ارشيف من :آراء وتحليلات

إسرائيل بين الحرب الاهلية.. والتأزم الداخلي

  إسرائيل بين الحرب الاهلية.. والتأزم الداخلي

لا يعني الاهتمام بالتحذير الذي أطلقه رئيس الموساد السابق، تمير بردو، من نشوب حرب اهلية اسرائيلية، أن هناك تبنيًا بالضرورة لهذا السيناريو... مع ذلك، من غير المنطقي تجاوز موقف بهذا المضمون ويتسم بهذا القدر من الخطورة، لشخصية عامة لم يمض على تقاعدها من منصبها سوى بضعة أشهر، كما لو أن شيئا لم يكن.

مع أن المقام ليس لمناقشة مدى امكانية تحقق هذا السيناريو  في المديين البعيد والقريب، لكن ما يستدعي الاهتمام هو محاولة استكشاف جانب من ملامح الواقع الذي تبلور في اسرائيل ودفع رئيس الموساد لاطلاق هذا التحذير. مع التأكيد على أن تحذيره أتى كسيناريو محتمل، عندما لفت الى أنه في حال «اجتاز المجتمع حافة انقسام معينة، يمكن الوصول الى ظاهرة الحرب الاهلية»، مضيفاً أن "المسافة تتقلص" للوصول الى هذه الحرب، معربا عن تخوفه من "اننا نسير في هذا الاتجاه".

لكن ما يضفي مزيدا من الجدية على موقف بردو أن كلامه عن الحرب الأهلية، لم يأت عرضاً، أو نتيجة تحليل نظري مجرد، بل انطلق من قراءة وتقدير رفعا من مستوى القلق لديه على مستقبل اسرائيل إلى حد الدعوة لاعتبار ان "التهديد الداخلي يجب ان يقلق الدولة اكثر من التهديدات الخارجية"، ما يشي بأن بردو يرى أن هناك حالة غليان وتناقضات متجذرة في الواقع الاجتماعي الاسرائيلي قد تصل حدَّ الانفجار.
في السياق نفسه، وبما يعزز النظرة الى حقيقة ما تشهده اسرائيل من واقع مأزوم، من المهم الاشارة الى ان هذا التحذير يأتي بعد الصرخة التي أطلقها رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، على مدى سنتين، من خلال مؤتمر هرتسيليا، حول انقسام المجتمع الاسرائيلي الى أربع قبائل، بحسب تعبيره، تختلف فيما بينها على مستوى الهوية والخيار، "العلماني، الديني الصهيوني، والديني الحريدي والفلسطيني (الاسرائيلي)".  هذا الواقع دفع ريفلين الى القول أن "اسرائيل على مفترق طرق".

  إسرائيل بين الحرب الاهلية.. والتأزم الداخلي

رؤوبين ريفلين يحذر من انهيار المجتمع في اسرائيل

في المقابل، رأى رئيس الموساد أن "العوامل المؤدية الى الانشقاق، تتقدم على العوامل الموحدة". لافتا الى أنه "خلال معركة الانتخابات تم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء" لكن المشكلة التي شخصها أن "المعركة الانتخابية تتواصل في كل سنة، وبدلا من أن تكون الخلافات داخل الكنيست.. انتقلت الى الشارع".

وبعيدا عن سيناريوهات الحرب الاهلية، ومداها الزمني، فان القدر المتيقن أن هذه التقييمات والمواقف التي صدرت على لسان بردو، وقبل ذلك على لسان ريفلين، تؤكد بالحد الأدنى أن حالة الانقسام في المجتمع الاسرائيلي على درجة من الحدة والتوتر تبعث على القلق، على الاقل وفق رؤية رئيس الدولة ورئيس الموساد.

تجدر الاشارة ان هذه القراءات عن الانقسامات ليست حكرا على من تم ذكرهم، بل إن كافة القراءات الاسرائيلية، تؤكد أن المجتمع الاسرائيلي بات أكثر انقساما واكثر حدة من أي مرحلة سابقة. والسبب لا يعود الى أن الانقسام ظاهرة حديثة في المجتمع الاسرائيلي وانما بسبب مفاعيله الجماهيرية واتساع نطاقه الافقي في ظل تقارب نسبة الامتداد الشعبي لكل من التيارات الايديولوجية والاثنية. والتي لفت اليها ريفلين أمام مؤتمر هرتسيليا بالحديث عن الهويات الاربع. وأشار ريفلين في حينه الى انه في السابق كان هناك هيمنة علمانية مطبقة على المجتمع والمؤسسات، والى جانبها أقليات موزعة. أما الان لم يعد هناك أغلبية مهيمنة، وبات هناك قدر من التقارب بين نسب كل منهم. ولا يخفى أن لهذه المعطيات مفاعيلها الاقتصادية والسياسية والامنية القاسية. حتى أن مؤتمر هرتسيليا الاخير تناول هذه المفاعيل شرحا وتفصيلا وصولا الى طرح مشروع بديل بهدف احتواء الواقع ومعالجته.

لكن على خط مواز، تشهد الساحة الاسرائيلية ايضا تحولا في توجهات اليمين، من يمين ايديولوجي ليبرالي، الى يمين استيطاني وفاشي، الامر الذي وسع من دائرة التشدد الذي يطبع مواقف هذا التيار في قضايا الارض والتسوية، لتشمل ايضا موقفه من الاخر، بمن فيهم اليهودي اليساري.
في كل الاحوال، فإن الطرف المعني بكل هذه المواقف هو التيار والمعسكر اليميني، الذي يرى أن اطلاق مثل هذه التحذيرات تضعه في موقع المتهم خاصة وأنها تأتي في ذروة اعادة تشكيل النخبة المهيمنة على الواقع الاسرائيلي، التي تقترن بظواهر متطرفة من العنصرية، كما عبر نائب رئيس اركان الجيش، اللواء يائير غولان، وبالتشدد على المستوى السياسي الذي يحول دون التوصل الى تسوية على المسار الفلسطيني، مع ما قد يترتب على ذلك من انعكاسات وتداعيات. لكن ما ينبغي أن يكون حاضرا أن السيناريوهات ازاء مستقبل الواقع الداخلي الاسرائيلي، على الأقل وفق المدى المنظور، ليس محصورا بين حرب اهلية، أو استقرار سياسي واجتماعي. وانما يوجد بينهما مستويات متعددة من التصادم الذي قد يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة من العنف والتأزم..

 

2016-09-02