ارشيف من :آراء وتحليلات
الدور الروسي بين سندان التضليل ومطرقة الأوهام
لايختلف حال العقل العربي عن الحال السياسي في الوقت الراهن، فكلاهما يمكن وصفه بالبؤس.
هذا ليس ذما ولا حتى ادعاء لامتلاك اهلية لتقييم السائد وتوزيع صكوك الوعي وانعدامه.
وانما رصد للحوارات والجدل وطريقة تكوين الاراء واسلوب عرضها، سواء في الصحف المقروءة او الالكترونية او الشاشات او مواقع التواصل الاجتماعي.
ولان الامر جد خطير ويتعلق بالرأي العام الذي كان ولا يزال وسيظل قوة مركزية لا يستهين بها الا مختل، فالحديث والادلاء بدلو الملاحظات ومحاولة تبيان بعض الاشياء، ولو كمحاولة اجتهادية هو فرض عين في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها امة، اريد لها ان تصبح جزرا منعزلة، بل ومتعاركة.
والمقصود بالعقل العربي هنا هو الطريقة التي تتعاطى بها الشعوب باغلبها مع الاحداث، والأخطر.. بعض المثقفين والنخب، وطريقة التعاطي لا تشكل خطورة في ذاتها، ولكن الخطورة فيما يترتب على هذا التعاطي من رأي وما يشكله هذا الرأي من رد للفعل، اما باتجاه الصمت والسلبية او باتجاه الحركة والفعل، وان كان موجها للحركة، ففي اي اتجاه؟
من هنا فان نمط التفكير ونمط الربط ومنهجية تشكيل الرأي متعلقة بهذا العقل وما اصابه من عطب بفعل البلبلة والتشويش والضغط التضليلي المتعمد.
كيف يتعاطى العرب مع روسيا؟
ولعل الدور الروسي في المنطقة هو شاهد حقيقي على هذا البؤس، ولعل الحادث المأساوي الاخير المتعلق باغتيال السفير الروسي كاشف ايضا لعلة رئيسية، لا نستطيع وصفها بالجهل - ولو انه موجود ومن ضمن الاسباب - بل نستطيع وصفها بالقصور العقلي والناتج عن خلل ربما يكون متعلقا بعدم وصول الدم (المتمثل بالمعلومات والوعي التاريخي والاجتهاد المعرفي) الكافي للمخ، وربما يكون بسبب تعاطي عقاقير للهلوسة(متمثلة بحملات التضليل) وربما بفعل صدمات نفسية ناتجة عن احباطات متراكمة ومفاهيم تم تشويهها، والمحصلة هي التدرج في تشكيل الرأي وفقا لحجم الاصابة، بدءا من الرأي المشوش وصولا لانحراف البوصلة والوقوع في التيه ثم الضلال.
وقد انتشرت مؤخرا ردود افعال حتى داخل المعسكر الواحد تشي بحجم الارتباك الفكري، فنجد داخل معسكر المقاومة/ من انتفض مشككا في الدور الروسي وانه جزء من المؤامرة على سوريا والمنطقة وانما جاء ليتقاسم "التورتة"، حتى وصل الامر بالبعض لاتهامه بالتواطؤ مع الامريكيين والدواعش في تدمر وو..مما تابعه الكثيرون.
وفي ذات المعسكر من يبالغ في الدور الروسي ليصل به الى مرحلة التحالف العضوي مع المقاومة.
وفي الحقيقة فان النوعين يظلمان الروس، والنوعان منبثقان من ذات الجذر. الاول هو من دفعته الصدمة فيما ظنه وبلوره واوهم نفسه به عن الدور الروسي، ومع اي محطة تتناقض مع ذلك فإنه ينفعل ويتطرف في انفعاله مظنة الخيانة لدرجة تصل به الى الظلم والافتئات على الاصدقاء الروس.
وهنا لانريد ايراد رأي او جدال، ولكن نريد فقط توضيح بعض الحقائق والامور لعلها تكون نافعة ودافعة للانصاف اولا ولبلورة رأي ومايترتب عليه من فعل في اتجاه اقرب للصواب منه للانحراف والخطأ:
اولا، وان كان الروس في روسيا الاتحادية هم الروس في الاتحاد السوفيتي السابق، فان هناك امور وضوابط مختلفة، ومن المهم ذكر ان الروس هم الروس في مواجهة من يحاول ان يفصل كليا بين روسيا الاتحادية والاتحاد السوفياتي لان الفصل الكامل والتعسفي ايضا غير صحيح، لان الطبيعة الحضارية والتكوين الثقافي تعتبر من الاسس الرئيسية لتشكيل النهج وطريقة التفكير واسلوب التعامل.
