ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا تتجه نحو تطوير ترسانتها وصناعة اسلحة غير معروفة

روسيا تتجه نحو تطوير ترسانتها وصناعة اسلحة غير معروفة

في بداية تسعينات القرن الماضي أعلنت زمرة غورباتشوف ـ يلتسين ـ شيفرنادزه "إلغاء!" الاتحاد السوفياتي، بدون اي استفتاء دستوري للجماهير الروسية والسوفياتية الاخرى. وأشرعت جميع الابواب والنوافذ والقنوات امام الاحتكارات العالمية، الامبريالية واليهودية، لاضعاف ونهب وتجويع روسيا وشعبها، دون ان تطلق رصاصة واحدة. واعلن "الكاردينال!!" الشيطاني سبيغنيو بريجينسكي ضرورة تخفيض عدد سكان روسيا الى 50 مليونا حتى يمكن السيطرة عليها تماما. واعلن الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب عن قيام "النظام العالمي الجديد" ذي "القطب الاوحد" الاميركي طبعا!

النهضة الروسية الجديدة
ولكن سرعان ما عاد الشعب الروسي العريق، الباسل والخلاق ينهض من الكبوة، حيث تمت ازاحة يلتسين وزمرته من الحكم، واستلم السلطة القوميون المعتدلون، "المتفاهمون" تماما مع الكنيسة الارثوذوكسية والقيادة الدينية الاسلامية الروسية. وعادت روسيا، حتى بدون الاتحاد السوفياتي، لتشغل موقع القطب العالمي الثاني بمواجهة اميركا، مع ان عدد سكان روسيا هو اقل من نصف عدد سكان اميركا، والاقتصاد الروسي يبلغ 2 تريليون دولار بينما الاقتصاد الاميركي يبلغ اكثر من 16 تريليون دولار.

والمَعْلم الرئيس للمزاحمة بين القطبين هو سباق التسلح، الذي عاد الى اشد مما كان عليه بين اميركا والاتحاد السوفياتي في مرحلة "الحرب الباردة" السابقة.
وبالرغم من جميع الحسابات السطحية، فإن روسيا اليوم هي اكثر قوة وقدرة في سباق التسلح القائم. ويكفي ان نذكر المعطيات التالية:

ـ1ـ للدواعي السياسية والايديولوجية، الصحيحة او الخاطئة، كان الاقتصاد الروسي مستباحا تماما إذ كانت روسيا تقدم المساعدات المالية والاقتصادية والتسليحية وغيرها، بدون مقابل في الغالب، لجميع الدول "السوفياتية" السابقة، ودول "المعسكر الاشتراكي" السابق، والعديد من الدول "الصديقة" الاخرى.

والان فإن روسيا لم تتخل عن سياسة تقديم المساعدة لحركات التحرير حيثما يلزم وبالاشكال والمقادير المناسبة، الا انها تخلصت نهائيا من عبء تقديم المساعدات عديمة الجدوى. ما يعني توفير الاف مليارات الدولارت لصالح الاقتصاد الوطني الروسي بالذات.

ـ2ـ ان الاقتصاد الروسي بمجمله بما فيه صناعة وتجارة الاسلحة، داخليا وخارجيا، اصبح يعتمد مبدأ "الربحية" و"المنفعة المتبادلة". اي ان التسلح خرج من دائرة "الاستهلاك غير المنتج" كما كان في العهد السوفياتي، وتحول الى احد اهم اعمدة الاقتصاد الروسي بعد الغاز والنفط. والمجمع الصناعي الحربي (OVK) هو اليوم محور الاقتصاد الروسي، ويقود المجمّع احد صقور البوتينية دميتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء. ويضم عشرات المؤسسات الصناعية والعلمية التابعة في الاغلب للدولة. ويأتي بعده الاحتكار العملاق المتمثل بشركة "غازبروم" التي تمتلك الدولة غالبية اسهمها، وهي تتولى تحريك قطاع الغاز والنفط والطاقة، ويديرها صقر بوتيني آخر هو الكسي ميلر.

ـ3ـ ان الفيديرالية الروسية "ورثت" عن الاتحاد السوفياتي السابق ترسانة حربية كبرى، ومنها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ اكثر من 8500 رأس نووي. وهو عدد اكبر مما تمتلكه الولايات المتحدة الاميركية وصويحباتها مجتمعات. وهذه الكمية من الرؤوس النووية هي اكثر من كافية لتدمير لا اميركا وصويحباتها فقط، بل والكرة الارضية كلها وربما القمر ايضا عدة مرات. وهذا يعني اقتصاديا توفير آلاف مليارات الدولارات، وان روسيا حاليا ليست بحاجة لصرف الجهود والاموال لتجهيز "الهدايا النووية" للكتلة العدوانية الغربية بزعامة اميركا.

