ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي الخطة ’ب’ لتدمير الجيش الجزائري؟
في صباح 5 حزيران 1967، عقد وزراء النفط العرب مؤتمرًا في بغداد بخصوص الحرب على مصر. كان الوفد الجزائري مكلفًا بالعمل على إقناع الوزراء بضرورة التهديد بتأميم حقول النفط. والواقع أن تأميم شركات النفط كان من شأنه أن يغير مسار الحرب ويوقف العدوان، إلا أن معادلة النفط مقابل العروبة بدت أكثر ربحًا. إذ رفض وزير النفط السعودي الاقتراح واعتبره "غير منطقي وغير معقول". مشيرًا إلى أن "حياة السعوديين تعتمد على النفط ولا يمكن الموافقة على الاقتراح" . إلا أن الاجتماع انتهى بإقرار التأميم شكليًا وعلى استحياء.
وما إن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر عن مشاركة أميركا وبريطانيا في العدوان، حتى أمر الرئيس الجزائري هواري بومدين بتأميم الشركات البريطانية والأميركية النفطية العاملة في الجزائر. الا ان بلد المليون شهيد كان البلد العربي الوحيد الذي قام بالتأميم. إلى ذلك، أرسل بومدين 47 طائرة حربية إلى مصر بناءً على طلب عبد الناصر.
وفي الصباح التالي لإرسال الطائرات، نشرت الصحف عن أقصر مقابلة ديبلوماسية. إذ استقبل الرئيس الجزائري بومدين السفير الأميركي وكان الحوار التالي:
السفير الأميركي: إن حكومة أميركا لا تنظر بعين الرضى لقرار الحكومة الجزائرية بإرسال طائرات حربية لجمال عبد الناصر.
بومدين: أولا، انتهى الزمن الذي تأمر فيه أميركا البلدان الصغيرة وهي تطيع. ثانيا، انتهت المقابلة يا سعادة السفير. ثم أمر مدير المراسم بمرافقته إلى السيارة.
يروي التاريخ الحديث أن الجزائر شكلت رأس حربة في الحروب العربية الإسرائيلية. وتكشف مذكرات القادة الذين شاركوا في تلك الحروب، عن عقيدة قتالية متجذرة ضد الاحتلال والاستعمار. في هذا السياق، يقول النقيب الراحل فراحي رمضان: "كان اختيار الجنود على أساس قاعدة "الجهاد في سبيل الله" بالدرجة الأولى. والكفاءة القتالية والشجاعة بالدرجة الثانية. كانت المهمة بالغة الصعوبة، فالغالبية أكفاء والجميع ينشد الجهاد والاستشهاد في سبيل الله". ويضيف رمضان: "الجيش بأكمله كان يرغب في الذهاب إلى مصر".
الميزة الثورية في الجزائر، تتكامل بانسجام بين الحكومة والجيش والمجتمع. وهي إلى هذا اليوم، تحافظ على مواقفها الرافضة لكل ما يخالف أدبيات الثورة. وكان رفضُ تصنيف جامعة الدول العربية لحزب الله إرهابيًا، آخرُ تلك المواقف.
هل هناك خطة لتدمير الجيش الجزائري؟
هذه المواقفُ الثابتة ليست لتمرّ كريمةً أمام الولايات المتحدة و"إسرائيل". خاصة في ظلّ تطور الترسانة العسكرية الجزائرية. إذ تفيد آخر التقارير الأميركية أن الجزائر احتلت المركز الثاني عربيًا بعد مصر ضمن التصنيف العالمي الجديد لأقوى الجيوش لسنة 2016.
وفي هذا السياق كتبت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قبل أيام مقالًا تؤكد فيه على أن "إسرائيل لا تهمل أبدا قوة الجيش الجزائري، الذي أثبت امتلاكه لترسانة قوية، خصوصًا في حرب 1973. ومن هذا التاريخ تعتبر إسرائيل الجزائر تهديدًا خارقًا لا يمكن التغافل عنه، رغم المسافات التي تفصلها". وتضيف "إن الموساد وضع الحكومة الإسرائيلية منذ سنة 2009 على أهبة استعداد دائم، بسبب التوسع الخطير للقوات البحرية الجزائرية ما يشكل خطرًا على الأمن الداخلي لإسرائيل".
اللافت أن ثمةَ جيوشٌ عربيةٌ أخرى راهن بن غوريون يومًا على انهيارها، إذ أعلن أنّ "عظمة "إسرائيل" لا تكمن في قنبلتها الذرية ولا في ترسانتها العسكرية، بل في انهيار ثلاث دول هي مصر والعراق وسوريا".
والواضح أن عملية تفكيكِ الجيوش العربية وتدميرِها لم تعد مجرّد نظرية مؤامرة. بل إنها استراتيجيةٌ أميركية ظهرت ملامحُها الأولى مع انهيار الجيش العراقي"أقوى خامس جيش في العالم"، عقب الاحتلال الأميركي للبلاد. وتاليًا مع محاولة تفكيك الجيش السوري وإضعافه من خلال الإرهاب الوافد. وآخرًا مع إدخال البلدين في صراعات طائفية وعرقية. وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمحلل الإسرائيلي عوزي بنزيمان: "إن القضاء على القوة العسكرية العراقية أزال من أمام إسرائيل تهديداً من الوزن الثقيل، وزال الخطرٌ إلا من الجبهة الشمالية، بعد أن خرجت مصر من دائرة العداء المحيطة بإسرائيل ".
وفي الإطار المصري، لا يستبعد باحثون" قيام جنرالات مصر بعمل عسكري مشترك ضد المقاومة الفلسطينية في غزة". ويشير أحدث تقرير استخباراتي أميركي عن الجيش المصري، إلى نجاح الأخير "في احتواء حركة حماس في غزة وتقويضها".
الواقع أن المناظير الحربية اليوم مفتّحةٌ على الجيش الجزائري، وقد نجح في إقصاء بلاده عن الإرهاب. وبدأ ببناء حاجز ترابي على طول الحدود الشرقية والجنوبية. إضافةً الى انتشار 12 ألف جندي، و60 برج مراقبة مدعمة بكاميرات حرارية متطورة، لمراقبة التحركات المشبوهة لـ"مافيا التهريب والإرهاب".
فهل ينبئ الكلام الاسرائيلي عن خطة "ب" لتدمير الجيش الجزائري؟ قد يكون الجواب في ادبيات "المحافظين الجدد". وهم المجموعة الأكثر تطرفًا في واشنطن. والمحاربون القدامى الذين يؤمنون أن القوة العسكرية هي الأداة الأساسية لمواجهة التحديات والنزاعات وخاصة تلك التي تواجه اسرائيل .