ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما يفوز ترامب بضعف كلينتون لا بقوته : الولايات المتحدة أمام بداية النهاية ...

عندما يفوز ترامب بضعف كلينتون لا بقوته : الولايات المتحدة أمام بداية النهاية ...

"لا تدعوا الفرصة تفوتكم. سارعوا للانضمام إلى مؤيدي هيلاري لأنها هي التي ستفوز في الانتخابات... وستكونون معها من الفائزين". هذا ما كانت تقوله، خلال الحملات الانتخابية، بشكل أو بآخر، استطلاعات الرأي، وتحليلات المحللين، وتصريحات المسؤولين، وحتى المواقف الرسمية لكثير من الدول. وبالتوازي مع ذلك، ألصقت بمنافسها دونالد ترامب جميع التهم الجاهزة والمخصصة للاستهلاك من قبل ناخبين لا يكرسون كثيراً من الوقت لرفع مستوى وعيهم السياسي. فهو عنصري ومعاد للمرأة و-من أجل المزيد من الإثارة- وصل الأمر بالماكنة الإعلامية إلى جعله صنيعة لبوتين وشيعياً ومن أصل سوري... لم توجه إليه، على حد علمي، تهمة التعامل مع داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، لأن مجرد الإشارة إلى مثل هذا التعامل من شأنه أن يضع خط تشديد تحت المساندة المتنوعة الأشكال التي قدمت، وما زالت تقدم، إلى الجماعات المذكورة من قبل الإدارة الأميركية التي شكلت هيلاري أحد أبرز أركانها لفترة طويلة من الزمن.

ومع هذا، حصل ما يشبه المعجزة. للمرة الأولى تبين أن صناعة الرأي والموقف ليست كلية القدرة، وأن شطراً واسعاً من الناخبين الأميركيين أثبت قدرته على تحطيم هيبة تلك الصناعة وفي الوقت نفسه، على التحرر من ربقة الحكام الحقيقيين الذين يدعوهم البعض بـ "أسياد العالم" والبعض الآخر بـ "اليد الخفية"، والذين بلغت استهانتهم بالناس حد تصور أن التلاعب بهم وتسييرهم على طريقة الروبوتات والطائرات بدون طيار أمر ممكن على الدوام.

عندما يفوز ترامب بضعف كلينتون لا بقوته : الولايات المتحدة أمام بداية النهاية ...

الولايات المتحدة امام النهاية

هذا لا يعني أن انتخاب الجمهوري ترامب وإلحاق الهزيمة بكلينتون الديموقراطية سيغير الولايات المتحدة ويجعل منها بلداً شغوفاً بنصرة قضايا الحق والعدل. فالاعتقاد بوجود فرق بين الجمهوريين والديموقراطيين هو ضرب من السذاجة، لكن الاضطراب والبلبلة اللذين أحدثهما انتخاب ترامب على مستوى الزعماء الأوروبيين وحكام الخليج ممن كانوا على ثقة تامة بفوز هيلاري وبضرورة تأييدها استباقياً لكسب الحظوة عندها كرئيسة للولايات المتحدة، هما تعبيران أكيدان عن وجود فرق بين ما قبل ترامب وما بعد ترامب. ما يعني أن العالم الذي يديره هؤلاء الزعماء والحكام قد فقد قدرته على الاستمرار. وبالطبع، فإن ترامب هو جزء من ذلك العالم، وفوزه لم يكن نتيجة لقوته وقدرته على إحداث التغيير المنشود بل نتيجة لضعف خصومه وعجزهم عن إحداث التغيير الموعود.
ولأنه لم يفز بفضل ما يمتلكه من مؤهلات، بل بفضل وهن خصومه، فإن من غير الممكن لترامب أن يقود الولايات المتحدة بنجاح وأن يلبي طموحها لقيادة العالم.
هذه المفارقة هي مؤشر واضح على حالة الوهن والتراجع التي تعيشها الولايات المتحدة والتي تدفع سفينتها بقوة نحو الرسو في قاع المحيط.
فأجواء الداخل الأميركي مشحونة بما يشبه بداية ربيع أميركي أشد بؤساً وخطراً على أميركا والعالم من الربيع العربي : انتخابات ديموقراطية يرد عليها الشارع  الأميركي المعارض بطريقة غير ديموقراطية وذلك في تظاهرات شملت معظم مدن الولايات المتحدة، وأظهرت ما يكفي من الكراهية للشخص الذي سيكون، فيما لو بقي العالم على ما هو عليه، رئيساً للبلاد خلال السنوات الأربع أو الثماني القادمة.
ويمكن القول دون مبالغة أن حرباً أهلية مصغرة قد اندلعت في أميركا. المتظاهرون يكسرون ويحرقون والشرطة ترد بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع.
وهنالك ما هو أشد خطورة : أحد مؤيدي ترامب يطلق النار على مظاهرة معادية لترامب، ما يعني أن أميركيين آخرين، من الفريقين، باتوا مقتنعين بأن لغة الرصاص أكثر فصاحة من الكلام الديموقراطي...  
أما الدعوات في ولاية كاليفورنيا إلى الانفصال عن واشنطن، والتي تجددت مع فوز ترامب، فالأكيد أن دعوات أخرى مشابهة ستظهر في ولايات أخرى، على طريق حالة تفكك من مفاعيلها بروز شبح الحرب التي تواجهت فيها بالمدافع، لمدة خمس سنوات، ولايات الشمال الأميركي مع ولايات الجنوب قبل 150 عاماً.
أما بالنسبة للخارج، فإن أقل ما يمكن قوله، هو أن مسيرة الانحدار والتراجع التي يشهدها موقع الولايات المتحدة ستتواصل. وربما بسرعة أكبر. فشل الحرب على سوريا، وأرجحية احتمالات الانتصار القريب على مشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية، وارتفاع منسوب الفشل والاضطراب على مستوى حلفاء أميركا في المنطقة، السعودية وتركيا نموذجان، والارتباك الكبير في التعامل بين المجموعات الإرهابية وصانعها الأميركي، كل ذلك بالغ الدلالة على أن أيام واشنطن صارت معدودة في المنطقة.
أما ظهور تحالف دولي كبير مناهض لواشنطن بين روسيا والصين وإيران والعديد من البلدان المؤثرة الأخرى، فمؤشر إضافي ووازن على أن قبضة واشنطن على العالم قد بدأت بالارتخاء.     

2016-11-15