رفع دعوة قضائية ضد رئيس البلاد باتيستا يتهمه بانتهاك الدستور. لكن سرعان ما انقلب السلم حرباً، اذ قاد كاسترو هجوما على ثكنات مونكادا العسكرية، ثم استطاع بعد فترة شن حرب عصابات ناجحة، حيث نظم جماعات مقاومة في المدن والبلدات الصغيرة في جميع أنحاء كوبا، فسقط حكم باتيستا عام 1959.
ويبدو انه بنجاحه استطاع كسر القاعدة، حيث أقام كاسترو حكماً اشتراكيا يُعد الحكم الأول من نوعه في النصف الغربي للأرض ، تلفه الامبريالية من كل حدب وصوب.
وبالرغم من وصوله للسلطة، فقد كان على خلاف سجية الحكام ، اذ نفذ إصلاحات شاملة ، فجعل الرعاية الصحية مجانية، ورفع مستوى التعليم حيث افتتح الف مدرسة، كما حسن الاقتصاد. ويبدو انه لم يرى لثورته حدودا،ً اذ دعم كاسترو الجماعات الثورية المعادية للإمبريالية، في أنغولا والموزمبيق وغيرها من الدول في اميركا اللاتينية .
كاسترو :رجل بعمر ثورة
ومن الواضح ان تولي كاسترو السلطة أزعج الولايات المتحدة ، لا سيما بسبب علاقته الحسنة مع الاتحاد السوفيتي. اذ بدأ بشراء النفط من الاتحاد السوفياتي، مؤمِّماً شركات تكرير النفط الأميركية العاملة في كوبا. هذا الانزعاج كرسته الولايات المتحدة عبر ممارستها ضغوطاً عليه ، من خلال فرض حصار اقتصادي على كوبا ، ومحاولة قيام ثورة مضادة عام 1961، فضلاً عن محاولات عدة لاغتياله. وصولا لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة الكوبية.
انقطاع العلاقة مع الولايات المتحدة، قابله توطيد لها مع الاتحاد السوفيتي . اذ كثف كاسترو علاقاته مع الاتحاد السوفيتي لدرجة أن سمح للاتحاد بوضع أسلحة النووية في كوبا ، الأمر الذي كاد أن يُشعل حربا عالمية ثالثة. فبادر الاتحاد السوفياتي لسحب الأسحلة، مقابل أن تسحب الولايات المتحدة أسلحتها من تركيا.
ومنذ ذلك الحين، بات كاسترو العدو الأول للولايات المتحدة، وقد استمر في نضاله في حين واصلت الولايات المتحدة العمل جاهدة لاغتياله. لكن لم ينحّه عن العمل السياسي سوى المرض، اذ تنازل عن الرئاسة الكوبية بسبب حالته الصحية عام 2008.
في عيده التسعين في 13 آب الجاري، ظل كاسترو الزعيم الأسطوري في كوبا، ذلك أنه رجل من التاريخ استطاع رسم المستقبل .ثائر يرى ان الثورة ليست طريقاً مفروشاً بالورود، هي صراع "حتى الموت" بين الماضي والمستقبل.