ارشيف من :نقاط على الحروف
الانتخاب والتكليف.. بين الدولة والمزرعة
مشهدان شعبيان وسياسيان مختلفان يختتم عليهما الأسبوع الأول من العهد الجديد في لبنان. في الأوّل تيار برتقالي جارف سيطر على الساحة بعفوية وانسيابية. آلاف المواطنين يفترشون الطرقات بانتظار اللحظة الحلم بجلوس جنرالهم على الكرسي الذي يليق به بعد سنوات طويلة من الكفاح، مع يعنيه ذلك من انتصار. أما في المقلب الآخر، فمحاولات يائسة لبرمجة احتفالات شعبية حريرية توازي تلك العونية، فعاش اللبنانيون ساعات من الخوف تحت وتيرة الرصاص الأزرق المتطاير في سماء العاصمة بيروت.
أمام الحالة الشعبية المتردية التي يعيشها تيار "المستقبل" في لبنان، ومحاولاته للملمة ما تبقى من ماء الوجه بعد خضوعه -المتأخر أكثر من عامين- لمعادلة الشراكة الوطنية، سعى أمين عام تيار "المستقبل" أحمد الحريري لتقديم "خدمة" لرئيسه، فكان أن عمم على مناصريه بضرورة الاحتفال في الطرقات مع تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة. لكن هذه "الخدمة" على ما يبدو لم تكن موفقة كما معظم خطوات "التيار". فتح هواء بعض الشاشات المحلية لساعات أمام "المستقبل" لاثبات حضوره الشعبي. فكانت النتيجة بعض عشرات من الشبان في الطرقات تسمّروا امام الكاميرات رافعين شعارات مناطقية، وفي الخلفية الكثير من أزيز الرصاص.
صورة لشاب يطلق النار في الهواء خلال احتفال لحزب "المستقبل"
"ما لازم يمر تكليف الرئيس الحريري مرور الكرام، لازم يكون يوم احتفالات بكل المنسقيات خارج وداخل لبنان"، هكذا جاء الأمر من أحمد الحريري في تسجيل صوتي للمناصرين. ارتأى الحريري أن "التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والواتس آب لا يكفي، يجب أن تفتحوا المنسقيات للتهاني والتعميم على الأعضاء المنظمين باقامة تجمعات". لكن العبارة الأبرز في التسجيل كانت من حيث لا يدري اقراراً داخلياً بما حاول أن يخفيه "التيار" من خلال خطابات رئيسه "الهجومية" والنارية" على حزب الله، فقال أمين عام التيار "في هذا اليوم علينا ان نظهّر حجمنا، منذ شهر كنا معزولين وخارج المعادلة"! هو يدرك جيداً بأن مظاهر الاحتفال تلك لم تكن سوى سعياً يائساً لقلب الصورة.
في المحصلة فشل "المستقبل" في اصطناع حركة شعبية توازي تلك العونية التي تظهّرت بتلقائية وعفوية في المناطق اللبنانية، وكانت كما طلب الرئيس ميشال عون قبيل الانتخاب في بيان له "حضارية" ملتزمة بالقوانين وبعيدة عن كل ما يسيئ للمناسبة. وجاءت الاستجابة من أنصار الحريري على النداء الصوتي على شكل "فوعة صبيانة" في الشارع أساءت بدل ان تساهم في محاولات لملمة ذيول الهزيمة السياسية للتيار. روّع أبناء "المستقبل" المواطنين، وخرقوا القوانين لا سيّما قانون تجريم اطلاق الرصاص الذي لم يجف حبره بعد، فهل تتحرك الحكومة الجديدة بفاعلية اتجاه هذا النوع من الجرائم؟