ارشيف من :ترجمات ودراسات

كفاءة شمعون بيريز في الترويج للدور الوظيفي لاسرائيل

كفاءة شمعون بيريز في الترويج للدور الوظيفي لاسرائيل

مع اعلان وفاة الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز تم استحضار تاريخه السياسي الذي هو في الواقع تاريخ الكيان الصهيوني. فقد واكب بيريز الدولة اليهودية منذ مراحلها الاولى وصولاً الى العام 2016. وعلى ذلك فهو من جيل المؤسسين الذين كان لهم دور اساسي ومفصلي في العديد من المحطات الاستراتيجية في تاريخ الكيان.
تعددت العناوين التي تم تناولها في تاريخ بيريز، لكن من أبرزها دوره في العدوان الثلاثي على مصر، وفي اكتساب القدرات النووية التي تمظهرت ببناء مفاعل ديمونا. اضافة الى عناوين والقاب حظي بها "الزعيم الاسرائيلي"، فهو أحد مؤسسي الاستيطان اضافة الى جزار قانا، والثعلب السياسي الذي يقف خلف اتفاق اوسلو.

شكلت الخمسينات مرحلة مفصلية وتأسيسية في تاريخ "اسرائيل"، كونها أتت بعد حرب العام 1948، وكانت "اسرائيل" في حينه ما تزال تعيش قلق الوجود، وتحديدا بعدما بدأ نجم عبد الناصر بالصعود في أعقاب "ثورة الضباط الاحرار". في ذلك الحين بدأت مصر بالتزود بالأسلحة التي رأت فيها اسرائيل، بمقاييس تلك الفترة تهديدا لوجودها وأمنها.. وقبل أن يتعاظم الخطر المصري، ويبلغ نقطة اللاعودة، تحركت اسرائيل بقوة للحصول على قدرات تسمح لها بالمواجهة.. ونتيجة ذلك، قررت القيادة الاسرائيلية ممثلة بـ"بن غوريون"، التوجه الى فرنسا من اجل تعزيز العلاقات معها، في محاولة للحصول منها على الاسلحة المطلوبة..

كفاءة شمعون بيريز في الترويج للدور الوظيفي لاسرائيل

عراب الدور الوظيفي لاسرائيل

من اجل تنفيذ هذه المهمة، تم اختيار مدير عام وزارة الامن شمعون بيريز الذي توجه الى باريس طالبا مساعدتها. لكن طلبه قوبل بداية بالانتقاد والسخرية.. إلا انه تمسك بموقفه وعقد سلسلة طويلة من اللقاءات مع العديد من الشخصيات الفرنسية.. وهنا يكمن موضع الشاهد الذي نهدف الى التركيز عليه، وما ينطوي عليه من رسائل ودلالات تتصل بحاضرنا وبتاريخ الصراع مع اسرائيل. اذ أن بيريز عمد الى التركيز على الخطر الذي يمثله عبد الناصر على المصالح الفرنسية في المنطقة. باعتبار أن الفرنسيين كانوا ينظرون الى الرئيس عبد الناصر، على أنه يقف وراء دعم الثورة الجزائرية. وهكذا استطاع بيريز أن يقنع الفرنسيين بوجود مصالح مشتركة، وأن دعم اسرائيل لمواجهة مصر عبد الناصر، يمكن أن يساهم في تعزيز المصالح الفرنسية والدفاع عنها. في نهاية المطاف انتزع بيريز موافقة فرنسية على الطلب الاسرائيلي انطلاقا من المصالح المشتركة.

الى ذلك، يمكن القول أن قادة تل ابيب اختاروا باريس في ذلك الحين، انطلاقا من هذه الرؤية.. ويأتي هذا التوجه الاسرائيلي ترجمة للاستراتيجية التي تبلورت منذ اللحظات الاولى لتشكيل الحركة الصهيونية. اذ قرر مؤسسها هرتسل في ذلك الحين، البحث عن دعم دولة عظمى تتبنى المشروع الصهيوني.. وعقد سلسلة من اللقاءات مع كبار الزعماء العالميين في هذا المجال.. استنادا الى خطاب سياسي عبر عنه في كتابه "دولة اليهود" بالقول أن اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يمكن أن يشكل خط دفاع للحضارة الغربية في المنطقة.. أو موطئ قدم لها في المنطقة، وهو ما نلاحظه ايضا، في تاريخ اسرائيل نفسها.. مع بريطانيا والولايات المتحدة..

على ما تقدم، يمكن اعتماد هذه المحطة كدليل على أن اسرائيل تدرك في عمقها، أن استمرارها والدعم الذي تتلقاه من الدول الكبرى مرتبط بالدور الوظيفي الذي تقوم به في المنطقة.. وهو ما نلاحظه في تعبير نتنياهو تعقيبا على المساعدات الاميركية الاخيرة، بالقول أنها "ليست فقط خدمة للمصالح الأمنية الاسرائيلية، وانما ايضا للمصالح الأمنية الاميركية".

