ارشيف من :آراء وتحليلات
تونس.. مشكلة الجهات الداخلية تعود إلى الواجهة
بقي شهر يناير/كانون الثاني وفيا لعادته في تونس باعتباره شهر الاضطرابات الاجتماعية عبر التاريخ. وكأن التظاهر والاحتجاج باتا عرفا تونسيا بامتياز وقدرا يعيشه التونسيون في هذا الشهر الذي شهد نهاية نظام زين العابدين بن علي والخروج على حكم بورقيبة في ما عرف بأحداث الخبز سنة 1984. وشهد أيضا ما عرف بالخميس الأسود في سنة 1978 الذي عرف صراعا دمويا بين النظام و الإتحاد العام التونسي للشغل بالإضافة إلى أحداث أخرى متعددة.
و تشهد مدن سيدي بوزيد و بن قردان هذه الأيام احتجاجات إجتماعية تطالب بالتنمية يقودها شباب عاطل عن العمل. و تأتي هذه الإحتجاجات بعد مرحلة هامة من الهدوء و الإستقرار السياسي و الأمني عاشتها تونس أعادت الطمأنينة إلى الجميع فيما يتعلق بمستقبل البلد.
معبر رأس الجدير
ويتعاطى أغلب أهالي بن قردان الحدودية مع ليبيا، نشاط التجارة غير المقننة أو التهريب مع الطرف الليبي على الجانب الآخر من الحدود. و لما تم إغلاق معبر رأس الجدير الرابط بين البلدين سواء من الجانب التونسي أو الليبي إلا وتضررت معيشة هؤلاء التجار والمهربين وانتقضوا على الدولة محملين إياها المسؤولية على غياب التنمية.
تونس: موسم الاضطرابات
وقام الطرف الليبي هذه المرة بإغلاق معبر رأس الجدير احتجاجا على معاملة سيئة تعرض لها أحد المسؤولين الليبيين في تونس. و نتيجة لهذا الإغلاق وجد أهالي بن قردان أنفسهم بلا شغل ما جعل المدينة، التي تصدت السنة الماضية لهجوم إرهابي تم إحباطه، تنتفض من أجل التنمية والتشغيل على الدولة التي تركتها تحت رحمة الطرف الليبي ونفطه الذي كثيرا ما أذل به سكان هذه المناطق الحدودية المحرومة.
مطالب لم تتحقق
وفي سيدي بوزيد التي اندلعت منها شرارة الانتفاضة التي أوصلت إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي في مثل هذه الفترة من العام، قبل ست سنوات، خرج الشباب مجددا إلى التظاهر باعتبار أن مطالبهم الاجتماعية لم تتحقق، فيما نجحت الطبقة السياسية في الوصول إلى مبتغاها أي تكريس الحريات والديمقراطية التي لا تهم كثيرا هذه الجهات المحرومة. فكل ما يهم هذه الأطراف هو التشغيل وتنمية مناطقها والعيش الكريم باعتبارها لا تنتمي إلى نخب البلاد التي استغلت انتفاضة الشباب لتحقيق مآربها.
وتجد الدولة نفسها عاجزة مرة أخرى بعد أن أهملت الحكومات السابقة سواء أكانت إسلامية أو علمانية ملف الجهات الداخلية التي تبقى الخاصرة الرخوة في الجسم التونسي. فلا معنى لأية إصلاحات سياسية ولأية نجاحات في مجال بناء المؤسسات الديمقراطية ما دامت هذه الجهات المحرومة لم تنل حظها من التنمية، فقد انتفضت عبر التاريخ ومنذ العصر القرطاجي وستنتفض مجددا مادامت التنمية لم تطلها.