ارشيف من :آراء وتحليلات

صعود اليمين في الغرب.. أوهام العرب وأحلامهم

صعود اليمين في الغرب.. أوهام العرب وأحلامهم

اعتاد الشرق لا سيما الشرق الأدنى وأوسطه العربي منذ نيف ومئة من السنين على رصد حركة الرياح الغربية لتوجيه أشرعة السياسة فيه، وإذا كان مصدر المنخفضات الجوية دائماً ما يكون شمالياً غربياً فإن مناخات أهل السياسة في بلاد العرب دائماً ما تأتي منخفضة أيضاً تتأثر  بتيارات الهواء الغربية إلى حد التبعية دون أن تؤثر أو تعبّر حتى عن قناعات الشعوب وطموحاتها.
ومنذ تحرر العرب ظاهراً من إرث قرون من استعمار الرجل العثماني المريض، لم يغادروا مرحلة النفوس المستعمَرة من قبل البديل الغربي متمثلاً بداية بفرنسا وبريطانيا وآيلاً بعد الحرب العالمية الثانية وحقبة الاستقلال الظاهري الثاني إلى الولايات المتحدة الأميركية، المستعمِر الجديد، بطرق أكثر خفة وأشد تأثيراً.

وعلى مدى عقود كانت أنظمة العرب ونخبهم المدجنة وصحافتهم الرسمية وجُل شعوبهم، وما زالوا حتى اليوم، يلوون أعناقهم يميناً أو يساراً ويبنون آمالهم أو يعيشون أوهامهم حسب مؤشر الانتخابات في بلدان الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ديمقراطيا كان أم جمهوريا في أميركا، محافظا كان أم عمالا في بريطانيا، يمينا كان أم يسارا في فرنسا؟، وهكذا يجتر الغرب لعبة تبديل الواجهة دون تبديل الجوهر، بينما يتوجس العرب أو ينفرجوا حسب النتائج .

صعود اليمين في الغرب.. أوهام العرب وأحلامهم

اليمين القادم من الغرب...

وقد تكون خيارات الناخب الغربي مختلفة وحسابات المؤسسات وقوى الضغط الحاكمة مغايرة تماماً لما يتوهمه العرب، فالليبرالية المدّعاة ووليدتها العولمة المتوحشة تتجه للانكفاء مع عنصرية دونالد ترامب وشوفينية فرنسوا فيون، والإتحادات السياسية والكارتلات الإقتصادية العملاقة تكاد تتفكك مع الـ "بريكست" البريطاني الذي قد تتساقط معه الكثير من الأحجار في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، لكن كل ذلك يبقى في أسبابه ونتائجه غربياً بحتاً لن ينال الشرق منه إلا النذر اليسير.


وإن كان احتضان الكيان الإسرائيلي ورعايته ودعمه مسلّمة ولازمة عند حكومات الغرب كائناً من كان الفائز في انتخاباتها، فإن أنظمة العرب وشعوبها المستلبة بفعل مسح هويتها وإلغاء إرادتها  تبني على فوز هذا وخسارة ذاك، وربما يكون الخطاب النافر، لكن الواضح والصريح، للفائز بكرسي البيت الأبيض الأميركي أحد أبرز تجليات ظهور هذا الوهن والوهم العربيين. وكذا الحال مع ترقب اتجاهات الانتخابات المقبلة للرئاسة الفرنسية، حيث يُفترض أن تختار فرنسا بين اليمين وأقصى اليمين، وإذا لم يكن فرنسوا فيون ستكون مارين لوبان الأكثر تطرفاً.

ورب قائل إن الإنكفاء الغربي والإتجاه نحو إنحسار الإنفلاش المعولم، قد يعود على الشرق بفائدة التحرر، ولو نسبياً ، من هيمنة غربية مزمنة، لكن تبقى الامور دائماً بخواتيمها، وما تأسس على سياسة الهيمنة سياسياً وإقتصادياً وثقافياً مع بدايات القرن العشرين، لا يمكن ان يتبدل مع أشخاص فائزين أو مرشحين  ينزعون نحو التقوقع خلف جدران عازلة، فالمنظومات الحاكمة في دول الغرب لا تقوم على مزاج أو أهواء شخص ما، بل تأتلف فيها لوبيات سياسية وقوى ضغط إقتصادية وشركات عابرة للقارات، وتجتمع فيها مصالح وصفقات وتقاسم ثروات على امتداد العالم.
ولا ينتظرن أحدٌ كثير تغيير مع دونالد ترامب بالنسبة للمنطقة العربية، فجيش المستشارين الذي بدأ يتشكل حوله لا يبشر بخير، وبات الرجل محاطاً بدستة من الجنرالات المتقاعدين والمستشارين المتشددين والأكثر تشدداً، فمنهم من يرى في الوهابية والسلفية خطراً ، ومنهم من يجد في إيران ومحور المقاومة تهديداً استراتيجياً،  لكن الفريق العتيد بعدته وعديده يرى في " إسرائيل" أولية للحفظ والصون، وبعدها لكل حادث حديث.

 

2016-12-02