ارشيف من :نقاط على الحروف
العربية: اثارة الفتن والنعرات في تركيا
لم تكد تركيا تقع في الانقلاب، حتى شحذ الجزار السعودي سكينه. فبالرغم من العلاقات التركية السعودية "الجيدة" منذ استلام الملك سلمان لسلطاته الدستورية، إلا أن موقف الرياض بدا مترددًا. إذ صدر التنديد بعد عشر ساعات من بدء الإجراءات الساعية للانقلاب على الرئيس الإخواني. والمادة الإعلامية التي بثتها قناة "العربية" السعودية في تغطية الإنقلاب، بدت تحريضية وملتبسة، فاتهمها الأتراك بعدم المهنية، وبُعدها عن الموضوعية.
وجاء في الموقف السعودي أن المملكة "ترحب بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس أردوغان". في هذا السياق غرّد ناشطون بتعليقات ساخرة مثل: "بعد الهنا بسنة: السعودية ترحب بعودة الأمور إلى نصابها". فيما عبّر آخرون بأن ذلك "جاء متأخرّا مع أكبر وأقوى وآخر حليف لها.. يا خسارة".
وبالرغم من تفهم التركي للمواقف الملتبسة، بل ومسارعته إلى تبريرها؛ عمدت قناة "العربية" قبل أيام إلى بث مقابلة تلفزيونية مع المتهم الأول بتدبيرالانقلاب، المعارض فتح الله غولن. مقابلة وضعها الأتراك في إطار "البروباغندا لصالح الإرهاب".
والواقع أن الإرهاب هو مصير كل مخالفٍ للمملكة السعودية، خاصة إذا ما كان الاختلاف في المسألة العقائدية. ويُعتبر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، متفرّع من فكر الاخوان المسلمين، وهو خصم عقائدي للسلفية. وكانت السعودية قد مولت الانقلاب الأخير في مصر على حكومة محمد مرسي الإخوانية.
السعودية تثير الفتن في تركيا
في إطار التمويل لأعمال العنف أيضًا، يمكن لأي مراقب أن يشمّ رائحة مال النفط السعودي من أغلب الانقلابات والأزمات، التي حصلت في إطار ما يسمى "بالربيع العربي"، لكن دونما سياسة متماثلة في التعاطي مع الأزمات.
ولهذا السياق، تعمد المملكة إلى تغذية التناقضات من خلال وسائلها الإعلامية، وخاصة عبر قناتها "العربية"، التي نشأت بعد تجربة قناة "الجزيرة" القطرية. والتي استطاعت قطر من خلالها أن تعوض النقص الجغرافي لمساحتها، وتصنع رأيّا عامّا يتعدى الحدود ، بل وتتحكم به. وبنجاح ذلك، أدركت المملكة السعودية أهمية امتلاك منصةٍ إعلامية مماثلة.
في تحليلٍ لمضمون المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع فتح الله غولن، بديهيٌّ أن يعمد الأخير الى سوق كل الأحداث لمصلحته والتسويق لها، إلا أن أسئلة مقدم البرنامج طلال الحاج وهو مدير مكتب قناة العربية في نيويورك، بدت مرتبة ومنظمة، لتضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالاشكاليات حول الانقلاب. ويمكن الاستنتاج، أن المقابلة تقع في إطار تبييض صفحة الخصم السياسي لتركيا وتعزيزها. إذ بدأ بالسؤال عن مستقبل الديموقراطية في البلاد.
وانتقل بعدها إلى إشكالية "اعتقاد أغلبية الشعب التركي بأن غولن وأتباعه يقفون وراء الانقلاب الأخير"، وذلك عبر مقدمة تبريئية مفادها "إذا كانت حركتك لا سياسية بل منظمة خيرية ودينية تنشر التسامح والمحبة فلم أنتم متهمون".
ثم عرّج الحاج بسؤاله على الجهة التي يمكن أن تكون خلف الانقلاب، مؤكدًا على "أفضلية" ضيفه للإجابة عن هذا السؤال: "أنت تعرف المجتمع التركي وحكومته جيدًا وتحظى بمؤيدين وأتباع وعليه أنت أفضل من يجيب عن من وراء الانقلاب الفاشل".
وبخصوص إعلان حالة الطوارئ في تركيا واستعادة عقوبة الاعدام، سأل غولن عن رأيه. ويستفاد من جواب الأخير بما هو مكمل في اضعاف المصداقية التركية وتعزيز التناقضات في المشهد التركي. وجاء سؤاله عن إيمان غولن بالقضاء التركي بخصوص محاكمته، ضربةً أخرى في جسم أردوغان.
كان لافتًا ايضا سؤال مقدم البرنامج عن طبيعة العلاقات الجديدة القديمة مع روسيا وإيران، إذ بدا في إطار الاستنكار والتهكم. وفي نهاية المقابلة، لم ينسى طلال الحاج أن يقدم الجرعة الأخيرة من تبييض صفحة غولن بسؤاله "كيف تقنعون اردوغان بأنكم منظمة خيرية واذا تعذر ذلك فما الحل".
الواقع أن هذه المقابلة يمكن اعتبارها تحريضية، وهي– وبحسب تحليل المضمون- تعمد الى توسيع الانقسام داخل المجتمع التركي. وهي ليست الأولى من نوعها في الإعلام السعودي، إذ تعمد السعودية غالبًا للتسويق لسياساتها الخارجية والتعبير عنها بشكل مباشر وآخرغير مباشر، بحسب مقتضى الحال. ونستنتج من هذه المقابلة أنها جاءت في إطار التسويق المبطن، إذ عمدت القناة الى حجب الحلقة عن مواقعها الرسمية بعد تلقي ردود الافعال التركية، دون أي تبرير لسبب استضافتها لغولن ولا أي تصريح عن سبب حذف المقابلة بعد ساعات قليلة.
والواقع ايضًا أنه في العلاقات بين الدول، تعمد الحكومات إلى التلويح بأوراق سياسية كرسائل تقع في إطار التهديد. وفيما إذا كانت المقابلة تلويحًا بسبب تطور إقليمي، او أنها مجرد رد فعل على بث قناة الجزيرة لمقابلة مع أردوغان -كما يرى ناشطون-؛ إلّا أن الاكيد، وبحسب الحركة التاريخية للمملكة السعودية، بأنها تعتاش على رفاة الأنظمة والشعوب ودمائها، وأن أي دعوة لها للتوقف عن الإرهاب، هي دعوة للمملكة الوهابية لإلغاء ذاتها.