ارشيف من :آراء وتحليلات
مشهد النيران يكشف هشاشة الكيان الاسرائيلي وعنصريته
بدا نتنياهو، واخرون في القيادة السياسية الاسرائيلية، كما لو أنه مصر على أن الحرائق المتنقلة في اسرائيل، على الاقل في جزء منها، هي نتيجة فعل متعمد يقف وراءه اشخاص يريدون استهداف اسرائيل. مع التأكيد على عدم استبعاد أن يكون جزء من مشهد النيران الذي يضرب اسرائيل هو امتداد لانتفاضة الشعب الفلسطيني. تكشف اتهامات نتنياهو المتكررة على أنه يهدف الى تحقيق جملة من الاهداف التي تتصل بالواقع السياسي والامني الاسرائيلي.
أثبت الشعب الفلسطيني في الداخل تمتعه بملكة الابداع الذي مكَّنه من ابتكار اساليب متعددة في التعبير عن رفضه للاحتلال. منها أسلوب إضرام النيران الذي اعتمده في مراحل سابقة. وما زال يواصل عمليات الطعن والدهس باعتبارها من الاساليب المتاحة أمامه في هذه المرحلة. وفي حال ثبت أن للشباب الفلسطيني دورا في مشهد النيران الذي تشهده اسرائيل، نكون أمام انجاز وابداع متكرر للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال.
تجدر الاشارة الى أن تنقل النيران من منطقة الى أخرى، عزَّز الانطباع في اسرائيل بأن يكون جزء من الحرائق، على الاقل، هو نتيجة نشاط فلسطيني متعمد. مع ذلك، كشفت تقارير اعلامية اسرائيلية عن أن الشاباك رفض تصريحات بعض الوزراء من أن 60% من الحرائق هو نتيجة فعل مدبر.. ما يُعزز فرضية التوظيف السياسي خاصة وأن الشاباك هو المسؤول حصراً، دون غيره من الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، عن تأكيد أو نفي ما يتم ترويجه على ألسنة سياسيين. واذا ما كان لدى المسؤولين الاسرائيليين أي معلومات بهذا الاتجاه أو ذاك، يفترض أن تكون من قبل الشاباك، وإلا فإنها تفتقد الى الصفة الرسمية.
في كل الأحوال، سواء ثبت أن للفلسطينيين دورا تنفيذيا في هذا المشهد، أم لم يثبت ذلك، لا يقدح بحقيقة وجود دوافع لنتنياهو تهدف لتوظيف ما جرى في سياقات تتصل بأجندة سياسية محدَّدة.
الكيان الهش
النتيجة الفورية والمباشرة التي من المؤكد أنها ستترتب على التصريحات التي ادلى بها نتنياهو ونظراؤه، من ضمنهم رئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت، هو تعزيز العنصرية لدى اليهود في الداخل. وهي نتيجة حتمية للصورة التي يحاول أن يقدمها نتنياهو بأن الفلسطينيين يقومون بحرق دولتهم (ولهم الحق بذلك). ومن الطبيعي ايضا أن يؤدي ذلك الى تعزيز النزعة اليمينية المتطرفة. ولا يخفى بأن تكرار تصريحات نتنياهو تؤكد وتكشف الجانب العنصري من شخصيته.. وتحديدا بعدما ثبت أن الشاباك (كما تمت الاشارة) لا يتبنى حتى الان هذه المواقف.
ايضا، تأتي مواقف نتنياهو ترجمة لمفهوم تتبناه المؤسسة الاسرائيلية، وان تعددت اساليب التعبير عنه، وهو أن الفلسطينيين هم بمثابة قنبلة موقوتة في الداخل. ومصدر تهديد كامن من غير المعلوم متى يتحول الى واقع فعلي. وتنبع هذه الرؤية من حقيقة أنهم في اسرائيل يدركون ما فعلوا ويفعلون بهذا الشعب المظلوم من تهجير ومجازر واضطهاد.. وصولا الى احتلال "عصري" وفق صيغة "دولة" متطورة. وفي هذه الحالة، من الطبيعي أن يتوجس المعتدي من أن يتحين المعتدى عليه الفرص للدفاع عن نفسه والتعبير عما يختزنه من مشاعر ومواقف.
على مستوى التوظيف السياسي، هدَفَ نتنياهو الى أن تتصدر الاتهامات للفلسطينيين المشهد السياسي والاعلامي كي يغطي على فشل المؤسسات والاجهزة المعنية بمواجهة الكوارث الطبيعية. مع ذلك، فإن التهمة ستبقى تلاحقه، بعد خمود الحرائق خاصة وأنه سبق لاسرائيل أن واجهت مثل هذه الحرائق في العام 2010. وكان يفترض بأن تكون أجهزة الدولة قد استخلصت العبر. ولكن الحرائق اثبتت العكس، وحكما المسؤول سيكون رأس السلطة التنفيذية.
مع ذلك، تبقى الخلاصة الاهم، وهي أن فشل وعجز اسرائيل بكل أجهزتها عن معالجة النيران، وطلب النجدة من عدد من الدول، روسيا وتركيا واليونان وغيرهم، يؤكد عدم جاهزية الجبهة الداخلية الاسرائيلية لخوض مواجهة شاملة مع حزب الله. وهكذا أثبتت الحرائق، رغم كل الدعايات والمناورات التي توالت خلال السنوات الماضية، هشاشة الكيان الاسرائيلي، وعجزه أمام "بروفا" صغيرة نسبة لما ينتظره خلال الحرب التي يستعد لها. خاصة وأن حزب الله قادر على اطلاق صواريخ حارقة تستهدف الاحراش والمناطق القابلة للاشتعال الامر الذي سيؤدي الى تكرار مشهد النيران بمستويات أشد وأوسع. وكيف ستتحرك مؤسسات الاطفاء والدفاع المدني في ظل تساقط الصواريخ بمعدلات لم يسبق لاسرائيل أن شهدتها طوال تاريخها، لا على مستوى الكثافة، ولا الدقة في الاصابة ولا القدرة التدميرية ولا المديات التي تسمح بالوصول الى أية نقطة في الكيان.