ارشيف من :نقاط على الحروف
المطران كبوجي المناضل والمنقذ - رفيق شلالا
كنت آليت على نفسي الا افعّل حسابي على " الفايسبوك " منذ انتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون وتكليفي بالمسؤولية الاعلامية في رئاسة الجمهورية وذلك التزاما مني بواجب التحفظ والتقيد بالاصول والقواعد التي تفرضها الوظيفة، الا ان تبلغي وفاة المطران ايلاريون كبوجي ، الذي كان يحرص على وصف نفسه – وعن حق - بـ"مطران القدس في المنفى " جعلني استأذن مرجعيتي الاعلى من اجل ان اشهد ، في غياب المطران الراحل ، بفضله عليّ بواقعتين ، الاولى مهنية بدلت مسار عملي في حقل الصحافة ، والثانية شخصية مكنتني من ان اكون اليوم حيا اكتب هذه الكلمات.
الواقعة المهنية : يوم كنت في بداياتي المهنية في جريدة " النهار " توليت متابعة ملف المطران كبوجي الذي اعتقلته سلطات العدو الاسرائيلي والقت به في سجن الرملة على خلفية دعمه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال . ونتيجة تلك المتابعة كنت اتبادل والمطران السجين الرسائل عبر الصليب الاحمر الدولي وانشرها في " النهار" حتى تبقى قضيته حية ولا يقضي في غياهب السجن . وقد نجحت الحملة التي قادتها " النهار " آنذاك في التوصل الى اتفاق بين الفاتيكان والسلطات الاسرائيلية على اطلاق سراح المطران كبوجي شرط ان يوقف نشاطه الداعم للقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها آنذاك المرحوم ياسر عرفات .
وتقديرا للدور الذي لعبته، واستكمالا لما كنت قد بدأت به ، توافقت مع المثلث الرحمات بطريرك الروم الكاثوليك مكسيموس الخامس حكيم ان اكون معه لحظة وصول المطران كبوجي الى مطار روما اتيا من اسرائيل على متن طائرة " اليطاليا " . الا انه فوجئنا تلك الليلة بقرار من السلطات الايطالية بالتنسيق مع السلطات الاسرائيلية بعدم السماح لاي كان في الوصول الى المطران المحرر باستثناء البطريرك حكيم وممثل البابا . وهنا اسجل بكثير من الوفاء للبطريرك مكسيموس موافقته ان ارافقه الى المطار بصفتي " قوّاص " البطريرك ، ما مكنني من اختراق الاجراءات الامنية الرهيبة التي اتخذت لمنع الاحتكاك بالمطران كبوجي ، والتقطت صورا – هي الوحيدة – للحظة نزوله من الطائرة ، وصعدت معه في سيارة البطريرك من المطار حتى مستشفى " سلفاتور موندي " في روما واجريت معه حديثا سجلته طوال الطريق نشرته " النهار" مع الصور الاولى وكان سبقا صحفيا تناقلته الصحف ووكالات الانباء العالمية واستحقيت عليه جائزة عالمية اضافة الى نجاحي مهنيا وترفيعي في " النهار ".
وامضيت معه 10 ايام كنا نتنزه خلالها يوميا امام المستشفى ونتحدث عن ذكرياته ونضاله ( الصورة) .
الواقعة الشخصية : اما الواقعة الشخصية التي لن انسى فضل المطران كبوجي فيها مهما حييت ،فتعود الى تلك الايام الصعبة من حرب الاخرين على لبنان – كما كان يقول معلمي الراحل غسان تويني- حين خطفتني عناصر مسلحة تنتمي الى منظمة " الصاعقة " وانا في الطريق فجر ذات يوم من مكتبي في " النهار " الى فندق " كافالييه " في اول شارع الحمراء ، حيث كنا نقيم رفاقي في الجريدة وانا ، واقتادتني الى احد مكاتبها في محلة صبرا لتنفذ في حكم الاعدام على اساس اني " عميل " من المنطقة الشرقية من بيروت اعيش في الشطر الغربي من العاصمة ، غير آبهة آنذاك بعملي الصحفي ومسؤولياتي في " النهار" . وقبيل تنفيذ " الحكم " رميا بالرصاص سمعت صوتا يصرخ من غرفة مجاورة – وانا معصوب العينين ومقيد اليدين- بالامتناع عن اطلاق النار (من مسدس مزود بكاتم للصوت صوب الى رأسي) واحضاري الى غرفة التحقيق مجددا ...هناك وجدت الاوراق التي كنت احملها في محفظتي مبعثرة على الطاولة وكان " المحقق " – وهو ضابط في " الصاعقة " كما عرّف عن نفسه – يقلب بعض هذه الاوراق ويحدق بي . وفجأة سألني : من اين تعرف المطران كبوجي ، وكيف وصلت اليك رسائله من سجن الرملة الاسرائيلي ؟ . في تلك اللحظة ادركت ان شيئا ما قد حصل لاني كنت احتفظ في محفظتي برسائل المطران كبوجي الي وفيها الكثير من المحبة والعاطفة والصلوات .
اجبت " المحقق " اني اتابع قضية المطران واسعى لاطلاق سراحه واتراسل معه عبر الصليب الاحمر الدولي ، ورويت له بالتفاصيل المملة قصتي كاملة متعمدا ان اطيل الكلام علّ ذلك ينقذني من موت محتم . وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما وقف " المحقق" محييا " وطنيتي " وخدمتي للقضية القومية الفلسطينية انطلاقا من دور المطران كبوجي ونضاله ، وقال لي " المحقق " : من كان مثلك يخدم المطران وهو في سجنه لتحريره نقدم له الاحترام ولا يمكن ان نؤذيه "...وامر بالافراج عني معتذرا مما حصل ، وكتبت لي تلك الساعة حياة جديدة بفعل ما ربطني بالمطران الراحل من علاقة .
اليوم رغبت ان اسجل هذه الشهادة تحية للمطران كبوجي ووفاء مني لفضله عليّ في حياتي المهنية والشخصية . رحمه الله .