ارشيف من :آراء وتحليلات

سعد حلاوة ...المجنون الجميل

سعد حلاوة ...المجنون الجميل

ولأن التطبيع فيه سم قاتل وخراب أكيد، ولأن مقاوميه لهم كل الفخر والتحية، ولأن شهداء رفضه ومقاومته يجب أن تخلد أسماؤهم بحروف من نور فى ذاكرة الوطن والشعب، فتوجب التأريخ  لرائدهم، وأول من بذل روحه مختارا التضحية بحياته على عار الرضا والانبطاح والتسليم. رغم بساطته كمواطن مصرى تقليدى الا أنه ضرب أروع أمثلة الفداء، مصداقا لقول الريس جمال عبد الناصر من أن الشعب دوما القائد والمعلم ..

من هو سعد أدريس حلاوة ..

هو حفيد «إبراهيم حلاوة» عمدة أجهور الكبري، الذي قال عنه عبد الرحمن الرافعى فى كتابه الثورة العرابية إنه  أحد أبرز عمد القطر المصرى الذين ساندوا الثورة العرابية ووقفوا إلى جانب جيش عرابى بالخبز والتمر والمال لشراء الأسلحة، ووقعوا على عريضة مطولة تأييداً لعرابي ثم رفعوها إلى الخديوي توفيق ..

سعد حلاوة ...المجنون الجميل

المجنون الجميل

ما كان للحفيد أن يحيد عن الطريق فبعد نيله شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية، لم يكتف بالاشراف على أرضه الزراعية، وصمم على ربط حياته بخط العداء للصهاينة ورفض التطبيع والقتال من أجل نيل الاستقلال الوطنى، فاستحق نيل وسام الشرف الشعبي والعزة العربية، وظل ذكره خالدا بارتقائه شهيدا ..

عملية الوحدة المحلية ..

يوم الثلاثاء 26 فبراير 1980 ، وهو اليوم المشؤوم الذي دنس فيه "إلياهو بن أليسار" أرض مصر، كأول سفير صهيوني معتمد بواسطة السادات، ما كان من سعد، الملتاع في وطنيته، الا أن يعلو صوته بصرخة لا في وجه كل من قالوا نعم ..

ذهب سعد الى الوحدة المحلية فى قريته، وفتح حقيبته ليخرج رشاشا مصريا (( بورسعيد )) ويشهره في وجه الموظفين، محتجزا أياهم كرهائن، مؤكدا لهم وفي لحظتها أنه لن يؤذيهم مطلقا، فهم أهله وناسه، ولكنه يريد إبلاغ طلباته للنظام المصري، والتي تتلخص في طرد السفير الإسرائيلي من مصر، وإغلاق سفارتهم بالقاهرة، وأن يتم إعلان ذلك في بيان رسمي يبث عبر الإذاعة المصرية مباشرة، بعدها يتم إعلان الإفراج عن الرهائن وتسليم نفسه لقوات الأمن، التي حاصرت المكان بعد أن أبلغهم عمدة القرية هاتفيا، لأن سعد لم يكتفِ باحتجاز الرهائن وانما نصب ميكروفونا فوق سطح الوحدة، أعلن عبره مطالبه، وأذاع على الجماهير بأعلى صوت ممكن خطب الريس جمال عبد الناصر والعديد من الأغانى الوطنية، مغطيا على صوت راديو القرية الذي كان يذيع وصول بن اليسار وبدء أولى فصول السلام الدافىء ..

رد فعل النظام المصري ..

منذ أن أبلغ النبوي اسماعيل وزير الداخلية آنذاك بالعملية  وقام بدوره بإبلاغ السادات فى وسط احتفاله بنجاحه، صدرت عنه أوامر  شديدة الوضوح بحتمية تصفية المنفذ بأي ثمن،  قائلا بالحرف كما ذكر النبوي فى مذكراته .. (( جرى أيه يا نبوي أنت مش عارف شغلك ولا أيه أنت مستني إيه، هو مش بيقول إنه حيموت نفسه.. يبقى خلاص.. ابعتوه لعبد الناصر بتاعه، الاشكال دي ما ينفعش معاها إلا كده، وللا مستني لما يعملوه بطل، ويطلع لنا ولد مجنون من القرية اللي جنبه واللي جنب اللي جنبه، وشوية الرعاع إياهم يطلعوا لي تاني في الشوارع ويقولوا انتفاضة شعبية )) .. وكان السادات يشير الى انتفاضة الخبز ..

ذهب النبوي شخصيا الى الوحدة وحاول استمالة سعد عبر مكبرات الصوت من خلال صوت  والدته تطالبه بالرجوع عما يفعل وتسليم نفسه فكان رد سعد عليها .. (( اذهبي يا أمي لتفتحي قبري فقد قررت أن أفدي بلادي ولن أتراجع )..

عند حلول الظلام كانت القوات الخاصة تقتحم المكان وتفتح النار على سعد، دون ان يرد برصاصة واحدة على الهجوم ولا على الأمن ولا على الرهائن، فما كان سعد ليقتل شعبه ولو تحركوا مؤتمرين بقتله وما حمل السلاح وفعل ما فعل الا ليصرخ فى الصم البكم لعل صرخته توقظ ما مات من وطنيتهم وشرفهم المهدور تحت رجس كامب ديفيد ..

الخاتمة ..

بعد أن قتل السادات سعدا بأوامره كان من الطبيعي ان تختفي قصة سعد ويطويها النسيان حتى لا تكون شعلة نور تحرق السادات ونظامه فتتالت أوامره لخدمة نظامه فهبوا ما بين مصدر لتقرير طب شرعي يفيد باتهام سعد بالجنون لمدلس يتهم سعد بالارهاب والترويع لخائن يبرر حتمية القبول بالسلام الدافىء ووجوب سحق بذرة المقاومة في نفوس الشعب المصري حتى يتسنى لهم تمام السيطرة عليه ..

سعد لم يكن مجنونا ولو كان فهو المجنون الأشد عقلا فى زمن صار فيه العقلاء يديرون الوجوه عن احتلال الأرض ويقبلون التسليم للعدو والتطبيع معه ولا أجد رثاء خيرا من رثاء الشاعر نزار قباني في قصيدته (( صديقي المجنون سعد حلاوة )) لأختم بها ..

يقول نزار ..

من هو سعد حلاوة ؟

جمجمة مصرية كانت بحجم الكبرياء وحجم الكرة الأرضية .. انه خنجر سليمان الحلبي المسافر في رئتي الجنرال كليبر ..

هو كلام مصر الممنوعة من الكلام ..

وصحافة مصر التي لا تصدر

وكتاب مصر الذين لا يكتبون

وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون

ودموع مصر الممنوعة من الانحدار

وأحزانها الممنوعة من الانفجار

 

2016-11-04