ارشيف من :آراء وتحليلات
عون رئيساً...في الوقت الضائع إقليمياً
لا يمكن الحديث عن رئيس صنع في لبنان، من دون إغفال المؤثرات والعوامل الإقليمية. ولكن ھذه العوامل لعبت ھذه المرة ليس في فرض أو تعيين الرئيس، وإنما في المساعدة على تمريره في لحظة إقليمية دولية مناسبة، وفي الوقت الأميركي الضائع. فلم يكن لبنان أولوية على اللائحة الدولية ولم يكن انتخاب الرئيس موضع اھتمام ومبادرة، خصوصا بعد وصول كل المبادرات الخجولة الى طريق مسدود وخصوصا أن إيران وسوريا فوضتا السيد حسن نصر الله باتخاذ القرار الذي يراه مناسبا وملتزمين بقراره.
انتخاب الجنرال عون رئيسا، ھو أحدث وأھم مؤشرعلى تعزيز الدور السياسي لحزب الله في لبنان، والى أن هناك ميزانا سياسيا جديدا في لبنان يتبلور أكثر فأكثر، ويحدث للمرة الأولى بعد الخروج السوري من لبنان، مع نجاح حزب الله في كسر معادلة الرئيس التوافقي وفرض معادلة الرئيس الحليف.
اللبنانيون لن ينسوا تاريخ 31/10/2016، أو كما أُطلق عليه "الاثنين الكبير". و لا مبالغة في ھذا التوصيف لأن انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمھورية، لا يعد فقط نقطة تحول رئيسي في مسار الوضع اللبناني، وإنما لأنه يكتسب معاني ودلالات واستنتاجات كثيرة:
1- للمرة الثانية، تتم "لبننة" الاستحقاق الرئاسي وينتخب رئيس صنع في لبنان، لأن آخر تجارب ونماذج اللبننة كان في انتخاب الرئيس سليمان فرنجية عام 1970 .
2- ھذا الحدث يُعد "سابقة تاريخية"، إذ إن رئيسا سقط وأُخرج من السلطة ومن قصره بالقوة العسكرية، يعود الى السلطة والى القصر، وبعد 27 عاما بالقوة السياسية وعن طريق الانتخاب.
3- للمرة الأولى في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، يصل الى قصر بعبدا رئيس ماروني بدعم شيعي، ويكون الاحتفال المسيحي الشعبي بدل الإحباط.
4- للمرة الأولى ما بعد العام 2005 تحديدا، تتقدم معادلة ثلاثية جديدة الى الخط الأمامي في الدولة (عون - الحريري حزب الله/ أمل)، وتنكفئ معادلة ثلاثية قديمة (بري - الحريري - جنبلاط)، وتتغيّر الخارطة السياسية التي كانت بين فريقي 8 و 14 آذار.
5- لأول مرة يصل إلى سدة الرئاسة مرشح من خارج الطبقة البورجوازية والاقطاع السياسي والعائلات المارونية التقليدية.
6- الرئيس عون هو قائد الجيش الرابع الذي يصل إلى سدة الرئاسة بعد فؤاد شهاب، اميل لحود، ميشال سليمان.
7- لأول مرة ينتخب رئيس ماروني ولديه كتلة نيابية كبيرة وشعبية واسعة.
يضاف إليه أن الإجماع الوطني السياسي الذي لم يتحقق حول شخص عون تحقق حول "خطاب القسم"، أو ما يمكن اعتباره البرنامج السياسي للعھد الجديد. فھذا الخطاب حاز على تأييد وإعجاب الجميع حتى غلاة المعارضين لانتخاب عون، مثل الرئيس فؤاد السنيورة والوزير فرنجيه، فيما وصفه جنبلاط بـ"الممتاز"، وأبدى الرئيس بري ارتياحه لما تضمنه في عدة مسائل أبرزھا: قانون الانتخاب وضرورة إنجازه قبل الانتخابات النيابية.
خطاب القسم أرضى الجميع ولم يغضب أحدا، خطاب مدروس متوازن، مقتضب، ومكثف، لم يدخل في تفاصيل خلافية وإنما ركز على عناوين عامة جامعة. وجه رسائل في عدة اتجاھات:
- في اتجاه حزب الله عندما تحدث عن مقاومة العدو الإسرائيلي ومحاربة استباقية للإرھاب.
- وفي اتجاه تيار المستقبل والطائفة السنية عندما تحدث عن التزام بوثيقة الوفاق الوطني وعروبة لبنان، والنأي بالنفس عن النيران المشتعلة.
- وفي اتجاه الجمھور والرأي العام المسيحي عندما تحدث عن "تطوير الطائف" وتطبيق غير استنسابي له.
