ارشيف من :آراء وتحليلات

رسائل المناورة الاسرائيلية: مهنية ناقصة، ودعائية فائضة

رسائل المناورة الاسرائيلية: مهنية ناقصة، ودعائية فائضة

بدأت اسرائيل مناورة كبرى لجبهتها الداخلية، من نهار الاحد (18/9) يفترض أن تستمر حتى يوم الاربعاء.. وبحسب سيناريو المناورة تخوض اسرائيل حربا شاملة على ثلاث جبهات، يتوقع خلالها، أن يتساقط على اسرائيل في كل يوم 1500 صاروخ. وضمن هذا الاطار يتم اجراء تدريبات واسعة لفحص مدى الاستعدادات لاندلاع حرب شاملة..
يلاحظ على هذه المناورة والسيناريو الذي تجري وفقه، ما يلي:
·        تأتي مناورة الجبهة الداخلية الاسرائيلية امتدادا للمناورات السابقة التي توالت منذ ما بعد حرب العام 2006، تحت اسم "نقطة تحول"، لكن هذه المرة مع تغير اسمها الى مناورة "صمود راسخ" أو "مناعة صلبة".

·        ينطوي اجراء هذه المناورة، وما سبقها من مناورات مماثلة، على تسليم اسرائيلي رسمي من قبل القيادتين السياسية والعسكرية، بأن الجبهة الداخلية تحولت الى جبهة اساسية من جبهات القتال. وهو مفهوم تبلور وتكرس في أعقاب نتائج حرب العام 2006، كما أشار الى ذلك أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمته الاخيرة في الذكرى السنوية العاشرة للنصر الالهي. وتعززت هذه الرؤية في ضوء مجريات ونتائج الحروب الاسرائيلية المتوالية على قطاع غزة.

رسائل المناورة الاسرائيلية: مهنية ناقصة، ودعائية فائضة

230 الف صاروخ تهدد "اسرائيل"

·        على هذه الخلفية، تبنت اسرائيل سياسة إعداد الجمهور الاسرائيلي للتكيف مع حقيقة هذا التحول. وتحاول ايضا ملاءمة توقعاته مع نتائج أي معركة لاحقة مع حزب الله.. استنادا الى حقيقة أن الجيش لا يملك حلا جذريا للقدرات الصاروخية المتوفرة لدى اعداء اسرائيل، ولا حلا سحريا لحماية الجبهة الداخلية.

·        يلاحظ على هذه المناورة، ايضا، أن التطور المذهل على المستوى التكنولوجي والعسكري الاسرائيلي، على المستوى البري والجوي والبحري، والتحسن في  البيئة الاستراتيجية التي زال فيها خطر الجيوش النظامية، اما بفعل اتفاقيات السلام مع مصر والاردن، أو بفعل تفكك الدولة السورية  والعراقية، لم يؤدي الى  تبلور فرصة استراتيجية وتاريخية لإطباق الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة . على العكس من ذلك فان الذي  الذي حصل على أرض الواقع هو  تبلور لنتائج غير تناسبية مع هذه المقدمات، يتمثل بالتهديد المتعاظم على جبهتها الداخلية، بفعل تنامي وتطور القدرات الصاروخية لمحور المقاومة، كما ونوعا، وتحديدا ما لدى حزب الله.

·        ايضا، يلاحظ أن المناورة اعتمدت سيناريو يجمع بين الحد الاقصى من التهديد، أعداد هائلة من الصواريخ (230 الف صاروخ)، وسقوط حوالي 1500 صاروخ كل يوم ضمن حرب شاملة على كافة الجبهات، وفي الوقت نفسه، بضع مئات من القتلى.. واعداد محدودة جدا من الصواريخ التي تصيب المناطق المأهولة، وتوغل محدود على الحدود لأهداف تتصل بالمعركة على الوعي. ويهدف هذا المزج الى مصارحة الجمهور بحجم التهديد، وفي الوقت نفسه عدم إرهابه وإرعابه..

·        تكفي الاشارة للاستدلال على هذه الخلاصة، حرص اسرائيل على تجنب تبني سيناريو أكثر واقعية وهو استهداف مئات الاهداف الاستراتيجية، على المستوى الاقتصادي والعسكري.. بما يتناسب مع امتلاك حزب الله صواريخ تطال كل اسرائيل ودقيقة الاصابة ورؤوس تفجيرية تصل الى مئات الكليوغرامات،ـ وبالتالي تبني سيناريو هو الأكثر أرجحية في أي حرب شاملة مع محور المقاومة..
·        على مستوى التقييم، يمكن القول أن سيناريو المناورة تمتع بقدر من المهنية لجهة افتراض أقصى درجات التهديد، وهو ما برز من خلال اعداد الصواريخ.. ولكن هذه المهنية كانت ناقصة كونها تجنبت سيناريوهات أكثر ترجيحا لجهة استهداف المناطق الاستراتيجية.. في المقابل، تميزت المناورة، على رغم من اهميتها ودورها في بناء الجهوزية، بدعائية فائضة كونها افترضت اعداد محدود من الخسائر بالقياس الى حجم التهديد الصاروخي وحجم المعركة الشاملة التي تفترضها..

·        في مواجهة الخارج، يريد الاسرائيلي القول انه يواصل بناء جهوزيته على مستوى الجبهة الداخلية، وأنه في الطريق الى استكمال هذه الجهوزية لخوض مواجهة كبرى مع حزب الله ومحور المقاومة.. ويبدو أن اختيار اسم المناورة "الصمود الراسخ/ مناعة صلبة"، هو للقول أن اسرائيل تنمي قدرة صمود جبهتها الداخلية بما يمنح المستويين السياسي والعسكري، هامشا اوسع في المناورة وادارة المعركة من دون ضغوط داخلية.
·        على مستوى التوقيت، صحيح أن قرار اجراء المناورة، تم تحديده مسبقا، وفقا لجدول تدريبات الجيش الاسرائيلي والجبهة الداخلية، وبالتالي ليست نتاج تقدير وضع مستجد يتصل باللحظة الراهنة كما نقلت صحيفة معاريف. مع ذلك، لا يمكن الفصل بين مسار المناورات خلال السنوات الاخيرة، وبين فشل الرهانات على اسقاط الدولة السورية، والرئيس بشار الاسد، واستبدال النظام في سوريا بآخر معادي لحزب الله يتكفل بمواجهة حزب الله من أجل شطبه من المعادلة الداخلية والاقليمية. ونتيجة هذا الفشل تكرس خطر حزب الله ومحور المقاومة، بل هو في مسار تصاعدي، على العمق الاسرائيلي. في المقابل، فرض هذا الواقع على اسرائيل مواصلة بناء جهوزيتها الدفاعية والهجومية.

2016-09-19