ارشيف من :ترجمات ودراسات

العمال البيض في الولايات المتحدة : ضحايا آل كلينتون!

العمال البيض في الولايات المتحدة : ضحايا آل كلينتون!

الكاتب :  Juan COLE
عن موقع Le grand soir الالكتروني
أول كانون الأول / ديسمبر 2016

على مدى الأعوام الثمانية المنصرمة، كان الحزب الديموقراطي هو الذي يجسد مؤسسة الحكم [في الولايات المتحدة]. ويمكننا القول بأن آل كلينتون قد جسدوا هذه المؤسسة على مدى الأعوام الـ 24 المنصرمة. ومنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، يعيش أفراد الطبقة العمالية من ذوي البشرة البيضاء في الولايات المتحدة، والذين يحملون، في أفضل الأحوال، شهادة جامعية، يعيشون وضعاً يتميز بهبوط كبير في معدلات أعمارهم، باتوا يموتون معه بوتيرة أسرع من توقعات الإحصائيات.
 
فمنذ عام مضى، قامت " Anna Case " و " Angus Deaton " بنشر دراسة مذهلة لجهة نتائجها. فقد تبين أن معدلات الوفاة عند الأميركيين البيض ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و54 عاماً ترتفع بشكل ثابت منذ العام 1999. ويصبح الوضع أشد سوءاً، إذا ما علمنا أن معدلات الوفاة هي في الوقت نفسه في تراجع عند السكان بمجموعهم.
أما أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الوفاة هذه، فهو الاستهلاك الواسع النطاق لمشتقات الأفيون التركيبي التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة نتيجة لتناول جرعات كبيرة من هذه المواد، أو إلى أمراض الكبد الناجمة عن الاستهلاك المفرط للكحول، وغيرها من الأمراض التي ترتفع معها بشكل نسبي معدلات اللجوء إلى الانتحار. هذه المشكلات كانت خطيرة بوجه خاص عند أفراد الطبقة العمالية وعند ذوي البشرة البيضاء الذين يعيشون في الأرياف، ولا يزيد تحصيلهم المدرسي عن الشهادة الثانوية وما دونها. وقد بينت دراسات جديدة أن هذه الظاهرة تطال أيضاً أفراد الطبقة المذكورة ممن هم أصغر سناً، أي ممن هم في حدود الثلاثينيات من أعمارهم. والآن، أصبح الانضمام إلى سوق البطالة عند العمال الحرفيين ذوي الأجور المرتفعة هو السبب الرئيسي لسقوطهم في هاوية اليأس هذه.

وإذا ما أخذنا العام 1999 واعتبرناه عاماً مرجعياً، وفقاً لدراسة حديثة صدرت عن "مؤسسة الكومنويلث"، نجد أن العمال البيض "يحصلون على مداخيل أدنى. وبينهم عدد أقل من أصحاب الوظائف. وبين هؤلاء عدد أقل من غير المتزوجين". وتلحظ الدراسة المذكورة أسباباً أخرى للوفاة لكنها لا تتعارض، لجهة نتائجها، مع نتائج دراسة أجريت من قبل فريق "برينستاون".

العمال البيض في الولايات المتحدة : ضحايا آل كلينتون!

البيض ضحايا واشنطن الجدد !

الحالة الوحيدة المشابهة التي تحضر الآن في ذهني هي حالة روسيا تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. فقد كان عدد سكان روسيا الاتحادية في العام 1990 في حدود 150 مليون نسمة، لكن هذا الرقم انخفض ليصل إلى 144 مليون نسمة. مع انهيار الاتحاد السوفياتي، انهارت الثقة بالمستقبل وظهرت البطالة الجماهيرية، وعندها توقف الروس عن إنجاب الأطفال وغرقوا في المشروبات الكحولية.

النيوليبرالية هي سياسات اجتماعية يُترك أمر التحكم بها لقوى السوق وللشركات التي يتم تشجيعها علناً على الهجرة [إلى البلدان التي تتوفر فيها اليد العاملة والمواد الخام الرخيصة والضرائب شبه المنعدمة]، مع ما ينجم عن ذلك من ارتفاع أرباحها، من جهة، وانخفاض أعداد الوظائف المتوفرة في بلدانها الأصلية.
 
النيوليبرالية هذه أحدثت تأثيرات ضارة بحق الطبقة العاملة المكونة من ذوي البشرة البيضاء متساوية تقريباً مع التأثيرات الضارة التي أحدثها سقوط النظام السوفياتي بحق الطبقة العاملة في روسيا.

لننظر الآن بالتفصيل في الوضع الذي عاشه القطاع الصناعي في الولايات المتحدة منذ انتصار السياسات النيوليرالية :
              
 تطور حجم الناتج القومي الإجمالي في قطاعات الصناعة، والزراعة والخدمات منذ العام 1840 حتى العام 2010 بالشكل التالي :
 
-    كانت حصة القطاع الصناعي في العام 1820 في حدود 22 بالمئة من إجمالي الناتج القومي. ثم ازدادت هذه الحصة لتشكل حوالي 43 بالمئة من هذا الناتج في حدود العام 1910. ومنذ العام  1950،بدأت بالتراجع لتعود في العام 2010 إلى الوضع الذي كانت عليه عام 1840.

-    وفي هذه الأثناء انخفضت حصة الزراعة من حوالي 47 بالمئة، عام 1840، إلى حوالي 3 بالمئة عام 2010.

-    وفي الفترة ذاتها، ارتفعت حصة الخدمات من 33 بالمئة، عام 1840، إلى 74 بالمئة عام 2010.

