ارشيف من :آراء وتحليلات
همدان ... والضربة الصاعقة للارهابيين ولداعميهم
لم يتخيل يوما قادة الولايات المتحدة الاميركية ، اصحاب مناورة التحكم بالارهاب واستغلاله لتنفيذ مخططاتهم واجنداتهم في جميع انحاءالعالم وخاصة في الشرق الاوسط ، ان يأتي من يفضح خبثهم واحتيالهم ويكشف تلك اللعبة التي طالما تفننوا بها من خلال منظومة متكاملة، من الديبلوماسية الاخطبوطية مرورا بالاعلام الموجه المسموم وصولا الى الانتشار العسكري الفاعل. اللافت ان من قام بمحاولة الفضح اتت من خصمهم التاريخي اللدود وعدوهم الاول في الحرب الباردة التي خاضوها ويخوضونها دائما للسيطرة في كل مكان من المسرح الدولي الواسع .
بداية ، كان كل شيء يسير حسب المخطط المرسوم ، فداعش نما وسيطر على اجزاء واسعة من العراق وسوريا وبدأ ينتشر في افريقيا ويتمدد ويقوى في اوروبا ، وبدأ يضغط على حكومات تلك الدول ويهدد وحدتها وتماسكها وسلطتها وتوازنها ، وكانت ايضا المجموعات الارهابية الاخرى بمختلف مسمياتها والتي تدور باغلبها في فلك التشدد والتكفير تتمدد وتنتشر في الامكنة التي صَعُب على داعش الدخول اليها او التي مُنع من الدخول اليها لاسباب تتعلق بمناورة توزيع الجهود والضغوط وتنويع مصادرها ؛ وهذه السيطرة لتلك المجموعات الارهابية كافة بما فيها داعش ، لم تكن بعيدة عن لاعبين اقليميين ، لكل منهم مصالحه واهدافه ونزواته ، من التشدد والتعصب المذهبي او الجنوح التاريخي للسلطة وللسيطرة او عقدة النفوذ والتأثير ، وكان هؤلاء اللاعبون خير من إنخرط وبحماس لافت بمناورة الولايات المتحدة الاميركية ، وبدأ كل منهم وكأنه صاحب المشروع او من يرسم السيناريو والمخطط .
لاحقا ، ظهرت في الميدان قوى وجيوش محلية ومجموعات حليفة ، دعمتها ايران بقوة ، منهم الجيش العراقي والحشد الشعبي والجيش العربي السوري وحلفاؤه وعلى رأسهم حزب الله الذي كان اول من فهم خطورة ما يحاك للمنطقة ولشعوبها بعد ان ربط ذلك ، ومن خلال خبرته في المقاومة ، بدور خفي وفاعل للعدو الاسرائيلي ، فاشترك في المواجهة المباشرة وفي ميادين خارج لبنان قريبة وبعيدة وفي معركة استباقية ساهمت والى حد كبير في تقوية محور مواجهة هذا المخطط الجهنمي ، وهذه القوى جميعا قاومت وصمدت وحاربت ووقفت في وجه هذا المخطط الجهنمي بشكل فاجأ اللاعب الكبير واللاعبين الصغار ، فزاد هؤلاء اللاعبون من ضغطهم ومن شراستهم من خلال ضخ اعداد ضخمة من الارهابيين من كافة دول العالم عبر تركيا المنخرطة بالكامل في هذا المخطط ، ومن خلال تجهيزهم ودعمهم بالسلاح والتقنيات والخبرات والتدريب ، وعَنُف الصراع وازداد الدمار والقتل والتهجير ...
فجأة ، ظهر الدب الروسي على الساحة ، تُحركه اهداف ومصالح مشروعة ليس اقلها محاربة الارهاب الذي كان ولا يزال يهدد مجتمعه ودولته وكيانه ، فتدخل وبكامل طاقاته الديبلوماسية والسياسية والعسكرية واستلم المبادرة في هذه المواجهة من خلال نقل سريع لوحدات عسكرية جوية وبرية ، فاجأ فيه وكعادته الجميع وعزز هذه الوحدات بقدرات ضخمة من الاسلحة والطائرات والقطع البحرية والتقنيات والخبرات ، وتمركزت على الساحل السوري من البحر المتوسط ما بين طرطوس و جبلة وحميميم واللاذقية ، ومباشرة دون اي تأخير ودون ان تعير اي اهتمام للصراخ الدولي والاقليمي المغتاظ بدأت روسيا معركتها ضد الارهاب وساندت ودعمت الجيش العربي السوري وحلفاءه وحقق هؤلاء جميعا نقلة نوعية :اولا على طريق فرض تماسك في الميادين والجبهات التي كانت تتعرض لضغوط ضخمة اشبه بحرب كونية ، وثانيا من خلال استلام المبادرة الهجومية ، وواكبت هذا الجيش وحلفاءه في التقدم واستعادة السيطرة وانتزاع مناطق ومواقع من الارهابيين بشكل متتابع وثابت ...
