ارشيف من :ترجمات ودراسات
الصقور واستراتيجية الأسوأ : لا ينبغي للإسرائليين وللناتو أن يدمروا داعش !
الكاتب : Ben NORTON *
عن موقع Le Grand soir الالكتروني
أيلول / سبتمببر
2016
بالرجوع إلى أحد مراكز الأبحاث العاملة لحساب الناتو والحكومة الإسرائيلية، لا ينبغي للغرب أن يدمر داعش، ذلك التنظيم الإسلامي المتطرف والفاشستي الذي يخوض حرب إبادة وتطهير عرقي للإقليات في سوريا والعراق.
لماذا ؟ لأن الدولة الإسلامية المزعومة "يمكنها أن تكون أداةً مفيدة في تدمير" إيران وحزب الله وسوريا وروسيا، وذلك على ما يقوله إفراييم إينبار، مدير مركز الأبحاث المذكور. وقد كتب هذا الأخير بأن "المحافظةعلى وجود تنظيم الدولة الإسلامية يخدم غرضنا الاستراتيجي". كما كتب في مقالة نشرت في 2 آب / أغسطس بأن "تدمير تنظيم الدولة الإسلامية هو خطأ استراتيجي".
بتعاونها مع روسيا في محاربة التنظيم المتطرف الذي يمارس أعمال الإبادة، ترتكب الولايات المتحدة "عملاً جنونياً استراتيجياً"، وهذا العمل سوف يؤدي إلى "تعزيز قوة محور موسكو-طهران-دمشق". ما يعني أن روسيا وإيران وسوريا تشكل حلفاً استراتيجياً هدفه السيطرة على الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن على الغرب "أن يعمل من أجل إضعاف داعش لا من أجل تدميرها. فداعش الضعيفة أفضل من داعش الميتة".
من هو إفراييم إينبار، صاحب هذه الآراء ؟
هو استاذ جامعي إسرائيلي نافذ يدير معهد بيغين-سادات للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مهمته وضع "برنامج واقعي ومحافظ وصهيوني من أجل ضمان الأمن والسلام الإسرائيليين". مركز الأبحاث المذكور معروف باسمه المختصر "بيزا"، وهو تابع لجامعة بار إيلان الإسرائيلية، كما أنه يتلقى الدعم من الحكومة الإسرائيلية، وحلف الناتو، والمبادرة المتوسطية، والسفارة الأميركية في إسرائيل، ومركز كارنجي للأخلاقيات في الشؤون الدولية. كما أن مركز "بيزا" يصرح بأنه يقوم بإعداد أبحاث متخصصة لكل من وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين ولحلف الناتو.
ويعتبر إفراييم إينبار في مقالته أن من الجيد أن تطول الحرب في سوريا، تلك الحرب التي خربت البلاد، وأدت إلى مقتل مئات الألوف من الأشخاص، وشردت أكثر من نصف السكان. وكتب : "ليس الاستقرار قيمة بذاته. فهو ليس مطلوباً إلا إذا كان يخدم مصالحنا. فعدم الاستقرار والأزمات تنطوي على مقدمات لتطور إيجابي".
ويشدد إينبار على أن "العدو الرئيسي" للغرب ليس داعش، بل إيران. كما يتهم إدارة أوباما بأنها "تبالغ في تقدير حجم التهديدات التي تمثلها داعش" وذلك بهدف شرعنة إيران بوصفها قوة فاعلة و"مسؤولة" يفترض بها أن تحارب داعش في الشرق الأوسط مستقبلاً. وبالرغم من تأكيدات إينبار، فإن إيران هي العدو القاتل لداعش، خصوصاً لأن إيران تنتمي إلى الإسلام الشيعي، أي إلى مذهب ينظر إليه المتطرفون من السنة الداعشيين على أنه شكل من أشكال الردة. وقد قامت داعش وفروعها بأعمال قتل وتطهير عرقي طالت المسلمين الشيعة في سوريا والعراق وغيرهما.
يلاحظ إينبار أن داعش تهدد النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد. فإذا استمرت الحكومة السورية بالوجود، بحسب وجهة نظره، فإن كثيراً من الإسلاميين المتطرفين في المعارضة السورية أمثال جبهة النصرة وتفرعاتها يمكنهم أن يجدوا مجالات لتنفيذ عمليات تكون أكثر قرباً إلى باريس وبرلين. وجبهة النصرة هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وهي أحد التنظيمات المتمردة الأكثر قوة في البلاد. وقد اتخذت لنفسها مؤخراً اسماً جديداً هو "جبهة فتح الشام".
اسرائيل تراهن على داعش!
يقول أيضاً بأن حزب الله أي "الميليشيا المتمركزة في لبنان والتي تتلقى أسلحة ودعماً من إيران" هو أيضاً "موضع اختبار جدي تفرضه معركته ضد داعش، وهذا الوضع يخدم المصالح الغربية. ويضيف : "أن نترك ‘‘الأولاد الأشقياء’’ يقتلون ‘‘الأولاد الأشقياء’’ قد يبدو أمراً دنيئاً جداً، لكن من الضروري، وحتى الأخلاقي، أن نفعل ذلك إذا كان ذلك يشغلهما ببعضهما ويقلص قدرتهما على إيذاء "الأولاد المهذبين".
