ارشيف من :آراء وتحليلات

المواجهة الأميركية الروسية: حرب باردة على شفير الهاوية

 المواجهة الأميركية الروسية: حرب باردة على شفير الهاوية

منذ اللحظة الأولى للتوقيع على الاتفاق الأميركي - الروسي، برزت شكوك في إمكانية تنفيذ ھذا الاتفاق وما تضمنه من تفاھمات ميدانية معقدة، وبمدى التزام واشنطن وموسكو بما توصلا إليه وخصوصا بمدى قدرة الأولى على متابعة الملف السوري واتخاذ القرارات في مرحلة انتخابية متقدمة لا تكبل أيدي الإدارة القادمة.

كل هذا جعل موسكو تدرك أنھا في سباق مع الوقت وأن النافذة تضيق لإنجاز حل قبل نھاية ولاية أوباما، الذي وإن كان يسعى بجد لإنجاز حل للأزمة السورية، إلا أنه لن يفوّت على نفسه فرصة انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب، وھو يحتاج ھذه المكاسب لتمرير الاتفاق في واشنطن. أما بوتين فقد استخدم أوراقه بما فيھا القوة العسكرية بتبعاتھا السياسية والقانونية و"الأخلاقية" للضغط على إدارة أوباما ودفعھا لإنجاز اتفاق ثنائي.  وكان له ما أراد مستفيدا من ضعف سياسة أوباما الذي سلّمه مفتاح الحل في سوريا ووافق على التفاوض الثنائي وإبعاد حلفائه عن جوھر المفاوضات التي بقيت طي الكتمان.

موسكو راھنت على الاتفاق ورأت فيه إنجازا يُبنى عليه، وبأن الحل وُضع على السكة وسيقطع شوطا كبيرا قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض، لكن، حدثت خروقات واسعة وخطيرة في الھدنة:  
-    غارة أميركية في دير الزور ضد موقع للجيش السوري أوقع عشرات القتلى واتھمت بھا الولايات المتحدة.
-    انھيار الوضع العسكري في حلب ما جعل أوباما محرجا أمام حلفائه (تركيا والسعودية وأوروبا) وأمام المعارضين في الداخل الأميركي لفكرة التعاون مع روسيا وصار واقعا تحت ضغوط قوية قبل الانتخابات. مما دفعه إلى التحرك غاضباً وملوّحا بخيارات وبدائل لوضع حد للاستفزازات الروسية، وهي:
-     السماح للدول الداعمة للمعارضة بتقديم أسلحة وأنظمة عسكرية متطورة .
-    تنفيذ ضربات جوية ضد قواعد جوية للجيش السوري .
-    فرض حظر طيران جزئي فوق حلب.
-    إضافة الى سلسلة عقوبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية منھا وقف التفاوض والتعاون مع روسيا وطرد سوريا من الأمم المتحدة، إلخ...

 المواجهة الأميركية الروسية: حرب باردة على شفير الهاوية

المواجهة الاميركية الروسية

التصعيد الأميركي ھذه المرة طال موسكو مباشرة ولم يقتصر على دمشق. رد الروس مستخدمين لغة التحدي ايضا ليصبح العالم على حالة من  "التوتر" بين الأميركيين والروس، يعد الأول والأشد منذ اندلاع الأحداث السورية،إلا أن التوتر، وما تبعه من تھديدات لفظية أميركية، لا يعني بالضرورة أن يجد تعبيراً ميدانياً، برغم كل الحديث التصعيدي والتلويح بخيارات عسكرية ودعم تسليحي للجماعات المسلحة. فكلام الرئيس الاميركي باراك أوباما، عن الحاجة إلى التعقل بشأن إرسال قوات الى سوريا، إشارة إلى أن المواقف الاميركية التصعيدية جاءت نتيجة اختلاف رؤى في الإدارة نفسھا، أكثر من كونھا رد فعل على موقف روسيا المتعنت، وفشل الديبلوماسية الأميركية في انتزاعھا من محورھا.

مصادر مطلعة تقول إن أوباما وبالتنسيق مع وزارة الدفاع (البنتاغون) يبحث في خيارات الضغط على روسيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد . بينما يرى المحللون والخبراء في شؤون الشرق الأوسط إن رھان البيت الأبيض على تفاھم مع الكرملين سقط.  وباب الخيارات الجديدة التي يدرسھا لرفع التحدي يكاد يكون مقفلا. لا أحد يتوقع أن يعمد أوباما إلى استخدام القوة لا في حلب ولا في غيرها.  فإدارة أوباما تريد الظھور بأنھا تدرس الخيارات العسكرية في سوريا أو على الأقل تحاول إرسال إشارات لروسيا أن القوة العسكرية خيار مطروح على الطاولة.
صحيفة "واشنطن بوست"  نقلت عن مسؤولين أميركيين قولھم إنه ليس ھناك اجماع على الخيارات التي يجب أن تطرح على أوباما، مضيفين أن منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط روبرت مالي وموفد اوباما في التحالف الدولي بريت ماكغورك يعارضان أي تصعيد عسكري ضد الحكومة السورية.

