ارشيف من :آراء وتحليلات

الارهاب المتجدد والمستمر

الارهاب المتجدد والمستمر


الارهاب مجددا، وليس آخراً، فهو مستمر ومتجدد الأساليب والتوسع، فلا فرق في أي دولة عربية أو غربية أن يضرب، المهم أنه ينفذ ضربته بوحشية خالية من الانسانية حاصداً المزيد من أرواح الابرياء، وسلطات العالم عاجزة عن الحد منه أو القضاء عليه. الإرھاب يضرب في تركيا ومصر والأردن وأوروبا مع اختلاف في الظروف وفي ھوية الجھة التي تقف وراءه.

في مصر: قتل 25 شخصا وأصيب 31 آخرون في اعتداء استھدف كنيسة قرب الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية وسط القاھرة، مقر بابا الأقباط الأرثوذكس. والھجوم ھو الأكثر دموية الذي يستھدف الأقلية القبطية المسيحية في الفترة الأخيرة. وھذا التفجير ھو الأضخم الذي يستھدف كنائس منذ تفجير كنيسة القديسين في كانون الثاني من العام 2011 ، وھو أول ھجوم كبير يستھدف كنيسة منذ موجة الإرھاب التي ضربت مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز 2013، علماً بأن متظاھرين متشددين كانوا ھاجموا كنائس خلال تظاھرات مناھضة لعزل مرسي ضمن استھدافھم منشآت الدولة ومؤسساتھا.

ويُبرز التفجير على نحو لافت، التطور النوعي في الھجمات الإرھابية في قلب القاھرة، إذ حاكى التفجير نمط الھجمات الكبرى التي انحصرت خلال العامين الأخيرين في نطاق ضيق في محافظة شمال سيناء، بعدما انحسرت الھجمات الكبرى في العمق على مدى عام كامل.

تفجير كنيسة الأقباط في قلب القاھرة جاء بعد يومين على تفجير عند مسجد السلام في منطقة الھرم. وعلى خلفية التفجيرين بدا واضحاً ظھور مجموعات تتبنى العنف المسلح لكنھا لا تنطلق من قاعدة "جھادية" قائمة على "أفكار تكفيرية"، بل تسعى إلى التركيز على الطابع السياسي لعنفھا المسلح. 

الارهاب المتجدد والمستمر

ارهاب في اوروبا

ويظھر ھذا التطور النوعي في حجم العبوة الناسفة المُستخدمة في التفجير، فوفق مصدر أمني تحدث إلى "وكالة أنباء الشرق الأوسط" الرسمية، استخدم في الھجوم عبوة ناسفة شديدة الانفجار كانت تحتوي على ما لا يقل عن 12 كيلوغراماً من مادة "تي إن تي"  شديدة الانفجار.  وظھر أن الھدف اختير بعناية وبعد رصد استمر لفترة، فالكنيسة البطرسية ملاصقة تماماً للكاتدرائية المرقسية في العباسية التي تخضع لإجراءات أمنية يصعب اختراقھا.‎

ھناك اعتقاد راسخ بأن تلك المجموعات مرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين" أو على الأقل ولدت من رحمھا، وھو ما بدا واضحاً من اعترافات أعضاء إحدى خلايا "حسم"  الذين تم توقيفھم أخيراً، كما ثبت أنھم بغالبيتھم كانوا ضمن المشاركين في اعتصام ميدان "رابعة العدوية" لأنصار محمد مرسي الذي تم فضه في 14 آب 2013.

وليس بعيداً عن مصر ضرب الارهاب المتنقل الاردن، فقد استطاعت مجموعة مسلحة، تنفيذ عملية لافتة في محيط قلعة الكرك، جنوبي الأردن، بعدما شاغلت مركز أمن المحافظة واستدرجت دورية أخرى إلى كمين. الھجوم أسفر عن مقتل عشرة أشخاص، منھم سائحة أجنبية (كندية على الغالب)، وأربعة عناصر أمن.

أوساط مراقبة ترى أن العملية تھدف إلى ضرب السياحة الناشطة في الاردن، وھو قطاع مھم وحساس في ظل انعدام موارد أساسية كثيرة في البلد، ووسط أزمة اقتصادية تلف المنطقة. وكذلك تهدف إلى  زعزعة العشائر الموالية للنظام السياسي الأردني، وبخاصة أن أبناء الكرك معظمھم في القوات المسلحة والأمن العام والدرك.
وترى هذه الأوساط أن ھناك تناميا ملحوظا داخل الأردن في التنظيمات الإسلامية المتطرفة والخلايا النائمة الموزعة بين "داعش" و"النصرة"، ولكن تزايد العمليات لا يتعلق فقط بعوامل داخلية، وإنما يعود الى تصاعد المواجھة مع "داعش" في سوريا والعراق. ومع اقتراب وصول الجيش السوري إلى الرقة والجيش العراقي إلى الموصل، فإن التنظيمات الإرھابية ستسعى منطقياً إلى تعويض خسائرھا في معاقلھا عبر إحداث عمليات إرھابية في مناطق جديدة يكون الأردن أحد أقوى المرشحين لمثل ھذه المواجھة.

