ارشيف من :آراء وتحليلات
هل سنشهد مناورة الوصول الى دير الزور عبر تدمر ؟
بالرغم من الاهمية الاستراتيجية لتحرير مدينة حلب بالكامل ، و ما امتلكه و سوف يمتلكه الجيش العربي السوري وحلفاؤه ميدانيا من خلال انتصارهم الصاعق في هذه المعركة ، فلا يمكن الاستهانة بسيطرة داعش على تدمر مؤخرا ، خصوصا وان ذلك حصل تقريبا بطريقة صاعقة ومفاجئة ، وحيث كانت وحدات من الجيش المذكور شمالا تحضر الاجراءات الادارية والعملية لاستلام مدينة حلب بالكامل ، كانت وحدات اخرى منه شرقا ، تنفذ عملية اخلاء سريعة للوحدات العسكرية وللمدنيين ، وعملية اعادة انتشار تكتيكية غرب عاصمة البادية .
بالعودة الى معركة حلب ، يمكننا القول ان عملية تحريرها لم تكن نتيجة المرحلة الاخيرة التي تمثلت في الهجوم على احيائها الشرقية فقط ، بل مرت هذه العملية الهجومية الواسعة بعدة مراحل هي :
- مرحلة العزل والحصار
وقد نفذت بطريقة تدريجية من خلال سلسلة من العمليات الهجومية المستقلة وهي :
اولا : عبر اقفال كافة المعابر والطرقات من اتجاه الشرق والشمال الشرقي ، وذلك بعد عملية الاختراق المشهورة وفك الحصارعن مطار كويرس والتقدم والانتشار بمواجهة مدينة الباب .
ثانيا : عبر فصل الاحياء الشرقية الداخلية عن ارياف المدينة الشمالية ، و بالتالي فصلها عن الحدود التركية بين جرابلس ومعبر باب السلامة ، وذلك بعد عملية التقدم الاستراتيجية شمالا اعتبارا من مدرسة المشاة و حندرات و باشكوي و حتى فك الحصار عن نبل والزهراء .
ثالثا : عبر اكتمال الحصار نهائيا مع السيطرة على معبر الكاستيلو وعلى مزارع الملاح ومنطقة الليرمون ، حيث تم فصل تلك احياء حلب الداخلية بشكل كامل عن ريفها الشمالي القريب اعتبارا من ضهرة عبد ربه الى كفرحمرة فعندان وحريتان .
- مرحلة الاستدراج التكتيكي
شكلت هذه المرحلة الانجاز الرئيس في معركة تحرير المدينة ، وقد تم تنفيذها عبر مناورة استراتيجية تمثلت باستدراج العدد الاكبر من الارهابيين الذين ، وبهدف فك الحصار عن الاحياء الشرقية تدفقوا بالالاف مع انغماسييهم في مهاجمة واسعة على كامل جنوب غرب المدينة ، و من خلال عملية اعادة انتشار وقتال تأخيري في خان طومان وفي خلصة و في مدرسة الحكمة و محيطها وفي مشروع الـ 1070 شقة ، تمت محاصرتهم بين مناطق الكليات العسكرية والراموسة و تلة المشرفة ، لتصبح منطقة تواجدهم هذه بقعة روع وقتل ، سلطت عليها وحدات الجيش العربي السوري وحلفاؤه وبدعم روسي فاعل ، كامل اسلحة الدعم الجوي والمدفعي والصاروخي ، وبسقوط العدد الاكبر من القتلى والمصابين في صفوف هؤلاء ، خسرت تلك الجماعات و الدول الداعمة لها اغلب المسلحين المؤهلين للقتال ولفك الحصار عن احياء حلب الشرقية .
مرحلة المهاجمة الرئيسية
جاءت هذه المرحلة ، وبعد سلسلة من العمليات الهجومية و الدفاعية المنسقة والمترابطة ، والتي استندت على مرحلة العزل والحصار اولا وعلى مرحلة الاستدراج التكتيكي للمسلحين ثانيا لتكون الضربة الصاعقة في معركة تحرير المدينة ، وذلك لجهة ما قدمته للجيش العربي السوري وحلفائه من نقاط مهمة من الناحية الميدانية والاستراتيجية ، وايضا لجهة ما قدمته من دروس و خبرات في علوم القتال والتكتيك الميداني والاستراتيجية العسكرية في حرب المدن ، او في العمليات الهجومية على ارهابيين يتحصنون في اماكن سكنية ويستعملون المدنيين دروعا بشرية.
