ارشيف من :آراء وتحليلات

جردة حسابات إسرائيلة في ضوء المتغيرات الإقليمية


 جردة حسابات إسرائيلة في  ضوء المتغيرات الإقليمية

إسرائيل في العام 2017 أمام تحديات كثيرة فرضتها مجموعة الأزمات التي عصفت مؤخراً بمنطقة الشرق الأوسط، وانعكاساتها على الداخل الاسرائيلي وخصوصاً على الصعيد الأمني والاستراتيجي، وخاصةً تداعيات الأزمة السورية، فعلى الرغم من إصرار تل أبيب على التصريح بأن سوريا ليست أولوية في حسابات "إسرائيل"، ودخولھا المتواضع على خط الحرب عبر "غارات سياسية" في الفترة الأخيرة ليس للتأثير على مجرى الأحداث، وإنما لبعث رسائل أمنية تذكيرية بالخطوط الحمر، ومصالح" إسرائيل" الاستراتيجية.

 ووفق ذلك صدرت مواقف لخبراء في الشأن العسكري والاستراتيجي في" إسرائيل"، بعد استعادة الجيش السوري وحلفائه مدينة حلب مؤخراً، تحدثت هذه المواقف عن سقوط الرھانات الإسرائيلية على الحرب السورية وإمكانية إضعاف حزب الله. وخلصت الى أن "إسرائيل" أمام موقف صعب وخيارات غير سھلة، فلا ھي قادرة على شن حرب، ولا ھي قادرة على الاتكال على عامل الردع في مواجھة حزب الله، ولا ھي قادرة أيضاً على تحقيق النتيجة من خلال عملية وقائية ضد سلاحه.
وعلى ضوء عقم ھذه الخيارات العملانية، أشار وزير الأمن السابق موشيه أرينز، أحد أھم المنظرين الاستراتيجيين الإسرائيليين، والذي لديه خبرة عميقة في صناعة القرار السياسي والأمني، وبمتابعة المجريات الإقليمية ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، الى أن الخيار الوحيد المتبقي أمام "إسرائيل"، يتمثل بالرھان على الضغط الدولي لتفكيك ترسانة حزب الله الصاروخية، متسائلا ما إذا كان ھذا الأمر يثير اھتمام المجتمع الدولي في ھذه المرحلة.


 جردة حسابات إسرائيلة في  ضوء المتغيرات الإقليمية

القلق سيد الموقف

في السياق نفسه، أكد معھد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في تقديره الاستراتيجي السنوي لإسرائيل 2016-2017، إلا أن حزب الله يأتي على رأس التھديدات التي تواجهها "إسرائيل"، لامتلاكه صواريخ متعددة المدى ذات دقة عالية، وطائرات من دون طيار، قادرة على إصابة أي نقطة في" إسرائيل" ملحقة دمارا كبيرا، فضلا عن منظومة دفاع بحري من نوع ياخونت، نجح الحزب في إدخالھا الى لبنان رغم كل المحاولات الاستخباراتية والغارات التي شنت لمنعه من تحقيق ھدفه، وكذلك الأمر بالنسبة لمنظومة الدفاع الجوي التي أصبحت أكثر تطورا وقادرة على عرقلة عمل سلاح الجو في الأجواء اللبنانية وصولا الى شله. يضاف الى كل ذلك التطور النوعي الذي لحق بقوات الحزب البرية والذي يجعلھا قادرة على اقتحام المستعمرات الإسرائيلية المحاذية للحدود اللبنانية بسبب الخبرة الميدانية التي اكتسبتھا في الحرب السورية ".

ونُقل عن مصادر عسكرية "إسرائيلية" إن حزب الله غارق بعمق في "المستنقع السوري"، وعلى الرغم من مصلحته القوية بالامتناع عن المواجھة مع إسرائيل، إلا أن قيادة حزب الله تستعد منذ أكثر من سنة، لحرب لبنان الثالثة، كما لو أنھا ستندلع غدا. وشدد على أن ھذا الاستعداد يھدف إلى ردع "إسرائيل" عن الضربات الموضعية التي يقوم بتنفيذھا الجيش من فترة إلى أخرى، من أجل إحباط عمليات إرھابية وتعاظم قدرات حزب الله، وھو ما يطلق عليه الجيش المعركة بين الحروب.

محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "ھآرتس" عاموس ھارئيل، نشر تحقيقًا مطولا عن حرب لبنان الثالثة، وجاء تحت عنوان:"حزب الله ليس تنظيما، وإنما جيش متوسط أو كبير". وكتب:"صحيح أن حزب الله لا يملك الطائرات والدبابات، لكن قدراته العسكرية الأخرى التي تحسنت كثيرا، لا تقل خطورة، ويمكن اعتباره جيشا متوسطا، في حرب لبنان الثالثة، لن يحسم سلاح الجو الإسرائيلي المعركة، بل سيلجأ إلى الاجتياح البري".

