ارشيف من :آراء وتحليلات

تحرير الموصل أم ضرب وحدة العراق؟!

تحرير الموصل أم ضرب وحدة العراق؟!

يخشى أن تصبح معركة تحرير الموصل من داعش أكثر كارثية على العراق، وأيضاً على سوريا، من معركة استيلاء داعش، قبل أكثر من عامين، على الموصل وسائر محافظة نينوى والعديد من المحافظات العراقية الأخرى.
ليس فقط لأن داعش لن تتخلى عن المدينة بسهولة بدليل أنها تتهيأ للدفاع عن مواقعها فيها عبر إقامة التحصينات. وليس فقط لأن حوالي مليون نسمة من السكان المدنيين في المدينة قد حولتهم داعش، شئنا أم أبينا، إلى دروع بشرية، بل، أيضاً وخصوصاً، لأن التركيبة العجيبة من القوى المشاركة في عملية التحرير لا تتمتع بما يكفي من الإرادة والانسجام اللازمين لنجاح عملية التحرير.

ثم إن هنالك إمكانيات فعلية للتصادم فيما بين العناصر التي تتشكل منها تلك التركيبة، وذلك قبل حسم معركة قد لا يتم حسمها في المستقبل المنظور. وهذا يطرح بدوره احتمال العجز عن تحرير المدينة. كما يطرح الغرق في حمام من الدم من غير المستبعد أن يكون هو الوحيد المقصود، لا تحرير الموصل، من قبل أميركا وحلفائها.

تحرير الموصل أم ضرب وحدة العراق؟!

تحرير الموصل ام تقسيم العراق؟

أعراض عدم الانسجام في المواقف والأغراض تبدو واضحة على مستويات في طليعتها لاصدقية التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد داعش. فهو يزعم أنه يريد ضرب داعش ولكنه لا يفوت أية فرصة يمكنه فيها أن يقدم الدعم والإسناد لهذا التنظيم الذي كان لواشنطن اليد الطولى في خلقه. واليوم، تتضافر المعلومات التي تؤكد أن التحالف يسعى، بدلاً من ضرب داعش في الموصل، إلى تمكين مقاتلي داعش من الانتقال نحو الرقة في سوريا، رغم كل ما يشاع أميركياً عن اقتراب لحظة تحرير الرقة نفسها حتى قبل الانتهاء من تحرير الموصل.
وإذا ما وضعنا مسألة تحرير الرقة في خانة الأكاذيب التي دأبت واشنطن على وضعها في خدمة مآربها العدوانية، فإن نقل مقاتلي داعش من الموصل إلى الرقة ومناطق سورية أخرى إنما يتم لأن مهام مرسومة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها تنتظرهم هناك.
وهذه المهام تدخل، كما بات معلوماً من قبل الجميع، في إطار خدمة المشروع التفتيتي والتقسيمي الذي ترعاه واشنطن وتل أبيب الحريصتان بشكل أساسي، مع أتباعهما من العربان، على إضعاف مواقع محور المقاومة في المنطقة.

وبالطبع، لا يمكن لواشنطن أن تعمل على نقل داعش إلى سوريا إلا إذا كانت مطمئنة إلى حسن تطور الأوضاع حول الموصل بالشكل الملائم لمصالحها. فحليفاها المتمثلان بتركيا إردوغان وبكردستان البرزاني، وربما أيضاً ببعض الجماعات العراقية ذات الانتماءات شبه الداعشية، كل هؤلاء يعزفون على الوتر الذي تريده واشنطن لجهة العمل من أجل الحيلولة دون عودة الموصل إلى حضن الوطن العراقي الموحد والجامع.
وهذا يعني أن الموصل -بعد تحريرها- ستتحول إلى مشكلة أكبر من مشكلة الموصل قبل تحريرها.
لكن المشكلة التي تطرح نفسها الآن هي في عدم اتفاق الأطراف المشاركة في عملية التحرير على رؤية موحدة حول مصير الموصل. فالدعم الأميركي لإقليم كردستان العراق يشجع الأكراد على الطمع بضم الموصل إلى إقليمهم الذي يقول أكثر من مراقب بأنه بات جاهزاً لإعلان الاستقلال عن العراق. كما أن عضوية تركيا في حلف الناتو وعلاقاتها المتينة مع واشنطن والكيان الصهيوني تمنحها الجرأة على العمل من أجل ضم الموصل وحلب وما بعدهما على أساس أن رجب طيب إردوغان قد تكلم مؤخراً عما أسماه بالحدود الجنوبية "المفروضة" على تركيا منذ مئة عام.

هنالك إذن احتمالات كبرى لاحتدام الصراع على الموصل بين الحليفين التركي والكردستاني. وهذا الصراع سيزداد حدة خصوصاً وأن حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً مفتوحة ضد تركيا هو من الأطراف المشاركة في معركة تحرير الموصل.
يبقى الجيش العراقي والحشد الشعبي وغيرهما من القوى العراقية ذات الثقل الأكبر في معركة تحرير الموصل والتي تعمل على تحريرها من باب الحرص على وحدة العراق وعلى هوية العراق كجزء لا يتجزأ من محور المقاومة والتحرر في المنطقة.
العراق بصورته هذه، شأنه شأن سوريا الأسد، وإيران وحزب الله، هو ما يسعى الحلف الصهيو-أميركي في المنطقة إلى ضربه. ولهذا، فإن معركة تحرير الموصل من داعش تتحول إلى شعار فضفاض يخفي في تلافيفه مؤامرة تستهدف الجيش العراقي والقوى العراقية الأخرى المشاركة في هذه المعركة. أما داعش التي تقول المزاعم بأن المحور الصهيو-أميركي يستهدفها فهي، شأن التنظيمات المشابهة، ليست أكثر من أداة يستخدمها هذا المحور كمبرر لحروبه على المنطقة.

 

2016-11-03