كما استبعدت صحيفة "نيويورك تايمز" إقدام الإدارة الأميركية على أي خطوة في الوقت المتبقي لأوباما في البيت الأبيض، ورأت أن الطرف الروسي يستفيد من ھذا الوقت من أجل فرض أمر واقع على الأرض أمام الرئيس الأميركي الجديد.
مصادر دبلوماسية ترى أن أكبر المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة ھي أنھا ليس لديھا خطط بديلة للعمل في سوريا. ولقد بدا ذلك واضحا في شھادة نائب وزير الخارجية بلينكين أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حول ما إذا كانت الإدارة الأميركية تملك خططا بديلة أو الخطة "ب"، إذ قال: "إن تكثيف القصف في سوريا سيدفع الدول الداعمة للمعارضة السورية إلى ضخ المزيد من الأسلحة إلى منطقة الصراع".
في المقابل تبدو روسيا مستعدة  للـ"خطة ب" في سوريا في حال انھيار اتفاقھا مع أميركا، ووفق معلومات وتقارير، فإن خطة روسيا العسكرية تقوم على العناصر التالية:
-    تحصين دمشق عبر وضع جيوب المعارضة المسلحة بين خيارين: الخروج بشروطنا أو الاستعداد لقصف وحصار لا يحتملان.
-    تحقيق انتصارات عسكرية وتكرار "نموذج غروزني" الذي تعتبره وزارة الدفاع الروسية ناجحا. ويشمل ھذا مد السيطرة على مناطق اخرى في "سوريا المفيدة" خصوصاً حلب.
-    تعزيز وضع الجيش السوري في مناطق سيطرته، وفي مناطق أخرى مثل حمص وإخراج جميع مقاتلي المعارضة وتطبيق اتفاق التسوية في حي الوعر، بحيث ينتھي أي وجود للمعارضة في "عاصمة الثورة".
-    ترك ريف حلب الشمالي لتركيا ضمن تفاھم روسي – تركي، وضمن نتائج اللقاء الأمني الذي جرى في بغداد بين مسؤولين أمنيين سوريين وأتراك الشھر الماضي، بحيث يجري طرد "داعش" من شمال حلب الى حدود تركيا مع ضبط حدود تمدد فصائل سورية معارضة باتجاه مدينتي الباب ومنبج، مع الاستمرار في مراقبة حدود التدخل التركي، وما إذا كان سيشمل التمدد الى الرقة شرقاً لطرد "داعش" من دون دور عميق للأكراد.
-     ترك "جيش الفتح" الذي يضم فصائل اسلامية بقيادة "فتح الشام" و"أحرار الشام"، إضافة الى فصائل إسلامية أخرى مثل "جند الأقصى"، تسيطر على محافظة إدلب. فوفق قول ديبلوماسي روسي الى سفير أوروبي، إن "التعاطي مع ھؤلاء مؤجل الى مرحلة لاحقة".

أما على المستوى السياسي فإن خطة روسيا تقوم وفق المعلومات على العناصر والبنود التالية:
1 - رعاية حوار بين ممثلين للنظام والمعارضة، على أن تجري في موازاة المفاوضات الرسمية في جنيف مفاوضات عملية أمنية -  ميدانية في قاعدة حميميم العسكرية الخاضعة للسيطرة الروسية.
2- تشكيل حكومة وحدة وطنية بدلا من حكومة انتقالية تضم ممثلين عن المعارضة والنظام، على أن يشغل وزراء النظام الوزارات الأساسية، خصوصا الدفاع والداخلية التي لھا وصاية على الأجھزة الأمنية والعسكرية.
3 - تحدد أطراف المعارضة المشاركة في الحوار والحكومة في الشخصيات والقوى المقربة من موسكو والقاھرة، إضافة الى معارضة الداخل، ولا تكون محصورة بالمعارضة المحسوبة على تركيا والسعودية.
4- يتم استحداث ثلاثة مناصب لنواب الرئيس: نائب رئيس للشؤون الخارجية، وآخر للشؤون السياسية، وثالث  للشؤون الاقتصادية.
5- تنظم حكومة الوحدة الوطنية انتخابات عامة ينبثق عنھا برلمان جديد يتولى وضع دستور جديد.
6 - تنظم على أساس الدستور الجديد انتخابات رئاسية على أن يكون متاحا للرئيس بشار الأسد ترشيح نفسه، ويكون القرار والاختيار للشعب السوري.

لكن، ھذه الخطة الروسية تصطدم مع الولايات المتحدة في موضوع الرئيس بشار الأسد، التي تريد أن يذھب مع نھاية المرحلة الانتقالية، وتصطدم مع تركيا التي تريد موقعا ودورا للإخوان المسلمين وأن يكون لھم ثلث الحصة المخصصة للمعارضة.
من الواضح أخيراً، أن بوتين يعتمد استراتيجية تقوم على التصرف بقوة وسرعة واغتنام الفرص خلال الأشھر الفاصلة قبل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، إذ يرجح بوتين أن اوباما لن يتدخل خلال ھذه الفترة في الصراع المحتدم في سوريا. لذلك تُسارع روسيا إلى مساعدة الجيش السوري لاستعادة حلب بما يُمكّن موسكو من إجراء محادثات حول مستقبل سوريا وفق شروط أقوى. لأنه مع مجيء رئيس جديد الى البيت الأبيض لن تكون مھمة بوتين سھلة، فعندھا يمكن أن ينتقل من راعٍ للحل الى جزء من الأزمة في سوريا، وأن ينزلق في المستنقع السوري وأن يتفاقم سوء الوضع الاقتصادي في روسيا بسبب تكاليف الحرب السورية والعقوبات الدولية.

 

2016-10-11