بعد أيام على نشر مقالة إينبار، كتب دافيد فاينبرغ، مدير العلاقات العامة في مركز "بيزا"، افتتاحية حول الموضوع نفسه بعنوان "هل ينبغي كنس داعش ؟"، وذلك في صحيفة "إسرائيل هايوم"، وهي صحيفة إسرائيلية يمينية مستقلة وواسعة الانتشار أسسها الملياردير المحافظ شيلدون آدلسون المؤيد بشدة لبرنامج رئيس الوزراء اليميني بيامين نتنياهو.
في تلك الافتتاحية، يدافع فايينبرغ عن آراء زميله ويصف داعش بأنها "الأبله المفيد". ويعتبر أن الاتفاق حول النووي بين الولايات المتحدة وإيران هو اتفاق "عفن". كما يزعم أن إيران وروسيا تمثلان "خطراً أكبر بكثير من الخطر الإرهابي الذي تمثله داعش".
كما يصف فاينبرغ مركز "بيزا" بأنه "مجال للاختمار الفكري وللإبداعية السياسية"، دون أن يقول بأنه هو مديره للشؤون العامة. وبعد أن يستعرض إجابات شريكيه في مركز الأبحاث اللذين لا يوافقان على آراء زميليهما، يصل واينبرغ إلى الاستنتاج التالي : "الأمر اليقيني الوحيد هو أن آية الله الخامنئي يتسلى وهو ينظر إلى هذا النقاش الغربي بشكل نموذجي".
على موقعه الإلكتروني، يضع فاينبرغ مركز "بيزا" في لائحة تضم الجهات التي تغذي الـ "هاسبارا"، أي البروباغندا المؤيدة لإسرائيل. وتظهر في تلك اللائحة أيضاً "منظمة الحقوق المدنية المزعومة"، و"الرابطة المضادة للافتراء" [على إسرائيل]، وغيرهما من مراكز الأبحاث المؤيدة لإسرائيل من نوع "معهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط" و "معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى".
لقد عمل فاينبرغ بكثرة مع الحكومة الإسرائيلية، كما كان ناطقاً باسم جامعة بار إيلان. وهو يقدم نفسه على موقعه الالكتروني بوصفه "صحافياً وعضواً في جماعة ضغط وناقداً لاذعاً للمفترين على إسرائيل وللتيارات الإسرائيلية ما بعد-الصهيونية".
وبدوره، يمنح إفراييم إينبار نفسه مدائح فضفاضة من النوع ذاته. فيروي كيف أنه كان عضواً في "اللجنة الاستراتيجية السياسية في مجلس التخطيط الوطني الإسرائيلي". وعضواً في "اللجنة الأكاديمية لقسم التاريخ التابع للجيش الإسرائيلي". و"رئيس لجنة البرنامج الوطني للأمن في وزارة التربية الإسرائيلية". كما يلوح أيضاً بمشاركته في نشاط جامعي مرموق حيث أنه مارس التدريس في جامعتي جون هوبكينز وجورج تاون. كما كان استاذاً مساعداً في هارفارد وفي معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في كولومبيا، وكذلك في جامعتي أوكسفورد ويال. ويذكر أن إفراييم إينبار، وهو إسرائيلي من أصل روماني، حصل على منحة من مركز "وودرو ويلسون الدولي"، كما كان أحد خريجي "دورة مانفرد وورنر" التي يديرها الناتو عام 1998، وهي عبارة عن بحث حول موضوع يتعلق بالحرب الباردة.
إن الاستراتيجية التي يقترحها كل من إينبار وفاينبرغ والتي تسمح بشكل غير مباشر لجماعة إسلاموية فاشية بأن تواصل الحرب ضد خصوم غربيين، ليست جديدة بالضرورة في الدوائر الأميركية والإسرائيلية ذات الصلة بالسياسة الخارجية. فهي تذكر بالسياسة الأميركية خلال فترة الحرب الباردة والتي اقتضت دعم المتطرفين الإسلاميين من اليمين المتطرف لمحاربة الشيوعيين والوطنيين اليساريين.
ففي الحرب الأفغانية في الثمانينات، قامت وكالة الاستخبارات الأميركية والحلفاء الباكستانيين والسعوديين بتسليح وتدريب وتمويل الأصوليين الإسلاميين لمحاربة الاتحاد السوفياتي والحكومة الأفغانية الاشتراكية المدعومة من قبل السوفيات. وكان "المجاهدون" المدعومون من قبل واشنطن هم أسلاف تنظيمي القاعدة وطالبان.
وفي فترة الثمانينات، اعتمد الإسرائيليون سياسة مشابهة، حيث ساعدوا تنظيمات إسلاموية بهدف خلق الشقاق في صفوف الفلسطينيين. وفي تصريح أدلى به لصحيفة وول ستريت جورنال آفنير كوهين، وهو موظف إسرائيلي عمل في غزة لمدة عشرين عاماً، اعترف هذا الأخير بأن الاسرائيليين كانوا وراء صنع حركات إسلامية متشددة.
وسبق ذلك، في العام 1957، أن قال الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور بمنتهى الإصرار أن مواجهة الحركات اليسارية في الشرق الأوسط تستدعي "عمل كل شيء ممكن من أجل تعزيز مظاهر "الحرب المقدسة".
* بن نورتن هو صحافي في موقع " www.salon.com" وهو عبارة عن صحيفة إلكترونية بديلة وتقدمية أسسها دايفد تالبوت عام 1995.