ارشيف من :آراء وتحليلات

كيف ولماذا اعادت حرب العام 2006 شبح الوجود؟

كيف ولماذا اعادت حرب العام 2006 شبح الوجود؟

للوهلة الاولى يبدو أن الربط بين نتائج حرب العام 2006، وبين اعادة سؤال الوجود إلى الواقع الإسرائيلي كما لو أنه ينطوي على مبالغة ما. خاصة وأن هناك فرق بين الانتصار على العدو، حتى لو كان استراتيجيا وتاريخيا، وبين الخطر الوجودي.. فما هي القصة؟ ولماذا هذا الربط؟ هل فيه قدر من المبالغة؟. ولماذا الحديث عن العودة (عودة سؤال الوجود)؟ وما هو الربط بين نتائج الحرب وبين المسألة الوجودية في إسرائيل؟


فيما يتعلق بشبهة المبالغة. تسقط هذه الشبهة بمجرد الالتفات إلى حقيقة أن من تناول الربط بين انتصار حرب ال2006، وبين مستقبل إسرائيل ووجودها هم القادة الإسرائيليون انفسهم. وتحديدا كبار القادة المؤثرين في هذه المرحلة في واقع إسرائيل ومستقبلها. وأبرز من تصدى للربط بين نتائج حرب تموز، وما سبقها من انجازات على مستوى التحرير في لبنان وغزة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عندما كان يتولى رئاسة المعارضة، واعتبر في كلمة له أمام مؤتمر عقده مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة في حزيران 2007، أنه بعد "حرب لبنان الثانية، انقلب الاتجاه وعاد سؤال الوجود يلوح من جديد ليس فقط لدى اعداء إسرائيل، وانما لدى اصدقائها ايضا".
ايضا، قبل أيام، أكد رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، ما مفاده أنه في حال عدم الانتصار على حزب الله في الحرب القادمة لن يكون لدينا "موعد ثان". وصولاً إلى الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز الذي أوضح خلال افادته أمام لجنة فينوغراد.. أن "العالم العربي كان قبل الحرب قد سلم بوجود إسرائيل، بشكل أو بآخر... لكن بعد الحرب بدأ هذا بالتراجع".

عودة السؤال الشبح
يقتضي الحديث عن عودة سؤال الوجود، حضوره في مراحل سابقة، قبل أن يختفي عن ساحة الوعي بفعل تطورات ما.
بالعودة إلى العقود الاولى من عمر الكيان الإسرائيلي، يظهر بشكل جلي أن الشعور بالخطر الوجودي لازم قادة الكيان منذ ما بعد اعلان اقامة دولة إسرائيل في العام 1948، وتحديدا في الفترة التي قاد فيها الصراع ضد إسرائيل، الرئيس المصري جمال عبد الناصر.. لكن هذا الشبح تبدد في حرب العام 1967، ثم بلغ العدو مرحلة الطمأنينة بعد النتائج السياسية لحرب العام 73 التي تمثلت باتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث انقلب التوازن الاستراتيجي لمصلحة إسرائيل بشكل ساحق، وتم ترجمة ذلك، عبر اجتياح لبنان عام 1982.
وبحسب تعبير نتنياهو في المناسبة نفسها، أدت حربي العام 67 و73 إلى أن إسرائيل "دولة لا يمكن التغلب عليها". وهو ما دفع العديد من الاطراف العربية، لاحقا إلى التسليم بوجود إسرائيل وانعكس ذلك، في اتفاقيات التسوية السلمية، بمن فيهم السلطة الفلسطينية.

كيف ولماذا اعادت حرب العام 2006 شبح الوجود؟

عودة شبح الوجود

على هذه الخلفية، فإن منبع اطمئنان إسرائيل إلى مستقبلها ووجودها يستند إلى التداعيات المعنوية والثقافية التي ترتبت على انتصاراتها في ساحة الوعي العربي. وبعبارة أخرى إلى التصورات والمفاهيم التي سادت في العالم العربي حول عدم امكانية الانتصار عليها بعد مسار من التجارب المرة... وتم ربط ذلك بموازين القوى الدولية والاقليمية.

البعد الوجودي للانتصار

وهكذا نلحظ أن حلقة الربط بين الانتصار وشبح الوجود، يكمن في مفهوم امكانية الانتصار على إسرائيل.. وهو ما أوضحه نتنياهو بالقول بعد ".. حرب لبنان الثانية، انقلب الاتجاه، وبات واضحا الان أن إسرائيل لم تعد دولة لا يمكن التغلب عليها، وعاد التساؤل حول بقائها يلوح من جديد، ليس فقط لدى أعداء إسرائيل وإنما لدى أصدقائها أيضاً.

يستند هذا الربط إلى مفهوم مفاده أن زوال الخطر الوجودي عن واقع ومستقبل إسرائيل لن يتحقق إلا في حال سلم العرب ببقائها. وهذا التسليم لن يتم إلا في حال يئسوا من امكانية الانتصار عليها.. وعلى هذه الخلفية فسرت إسرائيل بمن فيهم نتنياهو أن معاهدات السلام التي تم توقيعها مع بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية لم تأتي إلا في اعقاب الحروب التي استطاعت أن تزرع من خلالها إسرائيل أنها دولة لا يمكن التغلب عليها..
في المقابل، يأتي الانتصار على إسرائيل، من قبل حزب الله، وبعبارة أخرى من قبل فئة لبنانية، تنتمي إلى وطن كان يعتبر في العقود السابقة، الحلقة الاضعف بين الدول العربية..
وهكذا يمكن القول أن نتائج حرب العام 2006، ساهمت في تقويض المفاعيل الثقافية والمعنوية للحروب السابقة وتحديدا حرب العام 67. ومن جهة أخرى أعاد انتصار العام 2006 الثقة إلى العالم العربي بقدرته على تحقيق الانتصار على إسرائيل رغم الدعم الاميركي غير المحدود، خاصة بعدما تم الانتصار عليها فعلياً، من قبل من كان يفترض أنه "الحلقة الاضعف".. لكن تبين أنه الاصلب والاكثر صمودا وتصميما وحكمة وتدبيرا.
وعلى ما تقدم، يصبح واضحا أن الهم الاساسي لإسرائيل وكل حلفائها في المنطقة، يصبح في كيفية تطويق مفاعيل هذا الانتصار، حتى لا تنتقل العدوى إلى الشعوب العربية، وتحديدا تعميمها لدى الشعب الفلسطيني ولدى الشعوب العربية المحيطة به، كي توفر له ما يحتاجه من مقومات وامكانات تتطلبها مواجهة الاحتلال..
 

2016-08-18