فالبراغماتية الاميريكية تختلف عن البراجماتية الاوروبية والمنشأ الامريكي لها نتاج افتقاد تاريخ وجذر، وبالتالي هي حالة تعويضية ابتعدت عن القيم والمثل لتنطلق للتجريب كتعويض عن الماضي بالمستقبل، وهو ما يختلف في الحالة الاوروبية ذات التاريخ، وبالتالي هي نتاج فلسفات اخرى او مدارس مختلفة في ذات الفلسفات في حالة الاشتراك.
وبالعودة لروسيا، فهناك اختلافات بينها وبين الاتحاد السوفياتي الذي اعتمد نمطا عقائديا، واعتمد نشره ووضع على نفسه مسؤولية حماية من ينتمي اليه ويبايعه، ومساندة من يحالفه حتى ولو لم يعتمد نمطه العقائدي في اطار صراع مفتوح مع المعسكر الغربي فيما عرف بالحرب الباردة.
وبالتالي فان طبيعة النظام الدولي ووجود قطبين رئيسيين متصارعين، وووجود احلاف عسكرية معلنة وشبه قطيعة بين المعسكرين، يختلف عن نظام دولي تغيرت تحالفاته، وورثت روسيا الاتحادية به نظاما مختلفا متعبا واصبح مجرد دولة بعد ان كان قطبا، الى ان تبنى نظام بوتين عقيدة مفادها استعادة القوة السابقة والتأثير العالمي واستغلال ميراث الاتحاد من اجل التعجيل بذلك.
ولكن بقي النظام العالمي حتى اللحظة مختلفا وان عادت روح الحرب الباردة فلم تعد تحالفاتها وان كانت هناك بقايا من تحالفات فهي ليست بالصيغة السابقة نظرا لتشابك المصالح والارتباطات التي حدثت منذ انفراد امريكا بالعالم، وحجم التشابك بين الصين وامريكا، والتشابك بين المحيط الجيوسياسي لروسيا والغرب والانقلاب العربي والهرولة الا فيما ندر نحو امريكا والكيان الصهيوني.
هنا فان الاوضاع الدولية لا تجعل من روسيا – وان ارادت – جزءا من حلف المقاومة، ولكن لا يمنع من وجود مصالح مشتركة وميراث سوفياتي مع انظمة لم تفرط في ايجابياته التي تسمح لها بالتماسك والثبات على المبادئ العربية وعدم الانسياق كالقطيع في تقديم التنازلات والتفريط في المبادئ، وعلى رأس هذه الانظمة، النظام السوري، وهو ما عوقب ولا يزال عليه، وهو ما يجعل من الدور الروسي مختلطا بين ما هو مصلحي بحكم موطئ قدم له في المنطقة، وايضا اخلاقي، بحكم ثبات الارتباط في احلك الظروف التي مرت بها البلدان.
كما ان التوازنات الدولية وطبيعة النظام العالمي لا تسمح بأكثر مما يقدمه الروس، فان قدرات الروس ايضا لا تسمح بحرب عالمية ، وبالتالي فان الردع هو وسيلته المثلى، ولهذا نرى دوره برغم كل انجازاته مقيدا.
لا شك ان حرفية الدبلوماسية الروسية وقدرات روسيا العسكرية وما قدموه من دعم ومساندة لجيش وطني وشعب قومي وحلفاء مقاومين ومتطوعين باسلين الى جانب الدور الايراني الكبير، عوامل ادت الى بلورة محور منتصر يشكل ولادة جديدة لنظام عالمي معدل ونظام اقليمي جديد.
محور له السبق والجذرية واللاحق عليه متبع لا مبتدع، قد تلحق به تركيا المتلونة، والعراق المحاصر، الجزائر المحتشمة بالثوابت عن بعد، وقد تتمسح به انظمة اخرى ربما خليجية قافزة من القارب السعودي الغارق.
ولكن هناك محور اخر يتبلور من حلف المهزومين وهو لا يقل شراسة، مشكل من المنهزمين وخائبي الرجاء، السعوديين والكيان الصهيوني برعاية بريطانية مباشرة وعناية امريكية بعيدة وقد يتمسح بهذا الحلف دول اخرى من اشباه الدول كجيبوتي والسودان وغيرهم.
عفوا..لم تسقط مصر العروبة سهوا في المقال...بل يسقطها عمدا من لا يعرفون قيمة مصر عبد الناصر.