ارشيف من :آراء وتحليلات

المساعدات الاميركية في سياقها الإقليمي: تعزيز مكانة ’اسرائيل’ الاستراتيجية مقابل إيران وحزب الله

المساعدات الاميركية في سياقها الإقليمي: تعزيز مكانة ’اسرائيل’ الاستراتيجية مقابل إيران وحزب الله

يمكن الاكتفاء بما أدلى به كل من الرئيس الأمريكي باراك اوباما وبنيامين نتنياهو خلال الايام الماضية، لاستشراف خلفية المساعدات الاميركية غير المسبوقة لـ"اسرائيل". إذ أكد رئيس الوزراء الاسرئيلي أن هذه المساعدات "ليست خدمة للمصالح الامنية الاسرائيلية فحسب، إنما هي خدمة للمصالح الامنية الاميركية"، فيما شدّد الرئيس الاميركي خلال لقائه نتنياهو في الامم المتحدة على أن "المحافظة على "اسرائيل" آمنة، قادرة في الدفاع عن نفسها، هي مصلحة هامة للامن القومي الاميركي".

وفي التفاصيل، القدر المتيقن أن قرار البيت الابيض بدعم "اسرائيل" بـ 38 مليار دولار خلال العقد القادم، هو حصيلة قراءة محدَّدة للموقع الاستراتيجي لـ"اسرائيل" في ضوء المستجدات الجيوسياسية التي تنطوي على تهديدات وفرص بالنسبة لها. وعلى ذلك، أقلّ ما يمكن وصف المكانة الاستراتيجية لـ"اسرائيل" من منظور اميركي، أنها كانت وما زالت تحتاج الى المزيد من الدعم الاميركي دفاعًا عن وجودها وأمنها، وتعزيز تفوقها النوعي كجزء من الاستراتيجية الاميركية التي تستهدف شعوب ودول المنطقة.

بالاستناد الى مسار المساعدات الاميركية خلال العقود الماضية، يُلاحظ أن هذه المساعدات كانت ترتفع بشكل جوهري عندما كانت تواجه "اسرائيل" تحديات وتهديدات تمسّ أمنها القومي، أو لمواجهة أزمات اقتصادية، كما حصل ذلك أيضًا كمكافأة لها على خطوات بادرت اليها. ومن أبرز النماذج على هذا المفهوم ما تلقته "اسرائيل" في العام 1974 من مساعدات مالية لحساب موازنتها الامنية، شكلت نحو ثمانية أضعاف المساعدات التي تلقتها في السنة السابقة، وخصوصية هذه المساعدات المرتفعة قياسًا مع تلك المرحلة والقيمة الشرائية للدولار، أنها أتت بعد حرب تشرين عام 1973 والنتائج التي ترتبت عليها، حيث انتقلت المساعدة في حينه من نحو 300 مليون دولار عام الى نحو 2,5 مليار دولار. ويُلاحظ أيضًا أن "اسرائيل" تلقت 4 مليارات دولار في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979، وتلقت مساعدات مالية مرتفعة نسبيًا لمواجهة الازمة الاقتصادية الحادة التي واجهتها "اسرائيل" منتصف الثمانينات.

المساعدات الاميركية في سياقها الإقليمي: تعزيز مكانة ’اسرائيل’ الاستراتيجية مقابل إيران وحزب الله

أوباما ونتنياهو

 

 فيما يتعلق بخصوصية المساعدات الحالية المخصصة لصالح الموازنة الامنية الاسرائيلية، يُلاحظ أنها تأتي في ظل بيئة اقليمية يفترض أنها مريحة جدًا لـ"اسرائيل". من جهة ترتبط "اسرائيل" باتفاقيات سلام مع مصر والاردن أثبتت التجارب حتى الآن أنها صامدة رغم كل التطورات التي مضت، وبذلك ضمنت "اسرائيل" أمنها القومي من الجبهتين الجنوبية والشرقية. أيضًا تواجه سوريا والعراق، على جبهتيها الشمالية الشرقية تهديدًا تكفيريًا ساهم حتى الآن في استنزافها وفككها وأضعف جيوشها. وعلى خط موازٍ، ترى "تل أبيب" أن حزب الله مشغول بمواجهة التهديد التكفيري في سوريا ولبنان الأمر الذي يفترض أنه يساهم في تقييد قدرته على المبادرة ضدها.

في مقابل كل ما تقدم، ترى "تل أبيب" وتشاركها واشنطن في الرؤية أنها تواجه تهديدًا متصاعدًا من محور المقاومة، بفعل الاتفاق النووي الذي كرَّس إيران دولة نووية باعتراف دولي، ورفع عنها العقوبات، ما وفّر لها هامشًا أوسع بالتحرك والتنامي الاقتصادي والعسكري، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج إقليمية تتصل بمعادلات القوى مع "اسرائيل" وسائر المعسكر العربي التابع للولايات المتحدة.

كما أن فشل إسقاط النظام السوري واستبداله بآخر معادٍ للمقاومة ساهم ببقاء أطراف المحور مترابطين يشدّ بعضهم بعضًا، وبالتالي مكَّن حزب الله من مواصلة مُراكَمَة قدراته الاستراتيجية في مواجهة "اسرائيل". كما أن ظروف الميدان في سوريا ساهمت أيضًا في منح حزب الله هامشًا واسعًا في مواجهة أيّة اعتداءات اسرائيلية، هذا الواقع الاقليمي المركَّب أنتج لـ"اسرائيل" فرصًا وتهديدات.

في ضوء ذلك، تحاول الولايات المتحدة أن تواجه فشل مخطّطاتها السابقة بخصوص سوريا والعراق بمخطّط بديل يهدف الى احتواء الانتصار الذي حقّقه محور المقاومة حتى الآن عبر عدة مسارات من ضمنها تعزيز قدرات "اسرائيل" الدفاعية في مواجهة قدرات حزب الله وسائر أطراف محور المقاومة، وبما يُمكِّنها من تأدية الدور المفترض لها على المستوى الاقليمي في سياق الاستراتيجية الاميركية للمرحلة المقبلة.

وضمن هذا الإطار يندرج أيضًا الحديث عن انفتاح أنظمة "الاعتدال" العربي على "اسرائيل"، ومن ضمنه ما ورد على لسان نتنياهو أمام الامم المتحدة بأن دولًا عربية باتت ترى في "اسرائيل" حليفًا ضد عدو مشترك هو إيران. ومن ضمنه أيضًا محاولة العودة ولو بقدر وصورة أقل حدة الى العراق، ومن ضمنه الرسالة الاميركية عبر استهداف الجيش السوري في دير الزور، وتعزيز الحضور والتأثير الأميركي المباشر في شرق سوريا وشمالها.

 

2016-09-23