ارشيف من :ترجمات ودراسات
الطريقة الأميركية الجديدة في إشعال الحروب
الكاتب : Moon of Alabama
عن موقع Le Grand Soir الإلكتروني
تشرين الأول / أكتوبر 2016
مقالة هامة نشرتها نيويورك تايمز حول الطريقة السرية التي تعتمدها الولايات المتحدة، من الآن فصاعداً، وعلى الأعم الأغلب، في شن الحروب. والمقالة تأخذ الصومال كمثال على ذلك، حيث أن الولايات المتحدة هي في حرب ضد الشعب الصومالي منذ أكثر من 25 عاماً. ووفقاً لما يشير إليه كاتب المقالة، فإن الولايات المتحدة تستخدم الطريقة ذاتها في أنحاء أخرى من العالم.
لقد قامت إدارة أوباما بتكثيف الحرب السرية في الصومال خلال السنة الماضية عبر استخدام عناصر مسلحة في مجال العمليات الخاصة، وعبر اللجوء إلى الضربات الجوية والشركات الأمنية الخاصة والحلفاء الأفارقة وذلك في حملتها المتزايدة العنف ضد المقاتلين الإسلاميين في تلك الدولة التي تعم فيها الفوضى داخل منطقة القرن الإفريقي.
هل كانت الدولة الصومالية ستظل دولة تعم فيها الفوضى فيما لو توقفت الولايات المتحدة عن شن حربها الطويلة الأمد عليها ؟ ذلك غير مرجح. إذ لولا التدخل الأجنبي لكان السلام قد عم في الصومال منذ أمد بعيد. لكن الحرب تتواصل من غير تواجد للقوات الأميركية النظامية لأن من يتواجد على الساحة هم القراصنة والقوى التي تعمل بالوكالة والطائرات بدون طيار وحفنة من القوات الأميركية الخاصة.
الصومال هو مجرد مثال عن هذه "الدول الفاشلة" التي تنتجها الولايات المتحدة في كل مكان تذهب إليه. فـ "الدولة الفاشلة" تبرر التصعيد. ونموذج الدولة الفاشلة يطبق الآن في العالم كله.
الحملة على الصومال هي نموذج الحرب الذي تطبقه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية -من سوريا إلى ليبيا- رغم العزوف المعلن من قبل الرئيس الأميركي عن إرسال جيوش أميركية إلى مناطق القتال في العالم. ففي هذه السنة وحدها، قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربات جوية في سبعة بلدان في أنحاء العالم، كما نفذت عمليات خاصة في بلدان كثيرة أخرى.
اميركا : القتل البشع
هذه الحروب تشن في معظم الأحيان دون معرفة الجهات القائمة بها. فالكونغرس لا يهتم بها لأن تداعياتها على مستوى الداخل الأميركي ضعيفة إلى حد كبير جداً. أما وسائل الإعلام فهي غائبة عنها بشكل كامل. ومن جهتها، فإن الأموال تأتي من حسابات مصرفية خاصة تمتلكها وكالة الاستخبارات الأميركية والقوات الخاصة. وأموال تلك الحسابات تنتزع انتزاعاً من دول عميلة للولايات المتحدة من نوع المملكة السعودية. لا أحد يعرف شيئاً عن السجناء والطرق المستخدمة في تعذيبهم والتحقيق معهم، وبما أنهم يختفون عادة في غياهب سجون أمراء الحرب المحليين، فإن مصير السجناء يظل مجهولاً إلى الأبد.
وعلى ما يصرح به مسؤولون عسكريون أميركيون من مستوى رفيع، فإن ما يتراوح بين 200 و300 جندي أميركي من القوات الخاصة يتعاونون مع جنود من الصومال وبلدان إفريقية أخرى مثل كينيا وأوغندا وذلك في تنفيذ حوالى نصف دزينة من الغارات شهرياً. والغارات المذكورة هي عبارة عن تآزر بين الضربات الجوية بواسطة طائرات بدون طيار وبين العمليات الحربية البرية.
لقد تبين بعد رفع السرية عن قسم من أنشطة "مجموعة العمليات الخاصة" التابعة للبحرية الأميركية أن هذه المجموعة قد تورطت في تنفيذ العديد من هذه العمليات.
بعد انتهاء العمليات البرية، غالباً ما يقوم الجنود الأميركيون الذين يعملون مع القوات الصومالية باستجواب السجناء في مراكز مؤقتة، مثل مركز بونتلاند (دولة تقع في شمال الصومال) قبل نقلهم إلى سجون صومالية، وذلك على ما يؤكده مسؤولون عسكريون أميركيون.
وجه اميرويتم تنفيذ الضربات عشوائياً دون اهتمام بمن تصيبهم تلك الضربات أو بأسباب توجيهها. ليس هنالك أي اهتمام بلغة البلد المستهدف أو بسياسته. ولا تنفذ أية عقوبات نتيجة لاقتراف أخطاء في توجيه الضربات.
وفي غارة جوية أميركية وقعت الشهر الماضي، قتل أكثر من 12 جندياً صومالياً من حلفاء الولايات المتحدة في حربها على تنظيم "الشباب".
وقد أعلنت السلطات الصومالية المغدورة أن الأميركيين قد خدعوا من قبل عشائر متصارعة قدمت لهم معلومات خاطئة، وهذا يثبت التعقيدات المحيطة بالحرب السرية في الصومال.