إن أولئك الذين يشرحون لنا أن الطبقة العاملة في الولايات المتحدة تتمتع بأوضاع ممتازة وبتقديمات اجتماعية هامة وبأجور مرتفعة بشكل مبالغ فيه لا يفعلون بشروحاتهم هذه غير إثارة غضبي. فالعمال في ألمانيا يحصلون على أجور جيدة ويستفيدون من تقديمات اجتماعية دسمة. وفوق هذا، فإن الصناعة الألمانية هي أكثر ازدهاراً من صناعتنا في الولايات المتحدة. المشكلة عندنا هي في السياسة العامة المعتمدة من قبل حكومتنا.
 
من جهته، يشرح  مارك ليفينسون من"مركز أبحاث الكونغرس" أن :

- حصة الولايات المتحدة في النشاط الاقتصادي العالمي قد انهارت لتصل إلى 28 بالمئة في العام 2002، وذلك بعد التراجع الذي شهدته في العام 2001. وقد استمر التراجع لتصل حصة الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي إلى حوالي 16،5 بالمئة. ومنذ العام 2011، تحسنت بعض الشيء لتسجل 17،2  بالمئة. وهذه الإحصاءات مقارنة بحجم الانتاج الصناعي وقيمته بالدولار في كل بلد. ويعود التراجع الأميركي جزئياً إلى انخفاض قيمة الدولار بنسبة 23 بالمئة خلال الفترة من العام 2002 إلى العام 2011. أما التحسن الذي سجله الاقتصاد الأميركي بعد العام 2011 فيعود إلى ارتفاع قيمة الدولار منذ ذلك التاريخ.
 
   -  اعتباراً من العام 2010، احتلت الصين مكان الولايات المتحدة على لائحة الأمم الصناعية الكبرى. وهذا أيضاً، يعود جزئياً إلى ارتفاع قيمة اليوآن الصيني بالنسبة للدولار.

- لقد سجل الانتاج الصناعي بمقياس العملات المحلية والمصحح على مستوى التضخم، سجل في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي تقدماً أكثر بطئاً مما هو عليه في الصين واليابان وألمانيا والمكسيك.

يتصدر آل كلينتون، الزوج والزوجة، قائمة الناشطين في خدمة النيوليبراية. وهنا نجد أنفسنا أمام مادة مسلية بالمعنى الساخر : إذا كان هنالك من شيء ساعد ذوي البشرة البيضاء في الطبقة العاملة الأميركية على مواجهة تكاثر مشكلاتهم الصحية، فإن ذلك الشيء هو برنامج أوباما الصحي، أوباماكير [وليس آل كلينتون]. ولكن الكونغرس الأميركي، بأكثرية أعضائه المنتمين إلى الحزب الجمهوري، فعلوا كل ما في وسعهم لمنع إقرارهذا البرنامج، وبذلك أصبحوا موضوعياً محط غضب العمال من ذوي البشرة البيضاء، حيث إن الحزب الجمهوري لم يحدث له مطلقاً أن قبل بأن يحصل هؤلاء العمال على أية حماية اجتماعية. فالمعروف أن هذا الحزب لا يمثل، في العمق، غير كبار أرباب العمل الذين يرفضون على الدوام إخراج أية مبالغ مالية من جيوبهم لدعم مثل هذا البرنامج.

إن غضب هؤلاء العمال هو ما يفسر الجانب غير المتوقع في انتخابات 2016، إذ إنهم صوتوا بغالبيتهم الساحقة لدونالد ترامب (إلى جانب الكثير من المكونات الاجتماعية الأخرى التي صوتت له دون أن تكون من ناخبي الحزب الجمهوري التقليديين، في حين أن الأكثرية الساحقة من العمال ذوي البشرة البيضاء كانوا يصوتون للحزب الديموقراطي). ما الذي اجتذبهم نحو رسالة ترامب ؟

1-    دفاع ترامب عن الحمائية التجارية وتوجيهه النقد الشديد لشركاء تجاريين مثل الصين واليابان اللتين يتهمهما ترامب وأنصاره بتحقيق فوائد تجارية غير نزيهة.
 
2-     هجمات ترامب على اتفاقيتي "آلينا" "وعبر الأطلسي" والتركيز على تقاسم الحصص في السوق وعلى تراجع التوظيف لصالح المكسيك والصين.

3-     هجمات ترامب على هيلاري كلينتون بسبب خطاباتها لصالح كبار المصارف في وول ستريت، وحصولها على مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك، علما بأن هذه المصارف هي  التي قامت بعمليات احتيال أدت بالكثيرين من العمال ذوي البشرة البيضاء إلى فقدان منازلهم.

4-     عنصرية ترامب ضد المهاجرين والشعور بأن المهاجرين الجدد هم السبب في فقدان الوظائف والهيمنة الثقافية.

إن عدم قيام الحزب الديموقراطي، اعتباراً من العام 2009، بأدنى تحرك بعد الفضائح المالية الكبرى قد ارتد عليه ارتداد اللكمة القاسية. بكلام آخر، انخرط آل كلينتون بشكل مباشر في السياسات التي يشعر العمال البيض أنها هي التي دمرت حياتهم. وبكل موضوعية، لم يكن هذا الشعور بعيداً عن الحقيقة.

وعليه، قامت الطبقة العاملة المكونة من ذوي البشرة البيضاء بمعاقبة الديموقراطيين لأنهم تخلوا عن يساريتهم.             
    

 

2016-12-23