حلب: بداية طريق الخلاص
في الحقيقة يمكن ، ومن خلال مقارنة تحليلية لمعركة تحرير حلب والمراحل التي قطعتها ، وللقدرات العسكرية والتنظيمية التي ميزت وحدات الجيش العربي السوري وحلفاءه فيها ، ان نستنتج خيوطا عامة لمناورة استراتيجية حساسة ، تتمتع بنقاط ميدانية وعسكرية جدية ، يطلقها شرقا الجيش المذكور وحلفاؤه ، وبدعم وبمساندة روسية جوية وغير جوية ، يحرر مدينة تدمر ويتقدم شرقا عبر السخنة ويفك الحصار عن مدينة دير الزور ويحررها بالكامل ، ويمكن تحديد هذه الخيوط العامة للمناورة المذكورة على الشكل التالي :
اولا : اعتماد اماكن سيطرة داعش الاخيرة في مدينة تدمر ومحيطها في تلك المواقع المكشوفة من البادية، يتبين ان بقعة روع وقتل شبيهة بمنطقة الكليات والتلال المحيطة بها جنوب غرب حلب ، وتنفيذ تغطية جوية ومدفعية وصاروخية فعالة على تلك البقعة بهدف اسقاط اكبر عدد من ارهابيي داعش الذين سيجدون انفسهم مكشوفين في مواجهة فعالية القصف المركز في تلك المواقع ، ومحاصرين برمايات الطوافات والقاذفات الروسية والسورية ، والتي اصبحت بعد تحرير حلب تتمتع بهامش مناورة اوسع وبامكانية للتدخل بفعالية عبر إشراك عدد اكبر منها في المعركة .
ثانيا : تنفيذ عمليات انزال سريعة وخاطفة باكبر عدد ممكن من الوحدات الخاصة ووحدات المظليين في مناطق السخنة شرق تدمر، وعزل عناصر داعش في عاصمة البادية عن دير الزور وعن الرقة بعد حماية هذه الوحدات المُنزَلة التي ستنفذ انتشارا واسعا لمسك المحاور غرب وشرق وشمال السخنة ، بواسطة تغطية جوية دقيقة وفاعلة .
ثالثا : بعد تنفيذ مرحلة عزل تدمر وفصل مثلث السخنة - دير الزور- الرقة عنها ، وبعد استكمال إنهاك واضعاف وحدات داعش في بقعة القتل المحددة اعلاه بواسطة رمايات الطيران والمدفعية المركزة ، يتم تنفيذ مهاجمة واسعة على عاصمة البادية من غربها ، على ان تترافق مع مهاجمة جدية وفعالة ، اعتبارا من شرق اثريا باتجاه مطار الطبقة، وتكون مشابهة للعملية المماثلة السابقة التي نجحت في التقدم نحو المطار المذكور قبل ان تتوقف لاسباب خاصة بتركيز الجهود لحماية مدينة حلب ومحيطها في حينه .
رابعا : من خلال هذا الضغط المزدوج على وحدات داعش عبر المحورين المذكورين ، وبالترافق مع تغطية جوية روسية وسورية فعالة ، سيكون حتما متوفرا لوحدات المشاة وللوحدات الخاصة الانطلاق في عملية مهاجمة ناجحة لكل من مدينة تدمر ولمطار الطبقة ، وتحضير قاعدة انطلاق قوية ونقاط ارتكاز استراتيجية لفك الحصار عن دير الزور وتحرير كامل المدينة ومحيطها، وذلك استنادا لما اظهرته وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه من قدرة ومن فعالية في مهاجمة المواقع الاصعب لالاف المسلحين في شرق حلب ، والتي كانت محصنة بالانفاق وبالابنية السكنية المكتظة ، والمحمية بالمدنيين المغلوبين على امرهم كدروع بشرية ، وبدول متعددة كانت ترعاهم من كافة النواحي وخاصة عبر المشاريع المشبوهة و الضغوط الدولية الاممية في استغلال العوامل الانسانية والمدنية .