إن المسؤوليات الشرعية التي تترتب عادة على الحرب يتم إلقاؤها على عاتق مجموعات خاصة، حيث أن استخدام المرتزقة يسمح للجهة التي تستخدمهم بعدم تقديم حساب لأية جهة أخرى.
وفي بالدوغل، وهي قاعدة جوية روسية قديمة تقع على بعد 100 كلم من العاصمة الصومالية موقاديشيو، يقوم جنود البحرية الأميركية بالتعاون مع متعاقدين من شركات خاصة بتدريب وحدة عسكرية صومالية على القتال ضد تنظيم الشباب في أنحاء البلاد.
يتم تجنيد جنود الوحدة العسكرية المسماة "دنب"، والكلمة تعني "الصاعقة" بالصومالية، من قبل العاملين في شركة "بانكروفت للتنمية العالمية" ومركزها في واشنطن. وقد عملت هذه الشركة طيلة سنوات بالتعاون مع وزارة الخارجية الأميركية من أجل تشكيل قوات الاتحاد الإفريقي والمشاركة مع هذه القوات في تنفيذ عمليات عسكرية في الداخل الصومالي.
وقد صرح مدير الشركة، مايكل ستوك، بأن عناصر "دنب" قد خضعوا في البداية إلى تدريبات في موقاديشيو قبل أن يتم إرسالهم إلى بالدوغل حيث تدربوا طيلة أشهر على أيدي جنود البحرية الأميركية. وبعد ذلك، يقوم مستشارو شركة بانكروفت باصطحاب هؤلاء الجنود الصوماليين في عمليات قتالية.
غير أن مقالة نيويورك تايمز لا تتطرق إلى العمليات الإعلامية -أو عمليات البروباغندا- التي ترافق جميع الحملات العسكرية الأميركية. ومثل هذا الصمت ليس بريئاً لأن نيويورك تايمز تشكل، على الدوام، جزءاً لا يتجزأ من حملات البروباغندا تلك. أن المبرر العادي لذلك هو "الإرهاب" أو الضرورة "الأخلاقية" للتخلص من "نظام قمعي". هنا تضع مقالة نيويورك تايمز لائحة ببعض الأعمال الإرهابية التي ينسب مصدرها إلى الصومال لتبرر بذلك عملية التدمير الشامل وغير القابل للانتهاء للبلد بأكمله.
إن النموذج الصومالي هو ما يجري تطبيقه في ليبيا وسوريا وأوكرانيا. فالولايات المتحدة تدفع إلى الميدان بتنظيم مستعد للقتال مقابل أجر جيد وأسلحة كثيرة وربما أيضاً مع إمكانية للوصول إلى السلطة. ويكون على واشنطن أن ترسل مجموعة من المرتزقة مهمتهم تدريب تلك القوات، وأن توظف بعض وكالات العلاقات العامة لتشكل الخلفية الإعلامية الضرورية. أما القوات الأميركية فتتدخل بشكل غير معلن ومن بعيد من خلال الطائرات بدون طيار أو عبر تشكيلات مصغرة من القوات الخاصة التي تضطلع بمهمة تدريب وتوجيه القوات المحلية العاملة بالوكالة.
إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هي على الدوام في طليعة العمليات الحربية بالمشاركة مع الجيش الأميركي الذي يشكل قوة النار إذا ما لزم الأمر. أما وزارة الخارجية الأميركية فهي تعالج العوائق الديبلوماسية وتغازل الحلفاء المزعومين والقوى التي تحارب بالوكالة عن واشنطن. وبالتفاهم مع وزارة المالية، تقوم بتوزيع العقوبات الصارمة والمدمرة بسخاء بهدف إجبار الناس على الخضوع لمشيئتها.
هذه الطريقة لا تختلف بشيء عن تلك التي كانت الولايات المتحدة تستخدمها خلال القرن الماضي في أميركا الجنوبية بوجه خاص. لكن الحروب أصبحت اليوم أكثر عنفاً وأكثر وضوحاً.
أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بالنسبة لبقية العالم فهو في إيجاد الوسيلة لمواجهة هذه الحروب الخبيثة. هنالك صعوبة كبيرة في كسب هذه الحروب في الميدان وعن طريق القوة. والأكيد أن الولايات المتحدة لا تغير توجهها السياسي لأن بعض مرتزقتها يسقطون في المعارك. الرد الأكيد على هذه الحروب هو في رفع التكلفة على الولايات المتحدة نفسها. فالضربات التي توجه إليها يجب أن تكون مرعبة بما فيه الكفاية لقهر اللامبالاة العامة والاعتيادية. يمكن اللجوء إلى الإرهاب، وقد تم اللجوء إليه فعلاً في الولايات المتحدة. ولكنني أتوقع ظهور إجراءات مضادة أكثر دقة في المستقبل. فمجال السيبرنتيك مثالي بالنسبة للقوى غير المتكافئة حيث يكفي أن يكون هنالك عدد من "المقاتلين" الأكفاء لشن هجمات يصعب منعها. والولايات المتحدة هي على الأرجح هدف مثالي يمكن أن يبث فيه الخراب السيبرنتيكي في حين أن البلدان التي يستهدفها العدوان الأميركي لا تتأثر كثيراً بهذا النوع من الهجمات.
أياً تكن تقنيات الحرب الجديدة التي تستخدمها الولايات المتحدة، فإن الذين يتعرضون لاعتداءاتها يمكنهم دائماً إيجاد الوسائل المناسبة للرد على هذه الاعتداءات.