ارشيف من :آراء وتحليلات

الشبح الاميركية في تل ابيب: أي طائرة لأي تهديد؟

الشبح الاميركية في تل ابيب: أي طائرة لأي تهديد؟

احتفلت اسرائيل بوصول أول طائرتين من طراز ف 35، بطريقة استعراضية بدت كما لو أنها لم تكن، قبل هذه الطائرة، تملك أقوى سلاح جو في منطقة الشرق الاوسط، وصل في الثمانينات الى تونس (تدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية عام 1985) وبغداد (تدمير المفاعل النووي في العام 1981)، وكما لو أنها ليست دولة عظمى اقليمية، تملك اسلحة تدمير شامل.. واحدث الدبابات في العالم..

لكن اسرائيل كعادتها تبالغ في تظهير قدراتها وتسويقها بطريقة تهدف الى زرع الرعب في نفوس اعدائها، ورفع مستوى الثقة والامن في صفوف جمهورها. لكن هذه الفرحة لم تتم اذ أجهضت تقلبات الطقس أهداف هذا الاستعراض عندما تم تأخر وصول الطائرة لنحو ست ساعات بفعل الضباب. هذا مع العلم أن من مزايا الطائرة "انخفاض بصمتها الرادارية، والتي حظيت بسببه بلقب "الشبح"، ويتمتع رادارها الاستثنائي بالقدرة على تعقب عدد كبير من الأهداف الجوية والبرية في نفس الوقت، والدقة العالية والحد الكبير من الصمود في وجه الحرب الالكترونية". ولقيت هذه الخيبة ردود فعل في الداخل الاسرائيلي، بلغت حد التهكم، عبر عنه مراسل الشؤون السياسية لصحيفة هآرتس، حاييم ليفنسون، بالقول "بعد أن اشترت إسرائيل طائرة بمئة مليون دولار لا يمكنها ان تحلق في الضباب، آمل ان يكون أحدٌ ما قد فحص الغواصات وعدم حساسيتها تجاه المياه المالحة".

بعيدا عن الانتكاسة المعنوية والترويجية.. الواضح أن هذه الطائرة هي الاحدث والاكثر تطورا لدى الولايات المتحدة الاميركية. واسرائيل هي الدولة الاولى في العالم التي تملكها، باستثناء واشنطن. وتتسم بمزايا أكثر تطورا بالقياس الى باقي الطائرات الحديثة الموجودة في اسرائيل والعالم.. واستنادا الى ذلك، اي مهام مفترضة لهذه الطائرة. والام تؤشر؟

صحيح أن الاصوات المعترضة على شراء هذه الطائرة المكلفة خفتت بعد مصادقة المجلس الوزاري المصغر على قرار شرائها، لكن ذلك لا يلغ حقيقة وجود تباين ينطلق من كلفتها الباهظة ولكونها غير ذي صلة بالتهديدات المباشرة المحيطة باسرائيل (دول الطوق). في مقابل حاجة اسرائيل الى الانفاق اكثر على تطوير منظومات اعتراض صاروخي متطور وعلى قدرات هجومية ذات صلة بالتهديدات "الهجينة" التي يمثلها حزب الله وفصائل المقاومة في قطاع غزة.

الواقع أن مثل هذا التباين يبرز دائما في النقاشات نتيجة وجود موازنة محددة في مقابل تهديدات متنوعة على المديين القصير والطويل. والسؤال الذي يحضر في مثل هذه القضايا هل ينبغي على اسرائيل أن تستثمر امكاناتها لمصلحة تهديدات مباشرة وفورية وقريبة، على حساب الاعداد للتهديدات البعيدة المدى والتي قد تكون أكثر خطورة على الامن القومي الاسرائيلي. أم أن عليها أن ترجح الاكثر خطورة على حساب الاقرب زمنيا ولكن الاقل خطورة.. ومع أن الحكمة ترى بضرورة الجمع بين الاستعداد لكافة انواع التهديدات، لكن ماذا عن الحالات التي لا تتوفر فيها الموازنات للجمع بين الخيارين...