استنادا الى ما تقدم، فإن نجاح القادة الاسرائيليين في بداية الكيان وعلى طول تاريخه وجوده، كَمَن تحديدا في تشخيصهم لحقيقة التوجهات الاستعمارية الدولية ازاء المنطقة.. وأن هذه الدول تحتاج قواعد عسكرية في المنطقة، حماية لمصالحها.. وعلى ذلك فلتكن الدولة اليهودية هي القاعدة الاكبر لهم.. واداة لتطويع المنطقة واخضاعها وخط دفاع لهم..  وفي هذا السياق، يمكن القول أن كفاءة بيريز كمنت تحديدا في قدرته على الترويج للدور الوظيفي لاسرائيل بالنسبة لفرنسا، ولاحقا بالنسبة للدول العظمى الاخرى ايضا..

هكذا يبرز بوضوح أن هذه الرؤية ذاتها إزاء الدور الوظيفي الاسرائيلي في سياق السياسة الاستعمارية الاوروبية، ولاحقا الاميركية، هي التي استندت اليها الاطراف الثلاثة، بريطانيا وفرنسا واسرائيل، للتخطيط لمهاجمة مصر، بعدما اقدم الرئيس عبد الناصر على خطوة تأميم قناة السويس ما شكل ضربة قاسية جدا للبريطانيين والفرنسيين على حد سواء. في هذه اللحظة المفصلية التقطت اسرائيل نضوج الظرف المثالي للذهاب في خيار عسكري مباشر ضد مصر.

هكذا تقاطعت المصالح الاسرائيلية والغربية في ذلك الحين للتخلص من عبد الناصر. من جهة رأت اسرائيل أن هذا الهجوم الثلاثي، يسمح لها باجهاض التهديد الذي بدأ يتعاظم انطلاقا من مصر ضد اسرائيل..  ومن جهة يسمح العدوان لبريطانيا وفرنسا، (كما كان مفترضا وفقا للمخطط)، بالعودة الى القناة التي تشكل شريانا حيوياً للدول العظمى في التواصل مع المستعمرات.. وفرصة لاستعادة الهيمنة عليها، واسقاط عبد الناصر.. ويمكن للفرنسيين ايضا، أن يوجهوا ضربة قاصمة للطرف الذي يدعم الثورة الجزائرية..
ما يهمنا في هذا السياق، الاشارة ايضا الى أن بيريز كان أحد الشخصيات الثلاث، من موقعه كمدير عام لوزارة الامن في حينه، الى جانب بن غوريون ورئيس الاركان موشيه ديان، الذين صاغوا مخطط العدوان الى جانب الوفدين الفرنسي والبريطاني..

الدور النووي
يعزى في كل المقاربات الاسرائيلية، أن من يعود له الفضل في الحصول على القدرة النووية هو شمعون بيريس، وقبله بن غوريون.  والحق يقال ان هذا الامر صحيح استنادا الى ما تورده الكثير من الوثائق الاسرائيلية.. لكن ما يهمنا في هذا السياق، هو اتضاح الخلفية والارضية التي دفعت فرنسا في ذلك الحين، الى تزويد اسرائيل ببناء قدرة نووية، ما ترجم لاحقا عمليا، في تشرين الاول عام 1957، حيث تم التوقيع على اتفاق رسمي سري جدا ببناء المفاعل النووي ديمونا في اسرائيل.
ومما يؤكد – كمعطى اضافي – المفهوم الذي تمت مقاربته في خلفية الدعم الفرنسي وغيرها من الدول العظمى لاسرائيل (الدور الوظائفي والمصالح المشتركة)، العبارات التي أوردها بيريز لتبديد المخاوف الفرنسية من تزويد اسرائيل ببناء قدرات نووية، عندما عزَّز مخاوفهم بالقول "من يضمن أن الاتحاد السوفياتي لن يسلم مصر اسلحة نووية، عندها ماذا يمكن أن يفعل الغرب".
ايضا، يمكن الافتراض أن مفاعيل هذه الكلمات، وتمسك الفرنسي بالالتزام بوعده لاسرائيل بتزويدها بقدرات نووية، منذ ما قبل العدوان الثلاثي، كونها أتت بعد فشل العدوان الذي كرس زعامة الرئيس عبد الناصر. بل تحوَّل العدوان الى انتصار تاريخي لمصر.. الامر الذي فاقم الشعور بالخطر الغربي والاوروبي تحديدا، من المسار التصاعدي لمصر برئاسة عبد الناصر..
(2

2016-10-03