همدان والضربة الصاعقة للارهابيين...
هنا اغتاظ اللاعب الكبير و ازدادت عصبيته مستنفرا العملاء الصغار ، وبدوا جميعا وكأنهم فقدوا السيطرة على مشروعهم الذي عملوا عليه طويلا بكل طاقاتهم وامكانياتهم ، واعلنوا الحرب على اصحاب المعركة ضد الارهاب وسخروا ما يملكون من امكانيات ومن طاقات ومن قدرة على التأثير الدولي والاقليمي في مجال الاموال والاعلام والتحريض المذهبي الرخيص ، وفتحوا معركة واسعة ضد ة المقاومين وحلفائهم زجوا فيها بكل ما يمكن إدخاله في الميدان من اسلحة ومن تقنيات و واكبوا ذلك بحملة اعلامية وديبلوماسية مشبوهة ، وتوصلوا الى احداث تغيير طفيف في الميدان من خلال تقدم جماعاتهم في امكنة محدودة في ريف حلب الجنوبي الغربي ، وبدأوا يناورون من خلال ضغوطاتهم في تلك المنطقة على مدينة حلب وعلى المدنيين فيها لأعادة عقارب الساعة الى الوراء واضعاف سيطرة الجيش العربي السوري وانتزاع المبادرة منه ، الى أن أتتهم ضربة صاعقة تظهّرت من خلال خطوة مشتركة روسية ايرانية تم بموجبها وضع القواعد المناسبة على اراضي الجمهورية الاسلامية في ايران بتصرف الجيش الروسي لصالح معركته ضد الارهاب في سوريا ومحيطها ، و لم يتأخر هذا الجيش في استثمارها فقام فورا بنقل قدراته الجوية المناسبة لتلك المعركة الى قاعدة همدان الايرانية الجوية وبدأ ينفذ ضربات موجعة ومؤلمة على مراكز انتشار الارهابيين مستفيدا من امتيازات هائلة وفرتها له تلك القاعدة في تفعيل مناورته القتالية و في تخفيض مسافة الطيران و زيادة حمولة قاذفاته الاستراتيجية من نوع توبوليف 22 وغيرها من السوخوي 30 و 34 ، وذلك على مختلف هذه المراكز ما بين حلب وادلب والرقة ودير الزور وغيرها .
هذه النقلة الخارقة التي لعبها الروس والايرانيون والتي يمكن وصفها بالنقلة الاستراتيجية سوف تُفقد الولايات المتحدة الاميركية حكما توازنها وتبدد احلامها ومخططاتها ، كما ستنزع من يدها تلك الورقة الجهنمية التي برعت في خلقها وادارتها واستثمارها ، والتي هي الارهاب.
، كما وسيكون ايضا لهذه النقلة الاستراتيجية الروسية الايرانية المشتركة تأثير مهم على مسرح العلاقات والنزاعات الدولية ، وعلى ميدان توازن السيطرة والنفوذ في العالم ، خاصة اذا ما تطورت هذه العلاقة الى علاقة شراكة استراتيجية تحصل ايران بموجبها ، بالاضافة لشريك فاعل وصادق ، على حلف قوي يحمي مصالحها المشروعة في الدفاع والاقتصاد والثقافة والتطور ، وتحصل روسيا من خلاله على شريك وحليف قوي وثابت وعلى قواعد عسكرية تزيد و تثبت تأثيرها ونفوذها في المنطقة والعالم وخاصة في مثلث المضائق الاستراتيجي بين هرمز وباب المندب والسويس ، وذلك بمواجهة حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة الاميركية في تلك الحرب الباردة العنيفة التي يخوضها هؤلاء جميعا ضدها .