الشبح الاميركية في تل ابيب: أي طائرة لأي تهديد؟

ما هو هدف الـ 35f ؟


في كل الاحوال، تم حسم الموقف استنادا الى فرضية تقوم على أن سلاح الجو الإسرائيلي يحتاج إلى تحديث طائراته بشكل دائم، خاصة وأن إسرائيل حصلت على طائرات الـ F-15 الأولى في العام 1977 وعمرها الآن 40 عامًا، كذلك الطائرات الأولى من النموذج الأخير من الـ F-16 (سوفا) والتي تم استيعابها في سلاح الجو، موجودة في الخدمة منذ 12 عامًا، ولأن إسرائيل تشتري طائراتها المقاتلة بأموال المساعدات الأمنية الأمريكية؛ طائرات من صنع أمريكي هي المطروحة أمامها فقط، لا تستطيع إسرائيل ان تدرس شراء طائرات حربية أوروبية، ولا روسية بالطبع ولا صينية.  وهكذا كان الاختيار بين شراء فوري لطائرة الـ F-35 وبين الشراء الفوري لطائرات أخرى من نماذج مثل F-15، F-16؛ لكن تكون جديدة وربما فيها بعض التحسينات ولكن بأسعار عالية أكثر بكثير من الأسعار التي اشترت بها هذه الطائرات في الماضي.
أي علاقة لهذه الطائرة بالتهديدات المحدقة باسرائيل؟
أجمل نتنياهو المزايا المتطورة التي تتسم بها هذه الطائرة، خلال حفل استقبالها، بالقول أن «الذراع الطويلة» لإسرائيل صارت الآن أطول وأعظم، لافتاً إلى أن القوة فقط هي «التي تصنع الردع والاحترام والحلول والسلام». مضيفا أن "كل قادة الاجهزة الامنية الاسرائيلية يعملون على تحقيق القدرة العليا في الجو والبر والبحر والمجال الالكتروني، وهذه الطائرات لديها هذه القدرات مجتمعة". ولكن ما علاقة هذه المزايا بالتهديد الذي يمثله حزب الله أو فصائل المقاومة في قطاع غزة. ما الفرق الجوهري بالنسبة لهم، إن امتلكت اسرائيل طائرة ف 35 أم طائرة ف 16، أم غير ذلك..

الحقيقة أن العجز والفشل الاسرائيليين لا يعودان الى نقص في القدرات ولا بفعل وجود توازن استراتيجي، أو نتيجة التزاحم بين ما تملكه حركات المقاومة لاسرائيل على المستوى التكنولوجي والعسكري..  وانما يعود "العقم" على مستوى تحقيق الجدوى المؤملة لجهة امكانية الحسم العسكري، الى مجموعة عناصر من ضمنها استراتيجية حزب الله التي طوَّعت قدرات عسكرية يفترض أنها حكر على الجيوش النظامية، وفق تكتيكات "حرب عصابات".

ايضا، نجح حزب الله في فرض قيود على صرف الكثير من قدرات جيش العدو على المستوى العملاني، بما يتناسب مع حجم مفاعيلها، وذلك استنادا الى معادلة الردع المتبادل.. وليس نتيجة امتلاك حزب الله قدرات دفاعية واعتراضية تتناسب مع مستوى تطور قدرات العدو.
على خط مواز، تسود اتفاقيات السلام بين اسرائيل وكل من مصر والاردن، الامر الذي ينفي فرضية وجود تهديدات تستوجب هذا المستوى من الطائرات المكلفة.. كما أن الاحداث التي تشهدها سوريا قلصت من التهديد الذي يمثله الجيش السوري المستنزف.. والامر نفسه ينسحب على العراق..
ما تقدم، يعني ان المهام الرئيسية للطائرة لا علاقة لها، كأولوية فورية ومباشرة، بالتهديدات المتاخمة باسرائيل.. والخلاصة المنطقية لهذه المقاربة أن اصرار اسرائيل على امتلاك هذه الطائرة ليس سوى جزء من عملية اعداد بعيدة المدى لمواجهة تهديدات استراتيجية متنامية وهو ما ينطبق على الجمهورية الاسلامية في ايران التي تسلك مسارا تصاعديا على المستوى العلمي والتكنولوجي والعسكري والنووي.
 

2016-12-15