ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تستقيم الشراكة بين روسيا وتركيا الناتو؟

 هل تستقيم الشراكة بين روسيا وتركيا الناتو؟

قد لا يكون لروسيا، في القديم والحديث، حلم أهم من أن تضم تركيا إلى دائرة نفوذها أو، على الأقل، أن تكسب تركيا  كحليف موثوق الجانب. مع ما يستتبع ذلك من خروج لتركيا من حلف الناتو، ومن قطيعة جذرية بينها وبين الغرب الامبريالي.
والأكيد أن تطوراً من هذا النوع يمكنه أن يسعد روسيا وينسيها الكارثة التي نزلت بها جراء انهيار اتحادها السوفياتي. ولا شيء من هذا بعيد على انقلابات المواقف ومفاجآت التاريخ...

والواضح أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يراهن على تحقيق مثل هذا الفوز. وهو يستمد الثقة بالقدرة على ذلك من النجاحات الكبرى التي حققها خلال المسيرة التي قادها من أجل إنقاذ روسيا وإخراجها من الأوضاع المتعفنة التي عاشتها قبيل وفي أعقاب انهيار النظام الشيوعي.  
كما يستمد الثقة أيضاً من الوضع الذي وصلت إليه تركيا والذي يؤهلها لأن تثير شهية روسيا. فتركيا تعيش اليوم حالة من التضعضع والارتباك أشد خطورة على حاضرها ومستقبلها من تلك التي عاشتها قبيل وخلال فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية. فقد وصلت، في ظل حكم رجب طيب إردوغان وسرعته القياسية في القفز بين المواقع والمواقف المتعارضة، إلى وضع شبيه بوضع من ابتلعه طين الرمال المتحركة ولم يبق منه في الهواء غير أحد كفيه مرفوعاً ومتوسلاً يداً تمتد لإخراجه من الغرق النهائي الوشيك.

وها هي اليد الروسية تمتد لتمنح تركيا فرصة ثمينة للبقاء بعد أن طوحت بها سياسات إردوغان وألقتها، بدلاً من حلم الخروج من دائرة جميع المشاكل، في كابوس مرعب من المشاكل الخانقة:
دولة كردية تضع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وسائر بلدان الغرب كل ثقلها من أجل إقامتها على جثة تركيا. ليس فقط في شرقي الأناضول بل أيضاً فوق رقعة شاسعة تغطي كامل المنطقة الجنوبية من تركيا، والشمالية من سوريا، وصولاً إلى البحر المتوسط. لأن الدولة الكردية العتيدة تريد الوصول إلى المياه الدافئة التي تقربها جغرافياً من الجهات الداعمة لها.
ودولة داعشية، كانت تركيا (وما زالت، على ما يبدو) في طليعة البلدان التي أمنت لها ولغيرها من الجماعات الإرهابية، كل ما يلزم من شروط القدرة على التمدد وإلحاق الأذى. وذلك قبل أن يقتضي تطور الأحداث الناجم عن صمود سوريا وحلفائها أن تدخل معها، أقله في الظاهر، في صراع أقل تجلياته عمليات إرهابية موجعة في أماكن حساسة في تركيا.

ومقابل دولة إردوغان الإسلامية العلمانية المدعومة تاريخياً من قبل واشنطن، دولة موازية وإسلامية علمانية متغلغلة في جميع أوصال الدولة التركية، يحركها من واشنطن أيضاً فتح الله غولين، الذي كان حتى الأمس القريب شريكاً أساسياً لإردوغان. وهو الآن متهم بأنه هو الذي دبر، بموافقة واشنطن وإرشادها، انقلاب تموز / يوليو الفاشل.
وهذه الأطراف الثلاثة، الأكراد وداعش وغولين، يتهمها إردوغان بالوقوف وراء العمليات الإرهابية النوعية التي يتواتر حدوثها في تركيا بالتوازي مع اندحار الحرب الكونية على سوريا. وهذه الأطراف الثلاثة تشترك في كونها خيولاً يعلفها ويراهن عليها المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، تماماً كما كان (وما زال، ربما) يعلف إردوغان ويراهن عليه إلى هذا الحد أو ذاك من السرية، قبل غرقه أو إغراقه في الوحول المتحركة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أكثر من مراقب يعتقدون أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تقف مباشرة وراء التفجيرات الإرهابية في تركيا.
 

 هل تستقيم الشراكة بين روسيا وتركيا الناتو؟

روسيا وتركيا :العلاقة القلقة


وبالإضافة إلى كل ذلك، ونتيجة لمغامرة إردوغان الفاشلة في سوريا، وللضعف الذي أصاب المؤسسات العسكرية والقضائية والتربوية نتيجة الإجراءات القمعية التي تم اللجوء إليها رداً على انقلاب الصيف الماضي، تتراقص اليوم في أجواء تركيا أشباح حرب أهلية تستمد محفزاتها من التنوع العرقي والديني والتعددية الحزبية والفقاعة الاقتصادية التي تتكاثر المؤشرات على قرب انفجارها في ظل الأوضاع المتفجرة على أكثر من صعيد في تركيا.
كما تستمد محفزاتها من سياسة الفوضى البناءة التي يسعى المشروع الصهيو-أميركي إلى تعميمها على المنطقة، بما فيها تركيا.  
وفي هذه الظروف الصعبة بالذات، تمد روسيا يدها لإنقاذ إردوغان وتركيا. وهذا يقتضي -بدلاً من إرسال إشارات تطمينية إلى واشنطن- موقفاً تركياً قائماً، أقله، على رد التحية لروسيا بمثلها : خروج تركيا من الناتو والانضمام إلى دائرة الحلف الدولي الجديد المناهض للهيمنة الصهيو-أميركية، والتعامل بصدقية مع مسألة الحرب ضد الإرهاب.
أما أن يكون إردوغان بصدد السباحة في أحلام من نوع الاستمرار في أوهامه الطورانية والحصول، في المدى المباشر، على مكاسب في سوريا لقاء موافقة لا تتمتع بما يكفي من الصدقية، من قبل عدد من الجماعات المسلحة، على الهدنة الحالية وعلى المشاركة في مفاوضات آستانة، فإن ذلك لا يتوافق على الإطلاق  مع المسعي التحرري ومع الحرب الجدية التي يخوضها محور المقاومة في سوريا والمنطقة ضد الإرهاب.
وبالتالي، فإنه لا يخدم رهان الرئيس بوتين. بل إنه قد يؤدي أيضاً إلى تبخر آماله في السير قدماً بروسيا نحو استعادة هيبتها الدولية. فبالإضافة إلى المواجهة المحتدمة في أوكرانيا، بدأت طبول الحرب تقرع ضدها بشكل فعلي على الجبهة الأوروبية، اقتصادياً وعسكريا.
والأكيد، أن آخر ما تحتاج إليه روسيا اليوم هو "انقلاب" في الموقف على مستوى خاصرتها الجنوبية من قبل رجل القفز بامتياز بين المواقع والمواقف : رجب طيب إردوغان.

2017-01-16