ارشيف من :نقاط على الحروف
عندما يصبح الإعلام التلفزيوني دورا لعرض الأزياء
بتركيز تام، تتابع مذيعة نشرة أخبار الـ lbci نيكول الحجل التقرير الإخباري" الأخير" في النشرة. تقريرٌ يستنكر حرمان ثماني مذيعات مصريّات من الظهور على الشاشة بسبب وزنهنّ الزّائد. وضعيّة الإعلامية ذات القامة الممشوقة، وتكتّف يديها يعبّران بوضوح عن قلقها مما سيكون عليه مظهرها عند الكبر، الذي قد يكون السبب في فقدان وظيفتها مستقبلا! قلق يبرّره بسام ابو زيد، في تأكيده على أن القناة تسير على خطى أختها المصرية. فينصح أبو زيد زميله، مقدّم النشرة الرياضيّة، ممازحًا " أوعك تنصح!".
استنكار محطةLBCI التي نشرت التقرير يبدو مستغربا، فالقناة نفسها كانت قد اتخذت إدارتها مسبقا قرارا مشابها بحق الإعلامية دولّي غانم التي لم نعد نشاهدها تقدّم النشرة الإخبارية لساعة متواصلة على الشاشة. والأمر ذاته حصل مع مي متى وغيرهن من الاعلاميات اللواتي تم اقصاؤهن عن الشاشة بسبب التقدم في العمر. أما المحطات الأخرى كالجديد وال MTV وال OTV، وغيرها...فحدّث ولا حرج! إعلاميات أقرب الى عارضات أزياء، يستعرضن جمالهن أمام الكاميرا. ولكن يبقى النصيب الاكبر من الاستعراض عند مقدمات نشرة الطقس وأخبار مواقع التواصل الاجتماعي. والجدير ذكره، أنه يكفي وضع كلمة "مذيعات" في محرك البحث حتى تنهال صور تظهر فيها نساء تحت عناوين الإثارة والجمال!
اعلام ام دور للازياء
في كتابه " التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" ، يصف العالم الإجتماعي الفرنسي بيار بورديو الإعلام في عصر العولمة الإقتصادية بـ" المتوحّش" الذي نتج عن تزاوج بين التكنولوجيا الجديدة وعالم المال. بالنسبة إليه، الإعلام بشكل عام، والتلفاز بشكل خاص يقدّم عالما مصطنعا وفق معايير هو يحدّدها، ويصبح عندها الجمهور ضحية المسرحة والدراما والتراجيديا والاثارة...توصيف اليساري المعارض للعولمة يجعلنا ندرك دور الإعلام في المنظومة الإقتصادية العالمية، إضافة إلى فهم مسألة " تشيء المرأة وسلعنتها" في الإعلام والإعلان.
بعد فهم الإطار العام الذي يضبط الإعلام، تصبح الصورة أكثر وضوحا في فهم سياسة " هندسة المرأة" في الإعلام. الصورة والتلفاز متلازمان. لا تلفاز دون صورة. وفي الصورة، يتقدّم الجمال على الكفاءة والمعرفة. معادلة فرضتها إيديولوجيا العولمة القائمة على مبدأ زيادة الأرباح المالية. فبات الإعلام مدفوعا بمنطق اللهاث وراء المزيد من الإقبال الجماهيري لكسب الأرباح. وكانت المرأة الأداة الأساسية لجذب الجماهير! هنا نتحدّث عن الأنوثة كـ"بناء إيدولوجي للإثارة والتشويق"، حسب تعبير الباحثة اللبنانية نهوند القادري عيسى في دراسة أعدتها عن " صورة المرأة في الإعلام والإعلان".
وعن تأثير الإعلام في الجمهور، يرى بورديو فيه "عنفا رمزيا" غير فيزيائي، لطيف وغير محسوس. بالتالي، يصبح حرمان مذيعة بدينة من الظهور على الشاشة عنفا يمارس على النساء، بحيث يسلب منهن، "بنعومة"، ثقتهن بجمالهن المغاير للنمط السائد على الشاشات. ويصبحن أسيرات مستحضرات التجميل، لعلّهن يبلغن الجمال المنشود، في محاولة منهن للإندماج في العالم الذي صاغه الإعلام وفق أجندته الخاضعة للمنظومة الاقتصادية العالمية.
بناء على ما تقدّم، فرضت العولمة نظاما تكامليا بين الإعلام والمؤسسات الإقتصادية. وبات الإعلام يضبط الإنتاج المعرفي والفكري وفق محددات مصاغة مسبقا بين "حراس البوابة" [ إشارة الى الذين يتحكمون بصياغة المعلومة قبل نشرها] والمساهمون في رأسمال المؤسسة. وكانت المعرفة الضحية الأبرز والمتضررة من هذه العلاقة الثنائية، وما يطرأ على المعرفة ينسحب على كل شي، كون المعرفة هي التعبير الأشمل عن نمط حياة الجمهور وتفكيره.