وعلى الخط الموازي، في تركيا،  فقد حصل تفجير مزدوج في اسطنبول العاصمة الاقتصادية والمكتظة بالسكان. التفجيران حصلا عبر سيارة مفخخة وانتحاري فجر نفسه، والسيارة المفخخة استھدفت حافلة كانت تقل أفراد الشرطة فيما قام انتحاري بعد 45 ثانية بتفجير نفسه في حديقة ماتشكا القريبة من ملعب فودافون أرينا الخاص بنادي بيشكتاش. وقال نائب رئيس الحكومة التركية كورتولموش إن "التفجيرين استُخدم فيھما ما بين 300 و 400 كيلوغرام من المتفجرات". ولاحقا، أعلنت منظمة صقور حرية كردستان القريبة من حزب العمال الكردستاني مسؤوليتھا عن التفجيرين.‎

تركيا كانت قد شھدت سلسلة من التفجيرات منذ مطلع العام الحالي، أعلن "داعش" مسؤوليته عن بعضھا و"العمال الكردستاني" وحزب "جبھة التحرير الشعبي الثوري" ومنظمة "صقور حرية كردستان" عن بعضھا الآخر، وكان أكثرھا تأثيرا في إسطنبول التفجير الثلاثي الذي نسب لـ"داعش" واستھدف مطار أتاتورك الدولي في 28 حزيران الماضي وأوقع 47 قتيلا وعشرات المصابين. وجاء تفجيرا إسطنبول بعد أقل من أسبوع من حث "داعش" أنصاره على استھداف المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية في تركيا ومصالحھا في أنحاء العالم.

وإلى القارة العجوز أوروبا التي ليست بأحسن أحوال استقرارها الأمني، فقد شهدت المانيا، اعتداءات متفرقة نفذھا أشخاص معزولون، لكنھا بقيت بمنأى عن ھجمات ضخمة، وتبنى "داعش" في تموز الماضي اعتداءين منفصلين، نفذھما سوري وطالب لجوء يُرجح أنه أفغاني، وأوقعا جرحى. وفي تشرين الأول، انتحر سوري في السجن بعد توقيفه للاشتباه في إعداده لھجوم على مطار في برلين.

ومؤخراً ارتفعت حصيلة عملية الدھس في برلين إلى 12 قتيلا، وأصيب أيضا 48 آخرون على الأقل، جراء قيام سائق شاحنة بدھس حشد شعبي في سوق مزدحمة لأعياد الميلاد وسط العاصمة برلين. وتذكر ھذه المجزرة بعملية مماثلة وقعت يوم العيد الوطني الفرنسي في مدينة نيس الجنوبية حين اقتحمت شاحنة الكورنيش البحري موقعة 86 قتيلا.
وأكدت المستشارة الألمانية أنه "اعتداء إرھابي"، مشيرة إلى احتمال أن يكون منفذه طالب لجوء. ھذا الاعتداء الإرھابي شكل صدمة للبلاد وحرك الجدل حول سياستھا المتعلقة بالھجرة. ويذكر أن سياسة الباب المفتوح التي انتھجتھا ميركل إزاء المھاجرين وطالبي اللجوء، والتي أفضت إلى دخول 890 ألفا من ھؤلاء البلاد في العام الماضي، قد سببت انقساما حادا في ألمانيا، بينما وصفھا منتقدو ميركل بأنھا تشكل تھديدا أمنيا. وقد شكلت ضربة جديدة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تتعرض لانتقادات مستمرة بسبب سياسة الھجرة المنفتحة التي اعتمدتھا في وقت بدأت تستعيد بعض الشعبية.‎

عملية برلين أعادت إلى أذھان الفرنسيين التجربة المرة التي عانوھا الصيف الماضي، خصوصا لأن درجة التھديد الإرھابي ما زالت مرتفعة في فرنسا. وتفيد تقارير فرنسية نشرت مؤخراً أنه خلال ليلتين متتاليتن ( 19 و 20 تشرين الثاني الماضي) وضعت الأجھزة الأمنية الفرنسية اليد على خمسة مشبوھين في مدينتي مرسيليا (جنوب) واستراسبورغ (شرق). وبينت التحقيقات التي أجريت معھم لاحقا، وفق مدعي عام باريس للشؤون الإرھابية، أنھم كانوا ينوون تنفيذ عمليات إرھابية كبرى في فرنسا.
وأفاد المدعي العام فرنسوا لامنس، وقتھا بأن ثلاثة من الخمسة حاولوا الذھاب إلى سوريا عن طريق قبرص للمقاتلة في صفوف "داعش". وأسفرت عمليات الدھم التي قامت بھا القوات الأمنية في المدينتين المذكورتين عن اكتشاف مجموعة كبيرة من الأسلحة والذخيرة وأموال ووثائق تبين مبايعة الأربعة لـ"داعش"، وخصوصا لائحة من عشرة أھداف على رأسھا "السوق الميلادية" التي تقام كل عام في جادة الشانزليزيه، التي يؤمھا الآلاف من الأشخاص يوميا. ومن الأھداف الأخرى "بارك ديزني لاند" الواقع شرق العاصمة، ومحطة مترو وكنائس. ھذا المخطط مرتبط، وفق خبراء فرنسيين، بتطور المعركة ضد "داعش" في سوريا والعراق ودعوات "داعش" لمبايعيھا بأن يبادروا إلى القيام بعمليات إرھابية بالوسائل المتاحة. وهي في الوقت نفسه تبرز العجز الكبير للدول العربية والغربية في القضاء عليها إذ إنها أصبحت كالأخطبوط المستشري يمتد إلى كل البلدان دون استثناء ولا تعرف كيف ومتى يضرب، ومطالباً بالمزيد!......فهل هناك حل للإرهاب العالمي؟...ربما!‎

 

 

2016-12-26