ارشيف من :آراء وتحليلات

ايها المحتفلون...مهلا

ايها المحتفلون...مهلا

إيهاب شوقي

"إضافة إلى القواعد الخمس في الجَلبيَّة وتل النور ورميلان ومبروكة وتل بيدر، كانت قوات أميركية قد نقلت كرافانات وبيوتاً مسبقة الصنع إلى موقع شركة الجبسة للنفط في محافظة الحسكة، بعد دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" من مناطق الهول والشدادي. وفُهمَ من هذا الأمر احتمال إنشاء قاعدة أخرى هناك. كما تُشير أوساط حزب "الاتحاد الديموقراطي" إلى أن الأميركيين يعتزمون بناء قاعدة كبيرة جداً، ستفوق في حجمها وأهميتها كل القواعد السابقة، في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي."

هذا مقتطف من تقرير حول القواعد الامريكية في سوريا، اعده الكاتب "خليل عساف"، والذي استهل تقريره برصد عمل وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" على توسيع الوجود العسكري الأميركي في سوريا، عبر بناء قواعد عسكرية في خمسة مواقع في محافظتي الحسكة وحلب، في مناطق تُسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي.

وهناك تقارير اخرى تفيد بان القواعد سبع، يضاف الى المذكورين اعلاه كوباني وعين عيسى.
وليس المجال هنا مجالا احصائيا وتدقيقا للقواعد الامريكية وحصرا لها ولاعداد الجنود.

والمراد قوله هنا، ان من يقدم على ذلك من دول عظمى، وفي ذهنه احتمالات متعددة لنتائج المعارك على الارض ومنها الاحتمال الاقرب وهو الانتصارات الكبيرة للجيش السوري وحلفائه من المقاومين الشرفاء، هو عازم بالضرورة على خطط بديلة.

وبناء قواعد عسكرية ليس بالامر السهل او العبثي، فهو في اسوأ الظروف والاحتمالات عمل تفاوضي ستتم المساومة به على ترتيبات امنية او تنازلات عن قواعد او خطوط للتماس اذا ما اجبرت الظروف امريكا على التخلي عنها.

المتابع للسياسات والتكتيكات الامريكية، لا بد وان يلحظ ويرصد جيدا انها لاعبة "شطرنج"، وان فكرها واساليبها متأثرة دائما بتكتيكات اللعبة، ومن اهمها التضحية ببعض القطع في سبيل مكاسب اكبر.

وسنضع هذا التوضيح لادبيات الشطرنج مقتبسا من مصدره دون تدخل كي يلقي الضوء على مانريد قوله:

(التضحية في الشطرنج هي التخلي عن قطعة على أمل الظفر بتعويض تكتيكي أو استراتيجي او القيام بـ"مات"، ويمكن أن تكون كذلك تبديلا عمديا لقطعة ذات قيمة كبيرة مقابل قطعة ذات قيمة صغيرة للخصم "مثال: قلعة بحصان".

جميع قطع الشطرنج باستثناء الملك يمكن التضحية بها، وعادة يحاول اللاعبون الحفاظ على قطعهم لذا فتنفيذ تضحية يمكن أن يكون غير سار للخصم ويضع عليه ضغطا ويكلفه وقتا في محاولة حساب هل يقبل التضحية أم لا، غالبا ما تكون التضحية بداية سلسلة تكتيكية تقود إلى الـ"مات" أو على الأقل استعادة القطعة المضحى بها أو أكثـر.

هناك أنواع عديدة من التضحية ولا يشترط أن يقوم بها المهاجم فقط فيمكن أن يضحي المدافع من أجل تجنب خسارة أكبر أو "مات"، أو من أجل أن يجعل وضعيته متوازنة أو أكثر فاعلية وذلك بأن يضحي بقطعة كي يأخذ أفضل المربعات في الرقعة ، لكن ذلك النوع من التضحيات يتطلب فهما عميقا للوضعيات الناتجة ومميزاتها وينطوي على خطورة كبيرة لأنه يجعل اللاعب متخلفا في القطع.)..انتهى الاقتباس.

اللعب بالورقة الكردية حاليا هو موطئ قدم امريكي في سوريا، والجيش الحر وقيادة تركيا له سياسيا وعسكريا ورقة تركية في اطار تفاوض داخلي في المعسكر الامريكي، وهو رديف في النهاية للامريكان.