روسيا تتجه نحو تطوير ترسانتها وصناعة اسلحة غير معروفة

بناء القوة العسكرية الروسية

ـ4ـ كما ورثت روسيا من الاتحاد السوفياتي ناقلات او حاملات "الهدايا النووية" لاميركا وصويحباتها، اي مختلف انواع الصواريخ والطائرات الاستراتيجية والغواصات والسفن الحربية. وحينما استلمت السلطة الكتلة البوتينية ، فإن اول شيء فعلته هو انها نفضت غبار ستالين وغورباتشوف ويلتسين عن "الهدايا النووية" السوفياتية و"ناقلاتها"، واعادت تصويبها باتجاه اميركا ودول الناتو وجميع القواعد العسكرية والاساطيل الحربية لاميركا وجميع اعداء روسيا في العالم اجمع.

ـ5ـ بعد عودته للرئاسة في 2008 طرح فلاديمير بوتين البرنامج المسمى "20 ـ 20" لكون مدة تنفيذه المقترحة هي حتى سنة 2020، والذي يقضي بتطوير وتحديث وعصرنة الجيش الوطني الروسي القائم اساسا على خدمة العلم، وبتشكيل جيش جديد الى جانبه، احترافي ومؤلل والكتروني بالكامل، ويبلغ تعداده حوالى 250 الف "مقاتل" ذوي تعليم جامعي وتدريب وكفاءة جسدية عاليين. وعقد اجتماع للقادة العسكريين والعلماء والاقتصاديين، طرح فيه مشروع البرنامج. وادلى بعض الاقتصاديين برأي يقول ان البرنامج يمكن ان ينفذ بنسبة 70%. فانبرى لهم رئيس المجمع الصناعي الحربي ونائب رئيس الوزراء دميتري روغوزين وقال: "ان برنامج الرئيس بوتين سوف ينفذ 100%".

ـ6ـ وفي سنة 2012، وفي مجرى تنفيذ "برنامج 20 ـ 20" ادلى الرئيس بوتين بتصريح قال فيه: "ان روسيا لن تكرر ابدا الخطأ الذي ارتكب خلال "الحرب الوطنية الكبرى" (في الحرب العالمية االثانية)، وهو انتظار تلقي الضربة الاولى. ان روسيا لن تكون معتدية. ولكن الضربة الاولى ستكون لنا. وستكون حتما ضربة نووية ماحقة.

ـ7ـ وفي 2015 أقرت روسيا العقيدة العسكرية الجديدة للقوات المسلحة الروسية، والتي تقوم على المبادئ التالية: ان تكون روسيا منتصرة في اي حرب محتملة، وضد اي عدو كان. ان يكون السلاح النووي هو محور التسلح الروسي. ان لا تكون روسيا معتدية، ولكنها قادرة على الكشف المسبق لاي تحرش عدواني، وان تكون الضربة الاولى لروسيا في اي حرب شاملة محتملة، وتكون حتما الضربة الاولى والاخيرة لانها ستكون ضربة نووية ماحقة.

ـ8ـ ودون ان تتخلى روسيا عن التطوير المستمر لاسلحتها النووية و"وسائل ايصالها"، فقد نجحت حتى الان في وضع جميع الاهداف المعادية تحت التصويب الذي لا يحتاج سوى لكبسة الزر الاخيرة: من الفضاء الكوني (بواسطة الاقمار الاصطناعية المحملة بالهدايا "اللطيفة"؛ ومن الطائرات الاستراتيجية بعيدة المدى؛ ومن الغواصات المتربصة في اعماق البحار والمحيطات وخصوصا حول اميركا الشمالية التي اصبحت محاصرة من الثلاثة المحيطات التي تحيط بها؛ واخيرا لا آخرا من القواعد الثابتة والمتحركة للصواريخ النووية في الاراضي الروسية وغير الروسية الصديقة او الحليفة.
واميركا ودول الناتو وغيرها من الدول المعادية اصبحت على يقين انه في اي مواجهة شاملة، فإنها ستمحى من الوجود من اللحظات الاولى للحرب المحتملة.
حروب الاستنزاف
ـ9ـ انطلاقا من هذه المعطيات، ومن مركزية النظام  (والقرار) الروسي، وتفكك الكتلة الغربية ولامركزية النظام الاميركي، فإن الكتلة الغربية اصبحت تنطلق بمواجهة روسيا دوليا من مسلمة انها ـ اي اميركا وكتلتها ـ ستخسر حتما اي مواجهة حربية شاملة (نووية) مع روسيا. والعكس بالعكس بالنسبة لروسيا وحلفائها.  
ولكن الامبريالية الاميركية، عمدت  الى تكثيف صناعة الاسلحة الكلاسيكية، وزيادة "اهداء" اسرائيل و"بيع" الحلفاء الاخرين اسلحة متطورة بعشرات ومئات مليارات الدولارات، من جهة، ومن جهة ثانية عمدت الى شن الحروب الاقليمية، والى نشر ما يسمى بالدرع الصاروخية، واستفزاز روسيا ومحاولة جرها  الى الحروب الاقليمية مع جورجيا واوكرانيا وسوريا. والذي دفع ويدفع اميركا وحلفاءها وعملاءها الى التراجع ليس بالتحديد تفوق السلاح الكلاسيكي الروسي على السلاح الاميركي والغربي، بل قوة شكيمة القيادة الروسية وصلابة الجيش الروسي ووطنية الشعب الروسي العظيم، والتهديد الروسي المبطن بالانتقال الى مستوى الحرب العالمية وتوجيه الضربة القاضية لاميركا وجميع حلفائها.

