ارشيف من :آراء وتحليلات

العملية الاستشهادية الاولى: سياقها، رسائلها ومفاعيلها

العملية الاستشهادية الاولى: سياقها، رسائلها ومفاعيلها

 في 11/11/1982 اقتحم الاستشهادي أحمد قصير، بسيارته المليئة بالمتفجرات إحدى أهم قلاع جيش الاحتلال الإسرائيلي، مقر الحاكم العسكري في صور. وأدت تلك العملية إلى مقتل 76 ضابطا وجنديا وجرح العشرات منهم. ولخصوصية هذه العملية الاستشهادية من زوايا متعددة تم اختيار موعد تنفيذها على أنه يوم شهداء حزب الله، "يوم الشهيد".

بماذا تميزت هذه العملية؟ وما هي النتائج التي ترتبت عليها؟ وما هي مفاعيلها في وعي اطراف الصراع؟ وما هو سياقها؟ وأي رسائل انطوت عليها؟.
إن حقيقة كون المقاومة فعلا تراكميا لا يلغي حقيقة موازية تتمثل بوجود مزايا خاصة تتمتع بها عمليات نوعية أخرى. بل تكاملت كافة أنواعها وأساليبها التي قوَّضت ارادة الاحتلال واجبرته على الاندحار على مراحل من الاراضي اللبنانية.
إن أولى المزايا التي تتسم بها هذه العملية، أنها العملية الاستشهادية الاولى منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. ونتيجة ذلك حمل منفذها لقب "فاتح عهد الاستشهاديين"، كونه تقدم أولا  إلى ساحة العمل الاستشهادي ثم تبعه استشهاديون كثر من مختلف أطر المقاومة، من حزب الله نفسه ومن فصائل اخرى امتدت عملياتهم على طول المدى الذي بقي فيه الاحتلال.

كانت هذه العملية وما زالت حتى الان  الاشد والاقسى على جيش كيان العدو. وهذا ما  دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي انذاك، مناحيم بيغن إلى اعلان الحداد في إسرائيل لمدة ثلاثة ايام. وما زالت صورة وزير الحرب اريئيل شارون وهو يقف على انقاض المقر متجهم الوجه، مطبوعة في أذهان الجيل الذي واكب تلك العملية، وينبغي نقلها إلى الاجيال التالية.

العملية الاستشهادية الاولى: سياقها، رسائلها ومفاعيلها

اسرائيل التي سقطت منذ عملية احمد قصير


اعتمدت المقاومة في لبنان، بكافة فصائلها، استراتيجية الاستنزاف البشري لجيش العدو وجعل الاحتلال مكلفا من اجل اجباره على الانسحاب، وهو ما حصل على مراحل. ومن هذه الزاوية، احتلت عملية أحمد قصير الصدارة في مسلسل العمليات التي استنزفت جيش العدو. خاصة اذا ما أضفنا اليها عمليات استشهادية قاسية جدا نفذها حزب الله ايضا في المرحلة التي تلت، من ضمنها، تدمير مقر الحاكم العسكري في صور (للمرة الثانية)، في 4 تشرين الثاني من العام التالي (1983)، والتي أدت، بحسب الاعتراف الرسمي الإسرائيلي في حينه، إلى مقتل 29 ضابطا وجنديا وجرح 31 اخرين.
ايضا، كان لهذه العملية وقعها القاسي في كيان العدو، ومؤسسته العسكرية بسبب أن هذا العدد الكبير من القتلى سقط في ضربة واحدة وبدقيقة واحدة، وفي مقر القيادة العسكرية في صور، وبعدما اعتبرت إسرائيل في حينه أنها حققت انتصارا استراتيجيا وتاريخيا للدولة اليهودية انذاك.
استنادا إلى هذه المزايا، كانت عملية تدمير مقر الحاكم العسكري والاستخبارات، ايضا، عنوانا لمسار عملياتي كان من أهم نتائجه استنهاض الواقع اللبناني والعربي لمواجهة جيش اعتُبر في حينه أنه هزم كل القوى العسكرية المضادة التي كانت متواجدة على الاراضي اللبنانية.
وعلى هذه الخلفية، كان لهذه العملية دور تأسيسي في استعادة الثقة بالقدرة على مواجهة الاحتلال، وتعبيد الطريق أمام كل من يختزن في داخله ارادة الرفض والمقاومة ضد الاحتلال، كي يلتحق بمسيرة استعادة انقاذ لبنان من العهد الإسرائيلي الذي قيل حينه إنه لن يخرج منه.
ويمكن التقدير أن من العوامل الاساسية التي حضرت في خلفية القيادة التي اتخذت القرار بتنفيذ هذه العملية الاستشهادية التي قصمت ظهر العدو، تلمسها للمنسوب المرتفع من اليأس والاحباط الذي كان سائدا انذاك لدى اللبنانيين.  فقد كان الشعب اللبناني المقاوم يرى بعينه جنود جيش الاحتلال وهم يجولون في الاراضي اللبنانية من أقصى جنوبه إلى عاصمته وصولا إلى البقاع الغربي، مدعوما بقوات متعددة الجنسيات  جاءت لحماية الاحتلال وافرازاته السياسية، ويشهدون تشييد نظام سياسي أقل ما يمكن وصفه أنه كان متعاونا مع الاحتلال، وقوى سياسية لبنانية تتجاهر بتعاملها مع العدو.

وهكذا كشفت تلك العملية الاستشهادية المدوية عن حجم العزم والحزم الذي يختزنه الشعب اللبناني المقاوم في مواجهة الاحتلال، وعن الاستعداد للذهاب حتى النهايات مهما غلت الاثمان من اجل اقتلاعه، وشكلت ايذانا مبكراً لجيش الاحتلال بأن ما تخيله نصرا نهائيا سينقلب إلى هزيمة مدوية تفرض عليه التقهقهر وهو ما حصل لاحقاً.
ولعل من أشد ما أثقل على المقاومين في ذلك الحين، أنه لم يكن في تاريخ الصراع مع إسرائيل أي سابقة تمكنت بموجبها حركة مقاومة أجبرت العدو الإسرائيلي على الانسحاب من الاراضي المحتلة دون أثمان سياسية أو أمنية، رغم التضحيات الكبيرة والغالية التي قدمها الشعب الفلسطيني. ونتيجة ذلك، كان المطلوب انتاج هذه السابقة وبناء النموذج الناجح، كي تستند اليها الاجيال العربية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما حصل فعلا وبدأت مسيرة تغيير معادلة الصراع.
   

2016-11-12