والمراقب للقواعد العسكرية الامريكية في العراق يلحظ انها متركزة في الانبار مثل قاعدة عين الأسد" القادسية" في غرب الانبار وهي بمثابة معسكر محصن لانطلاق العمليات الخاصة، وكما تقول التقارير، ان هناك نية عن إقامة قاعدتين هما أشبه بالمعسكرات المحصنة لقوات العمليات الخاصة، في منطقة عكاز قرب القائم ومنطقة الحميرة قرب الرمادي.

اي ان القواعد الامريكية في العراق تقع فيما يعرف في الخرائط الطائفية داخل (الاقليم السني) والشامل لعدد من المحافظات العراقية (نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى، وأجزاء مهمة من كركوك وبغداد) وبالطبع كردستان العراق.

والحرص الامريكي الشديد على قيادة معركة الموصل وتوجيهها، لا ينفصل عن خطواتها وترتيباتها في سوريا.

مانريد قوله باختصار ان مشروع التقسيم قائم على قدم وساق، ولا ينبغي ان تلهينا الانتصارات الميدانية عن حقيقة مفادها عدم تخلي امريكا واذنابها عن التقسيم، فاقليم (سني) بالعراق عقدت اجتماعات وكشفت التقارير وجود مباحثات شديدة التكتم والسرّية، بين ممثلين لزعماء كتل سياسية، ورؤساء عشائر، ووجهاء، وضباط جيش، وتجار ومقاولين كبار، بشأن "إقامة إقليم سُنّي" كبير، يتمتع بما يتمتع به إقليم كردستان من "استقلالية" في جميع المجالات، يراد له ان يلتحق باقليم اخر في سوريا لقطع التواصل بين ايران وسوريا ومحاصرة سوريا من جميع جهاتها وفي حضنها لبنان لاضعاف والاجهاز على محور المقاومة، ناهيك عن الترتيبات الاقتصادية الاخرى المتعلقة بالنفط والغاز ومشروعات مد انابيبه وما سيعود بالفوائد على ممولي الارهاب في قطر والسعودية.

ما نريد قوله بتركيز شديد وبمعزل عن التفاصيل، هو ان المعركة ممتدة، والاحتفالات بالنصر غير انها مبكرة، فهي بعيدة عن الواقع وتنظر لجزء محدود من الصورة الكلية.

ايها المحتفلون...مهلا

ماذا تريد واشنطن من سوريا؟

نعم من حق المقاومين وانصارهم الاحتفال والفرح، ولكن بمنطق الجولة في معركة كبيرة ومصيرية وممتدة.

والاطراف المهزومة والموشك مشروعها على السقوط لن تسلم وتعترف بالهزيمة دون محاولات مضنية لتعويض خسارتها في مربعات اخرى من الرقعة، ناهيك عن ذيول اوشكت ان تسقط، وقد تحاول هدم المعبد.

المشروع الامريكي والصهيوني التقسيمي قائم، ولازال ناجحا بفضل انعدام الوعي الشعبي والانسياق وراء الطائفية والابواق التي زرعتها، وبفضل مصالح الساسة والمرتزقة القائمة اقواتهم على الصراع الطائفي.

وقد احسن كثيرا وزير الخارجية البريطاني التشخيص، عندما وصف السعودية باشعال حروب بالوكالة نظرا لافتقاد الزعامات في الوطن العربي!

نعم مشروع التقسيم وقوده الطائفية وشهوة السلطة وانعدام الوعي والحرص على المصالح الذاتية واعلائها على مصالح الامة، والكيان الصهيوني مشارك ولا يخشى من احد الا المقاومة.

ليس امرا هينا ان تتركز كل مخاوف الكيان الصهيوني من سلاح المقاومة وان تنشر علنا بنوك اهدافه في لبنان وان يضرب مطارا بسوريا خشية من وصول اسلحة نوعية لحزب الله.

هذا العدو الصهيوني لم يعد هناك مايرهبه او يشغل تفكيره الاستراتيجي الا المقاومة وحزب الله.

والمفارقة المؤسفة هي ان اعوان الكيان هم القوى الكفيلة بازالته والتي خطط على مدى سبعة عقود لتحييدهم، ولم يحلم انهم سيكونون حلفاءه ضد المقاومة!

 

2016-12-13