وبالإضافة إلى حزب الله لا تنسى تل أبيب إيران التي تمثل التحدي الثاني الذي تواجهه، حيث يرتفع منسوب القلق الإسرائيلي إذا ما تحقق المشروع الإيراني بأداته اللبنانية حزب الله، في مرحلة يتصاعد فيھا التوتر على خط طھران  - موسكو على خلفية النفوذ في سوريا، والذي قد يؤدي الى دفع حلفاء إيران من الشمال باتجاه الجنوب السوري، وبالتحديد جبھة الجولان التي أصبحت واحدة مع الجبھة اللبنانية بحسب ما صرح غير مرة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

لذلك تُدرك "إسرائيل" أن توجيه ضربة الى حزب الله في لبنان قد يجر إيران الى مواجھتھا، حيث تتمركز قواتھا وقوات حليفة لھا في سوريا. ونتيجة لوجودھا ھناك، ستكون "اسرائيل" مقيدة بسبب القوات الروسية المتواجدة في سوريا، والغطاء الذي تؤمنه منظومات الدفاع الجوي الروسي والتي تغطي أيضاً الاجواء اللبنانية والإسرائيلية على حدًّ سواء، وكل ذلك في موازاة التعاون الاستخباراتي الاستراتيجي بين روسيا وحزب الله.
لذلك يجب على "إسرائيل" أن تعمل برؤية بعيدة المدى، وفي أساسھا إزالة تھديد المحور الراديكالي في الساحة الشمالية والمدعوم من روسيا، ومنع نقل سلاح نوعي الى حزب الله في لبنان، وتدفيع حزب الله ثمن أي إضرار بھا، مع منع التموضع المعادي على حدودھا، إضافة الى مواصلة المساھمة في الدعم الإنساني للسكان السنة المعتدلين، خلف الحدود مع سوريا.
أما عن اتفاق إيران النووي مع الغرب فقد منح "إسرائيل "وقتا إضافيا لدرس سبل مواجھتھا لھذا الخطر وحشد الحلفاء في معركتھا، في ظل الشرعية الدولية المؤقتة لبرنامج نووي واسع وغير محدود، رغم المخاوف المتزايدة من القدرات النووية التقليدية في ظل عملية تحديث الجيش والحرس الثوري القائمة، سواء مع استلام منظومة "أس 300 " الروسية والصفقة المنتظر توقيعھا مع موسكو والتي بموجبھا ستحصل طھران على عشرات الدبابات الروسية الحديثة، فضلا عن قدراتھا الذاتية في تطوير الصواريخ وإنتاجھا، والتي وضعت السفن الإسرائيلية في خطر.
وبالانتقال إلى الداخل الأمني الإسرائيلي الذي يهددها، نجد هناك حركة "حماس"، حيث يدور الحديث عن احتمالية كبيرة لتفجر الأوضاع.  صحيح أن التنظيم جرى ردعه لكنه يواصل بناء قوته، ويمكن بسبب تصعيد خارج عن السيطرة لحادثة محلية، أو أزمة اقتصادية - اجتماعية عميقة في القطاع أن تنفجر في وجه إسرائيل".
فـ"تل أبيب" تدرك أن مركزية فلسطين مؤخراً لم تعد قائمة لدى الأنظمة العربية، لكنھا مھمة لجمھور ھذه الأنظمة، لذلك فإن العملية السياسية مع الفلسطينيين، حتى وإن لم توصل الى نتائج واتفاق كامل، فإن من شأنھا أن تتيح تحسنا في العلاقات مع السعودية ودول خليجية وتجعلھا علنية، ما سيعود بفائدة إسرائيلية استراتيجية وبالتالي يمكن قبولھا إقليميا كدولة شرعية في المنطقة.
وهذا طبعاً لا يمكن حصوله إلا بمساعدة ورعاية ومباركة "البيت الأبيض" في واشنطن، ومؤخراً شهدت العلاقات بينهما توتراً كبيراً، هذا ما أكده مراقبون دبلوماسيون في تصريحاتهم  في أن العلاقة  بين باراك أوباما وبنيامين نتنياھو ھي أسوأ علاقة بين رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي على مر تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية.
 لكن، الصورة القاتمة للعلاقات مع أوباما -  بحسب رأيهم - تقابلھا صورة مشرقة مع ترامب الرئيس الأمريكي الجديد، والذي فتح العلاقات على آفاق مستقبلية واعدة، آخر الخطوات المعبّرة كان تعيين ترامب ديفيد فريدمان المحامي ومستشاره خلال الحملة الرئاسية سفيرا للولايات المتحدة في "إسرائيل"، وھو الذي يدعم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، ما انعكس إيجاباً على تصريحات نتنياھو في الآونة الأخيرة، حيث أبدى تفاؤله بإمكانية تحقيق الكثير من الخطوات المشتركة مع الرئيس الأميركي الجديد، معلناً أنه مع إدارة ترامب "يمكننا أن نحدث تغييرات تاريخية".
باختصار، "تل أبيب" تدرك أن واشنطن ھي الشريك الرئيس لھا في مواجھة التحديات الأمنية والسياسية. وعليھا أن لا تنجر وراء سراب خادع لدول عظمى بديلة، كروسيا والصين، غير القادرتين على تأمين ما يمكن لأميركا تأمينه لإسرائيل، لذلك تسارع "إسرائيل" الى ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة وإعادة الثقة الشخصية مع قادتھا الجدد، مع تفاھمات استراتيجية حول مواجھة إيران وطموحاتھا في المنطقة، ومنع نقل التسوية الى أيدي الأوروبيين، وتفاھم حول دور روسيا السلبي في سوريا والداعم لإيران وحزب الله، مع التشديد على ضرورة العمل المشترك لدعم مصر والأردن وتعزيز مكانتھما.

2017-01-19