ـ10ـ لكن بطبيعة الحال ان روسيا لم ولا تقف مكتوفة الايدي امام هذا التحدي، وقد وجدت طريقها الخاص نحو كسر التفوق الغربي على صعيد التسلح الكلاسيكي، لا كميا، بل نوعيا.
فقد تحوّل "المجمع الصناعي الحربي" (OVK) الى "مجمع صناعي حربي علمي" تعمل فيه افضل المختبرات وخيرة العلماء الشيوخ والكهول والشباب ذوي الافكار الجديدة والخلاقة. ويركز المجمع الصناعي الحربي على تطوير الاسلحة الموجودة، وعلى اجتراح اسلحة جديدة لا مثيل لها في العالم. ونقدم بعض الامثلة التي اصبحت في متنول الصحافة:
السلاح الكهرومغناطيسي
أ ـ جرت في حقل تجارب في ضواحي موسكو تجارب ناجحة على عدة نماذج لسلاح يفجر الهدف بدون اطلاق اي نوع من القذائف، ولا علاقة له بأشعة الليزر.
 ب ـ وتستعد روسيا لان تجري في بحر بارينتس تجربة على قنبلة هائلة تستخدم فيها مادة متفجرة جديدة غير نووية، بل تعمل على مبدأ الميكروويف ايضا، ويمكن التحكم بحجم قوتها التدميرية، التي قد تبلغ مئات المرات اقوى من قنبلة هيروشيما، وهي تدمر الهدف بدون ان ينتج عنها اي اشعاعات ذرية او غازات او ما اشبه، وتقوم قوتها التدميرية على قوة الصدمة التفجيرية وقوة الموجة الحرارية ـ النارية.  
ج ـ وتمت في حقل التجارب في ضاحية "توميلينو" قرب موسكو تجربة الطيران الاولى لطائرة الهيليكوبتر المهاجمة MI-28N المشهورة بتجربتها القتالية والملقبة "الصياد الليلي".
الغواصات الروبوط
د ـ بالاضافة الى الصواريخ النووية الباليستية وعابرة القارات والصواريخ المجنحة، التي زودت بها الغواصات الروسية، ولا سيما الموديلات النووية الحديثة الجديدة، فقد زودت تلك الغواصات بنوع جديد من الطوربيدات البحرية الذي يحمل رأسا نوويا مكيفا للقضاء على الاجسام البحرية المعادية ولا سيما حاملات الطائرات الاميركية العملاقة.

ـ11ـ وانطلاقا من هذه الانجازات العملية، واستنادا الى التقدم العلمي لا سيما في الفيزياء، تتوجه القيادة الروسية والمجمع الصناعي الحربي الروسي نحو تكريس توجه استراتيجي شامل في صناعة الاسلحة الروسية هو: "الروبطة" الواسعة في جميع الاسلحة والنشاطات الحربية.

ـ12ـ اما الاساس السياسي ـ العسكري ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ العلمي للتوجه نحو "الروبطة" في صناعة الاسلحة الروسية في الوقت الحاضر، فهو الالتفاف حول السلطة المركزية القومية الروسية، واعتماد قانون "الربحية" اقتصاديا، والانفتاح الخلاق على جميع الافكار الجديدة الهادفة الى تطوير الاقتصاد والدفاع الوطنيين.
وتقوم المراكز العلمية المختصة بدراسة جميع المقترحات والاختراعات الجديدة و"فلترتها" واخذ المقبول منها وتجربته، وتحويل كل اختراع ناجح وضروري الى الاختبارات العملية، ومن ثم الى الانتاج. ومن شأن هذا النهج:

اولا ـ تزويد القوات السلحة الروسية بأسلحة جديدة تكسر تماما قاعدة سباق التسلح التقليدي.
ثانيا ـ تقليص افضلية التفوق الاقتصادي الغربي على روسيا الى الصفر.

ثالثاـ من وجهة النظر الجيوستراتيجية العامة، فإن من مصلحة روسيا ان تتسلح هي اولا بشكل متكامل كي تكون عصية تماما على اي طامع بثرواتها اللامتناهية، وفي الوقت ذاته ان تنشر السلاح المتطور غير النووي في العالم لدى جميع الشعوب والبلدان والدول الطامحة للدفاع عن وجودها الوطني واستقلالها بوجه المعتدين الامبرياليين والطغمة اليهودية العالمية، حتى يصبح العدوان على اي شعب مهما كان صغيرا "مسألة فيها نظر!".

*كاتب لبناني مستقل

 

2016-10-24