- في اتجاه الرأي العام إذ اكد على اللامركزية الإدارية وتقوية الجيش وتأكيد مسؤولية الدولة في حماية مواطنيھا. حتى الأوساط السياسية في 14 آذار التي اعترضت بشدة على انتخاب عون رئيسا للجمھورية، اعترفت بإيجابية الخطاب وروحيته "السيادية والوطنية"، وبأنه أعطى المؤشر الأول الى "عون الجديد" والى تموضعه السياسي الرئاسي الجديد كرئيس لكل اللبنانيين وعلى مسافة من الجميع.
عون رئيسا في الوقت الضائع اقليميا
وعلى الرغم من أن الرئيس بري لم يكن جزءا أساسيا من التفاھمات التي أفضت إلى وصول عون للرئاسة، فإن طيّ صفحة الانتخابات الرئاسية، سيفتح صفحة مباحثات جديدة مع سائر الأطراف، بينھا بري، للتوصل إلى تفاھم على الحكومة. وقد تمت اتصالات بين الرئيسين عون وبري مؤخراً، حلحلت الكثير من التشنج بينھما، وفي الموازاة، مواقف حزب الله كانت واضحة وحاسمة تجاه تأييد الرئيس عون، وهي تتلخص بالتالي:
1- عھدك ھو عھدنا. التزمنا معك إلى النھاية وحققنا الالتزام، لكن كل التزام خارج التزامنا معك نحن غير معنيين به.
2- نحن كما أوكلنا إلى الرئيس بري إدارة المعركة السياسية في حرب تموز 2006، نوكله اليوم إدارة الملف السياسي في شقّيه الحكومي وقانون الانتخاب.
3- - نتمنى على الرئيس التفاوض مع رئيس المجلس على الحقائب والتشكيلة الحكومية. فحزب الله يفضل مشاركة الثنائي الشيعي حكوميا حتى تكون انطلاقة العھد الجديد محصنة بحكومة فاعلة تكوينا ومھمات، لا سيما أن ھذه الحكومة ينتھي عمرھا مع الانتخابات النيابية التي يستحيل تأجيلھا. والمشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة لا تزال رھن التشاور مع الرئيس بري. ولكن الأكيد أن الحليفين سيترافقان سويا الى داخل الحكومة أو خارجھا.
أما على المستوى الإقليمي فيتفق مراقبون للوضع اللبناني على أن رئاسة عون" يتجاذبھا محوران إقليميان: بين "الدعم السعودي" و"الانتصار الإيراني".
فالدعم السعودي للعھد الجديد لم يتأخر. فقد أجرى الملك سلمان بن عبد العزيز اتصالا بالرئيس ميشال عون مؤكدا في خلاله وقوف السعودية مع لبنان ووحدته. القيادة السعودية كانت أوفدت عشية انتخاب عون موفدا خاصا ھو وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبھان إلى بيروت، لاستدراك ما يمكن استدراكه، وللقول إنه ليس صحيحاً أن السعودية تخلت عن لبنان أو أنھا أھملته أو خسرته أو انسحبت منه بلا رجعة.
الأجواء والتوجھات والقراءات السعودية المترددة والمتناقضة، نجد ما يخالفھا ويناقضھا من جھة إيران التي كانت السباقة الى تھنئة الرئيس ميشال عون، ووضع انتخابه في خانة انتصار وإنجاز لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة ولحزب الله في لبنان، مع العلم أن السعودية ليست جزءا من العملية والاتصالات التي صنعت ظروف انتخاب عون، وإنما استلحقت نفسھا ولم تجد أمامھا إلا خيار السير بانتخاب عون نتيجة لضعف وتشتت معسكرھا في لبنان وللحد من خسائرھا وتراجعاتھا في المنطقة.
يبدو للمراقب أن السعوديين قرأوا المشھد اللبناني بواقعية انطلاقا من التطورات الدراماتيكية في المنطقة. الرياض بدأت تشعر عمليا بأن ثمة رغبة أميركية بإقفال الملف اليمني من دون الأخذ بمصالحھا الاستراتيجية ھناك، مع العلم أن موقف المملكة في سوريا متراجع بعد أن فقدت أوراق القوة التي كانت تطمح للمساومة عليھا في أي تسوية مقبلة، وعادت تركيا لتتصدر المشھد وتمسك بزمام المبادرة كلاعب رئيسي معتمد من قبل واشنطن دون غيرھا، وبغياب مظلة أميركية في الفترة الانتقالية بين إدارتين.
في النتيجة، فإن حزب الله سجل انتصارا سيضاف الى أوراق القوة على طاولة المفاوضات، واصطفاف حلفاء سوريا في لبنان وراء خيار حزب الله الرئاسي، أعاد المشھد الى مربعه الأول وأھدافه الحقيقية، بعد أن كاد انتخاب الجنرال عون يتحول "زورا" وكأنه خيار لقوى 14 آذار.