ارشيف من :آراء وتحليلات
الناتو ومحور روسيا والصين: الوجه الجديد للحرب الباردة
هناك فكرة سائدة يطرحها غالبية قادة الدول والمحللون الاستراتيجيون في العالم وهي ان منظومة "الحرب الباردة" سقطت مع سقوط المنظومة السوفياتية وتفكك الاتحاد السوفياتي، ولكن هذه الفكرة لا تخرج عن نطاق التمويه او التضليل السياسي.
تكديس المعدات الحربية حول روسيا
وكتبت جريدة Il Giornale الايطالية ان البنتاغون (وزارة الحرب الاميركية) بدأ تنفيذ خطة واسعة لتكديس المعدات الحربية والاسلحة الثقيلة في البلدان الاوروبية، بما في ذلك الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة وناقلات الجند، ضمن خطة لحلف الناتو لاجل "طمأنة الدول الحليفة لاميركا في حال قيام اي عدوان روسي". وحسب كلمات Il Giornale فإن هذه هي اكبر عملية تجميع عسكري على حدود الفيديرالية الروسية منذ ايام الحرب الباردة. وتنتشر بعض نقاط التجميع في بلجيكا، المانيا وهولندا. وللمثال فإن احد هذه المراكز يقع في قرية ايغلشوفن، بالقرب من مدينة كيركراده الهولندية القريبة من الحدود الالمانية والبلجيكية. وتبلغ مساحة هذا المجمع 500 الف متر مربع، ويضم تسعة مستودعات فيها 1600 قطعة حربية. وقد أنشأت أميركا اربعة مراكز من هذا النوع تضم اكثر من 6000 قطعة حربية من اجل استخدامها في اقرب نقطة لدى نشوب اي نزاع حربي. وسترسل اميركا فرقة مؤلفة من سبع كتائب دبابات الى بولونيا في كانون الثاني 1917.
التحريض ضد روسيا
كما سترسل اميركا فرقًا لدبابات اخرى الى جمهوريات البلطيق السوفياتية السابقة بحجة حمايتها من الخطر الروسي، في الوقت الذي تقوم فيه المجموعات الفاشية المدعومة من الحكومات اليمينية في تلك البلدان، باستفزاز المواطنين الروس في تلك الجمهوريات والتحريض على طردهم، على طريقة السيناريو الذي جرى في اوكرانيا. وقامت قطع من الاسطول السادس الاميركي بما فيها حاملة طائرات بالعبور الى البحر الاسود وزيارة بعض الموانئ الاوكرانية لاعطاء "شحنة معنويات" للمنظمات الفاشستية والحكومة اليمينية قي كييف، علما ان هذه السفن الحربية لا قيمة عسكرية لها داخل البحر الاسود الذي هو تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية التي تحصي انفاس كل سمكة تسبح في مياه البحر الاسود. كما نشر الجيش الاميركي وحدات مشاة مؤللة ومزودة بالدبابات والمدفعية على السواحل الرومانية والبلغارية وفي مدينة اوجيش البولونية غير البعيدة عن منطقة كالينينغراد.
وجه جديد للحرب الباردة
كما تتحدث الجريدة عن نشر قوات مشاة عددها قرابة الـ1750 جنديًا من مختلف البلدان الاعضاء في الناتو، وطائرات مقاتلة، وهيليكوبترات ودبابات ومدفعية ثقيلة في لاتفيا ورومانيا وبولونيا. وسيصل الى اوروبا في الاشهر الاربعة القادمة نحو 6 آلاف جندي اميركي.
وحسب المعلومات التي نشرتها Il Giornale سيتم موضعة بضعة الاف جندي فرنسي وانكليزي مع دباباتهم ومدفعيتهم في قاعدة تابا في شمال شرقي استونيا. ويبلغ عدد سكان استونيا اكثر من مليون و300 الف نسمة، 28% منهم من الروس. وتنتهج الحكومة اليمينية الاستونية سياسة معادية لروسيا وشعبها، وتعمل للمغامرة بمصير الروس عن طريق تحويل بلادها المحاذية لروسيا الى قاعدة لحلف الناتو. والشيء ذاته يقال عن جمهورية لاتفيا حيث تتمركز قوات المانية وفرنسية وبلجيكية وكندية والبانية وايطالية وبولونية وسلوفينية. ويبلغ مجموع قوات الناتو في دول البلطيق حوالى 40 الف جندي.
وفي تقدير الجريدة الايطالية، فإن القوات المسلحة الروسية، وفي حال نشوب صدام اقليمي فقط، هي قادرة على سحق قوات الناتو والوصول الى عواصم جمهوريات البلطيق الثلاث (استونيا وليتوانيا ولاتفيا) في اقل من 60 ساعة.
حلف الناتو ورّط بلدان اوروبا الشرقية
لقد تأسس حلف الناتو في 4 نيسان 1949 بموجب معاهدة واشنطن، وكان يتألف في البداية من 12 بلدا (اميركا وبلدان اوروبا الغربية). ولكنه توسع الآن ليضم بلدانًا مثل بولونيا، وهنغاريا، وتشيخيا، وبلغاريا، واستونيا، وليتوانيا، ولاتفيا، ورومانيا، وسلوفاكيا وسلوفينيا، في شرقي اوروبا وعلى حدود روسيا. وتم ذلك بدون موافقة شعوب تلك البلدان. وحكومات كل هذه البلدان هي تابعة لاميركا، وهدف اميركا من ضمها الى الناتو هو الضغط على روسيا من جهة، والضغط على حلفاء اميركا الاوروبيين الغربيين، من جهة ثانية.
وبالاضافة الى حشد الجيوش والاسلحة التقليدية، تواصل الولايات المتحدة الاميركية نشر منظومات الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا، حتى بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران مما يكشف تماما الكذبة القديمة بالتحجج بالخطر الايراني على اوروبا.
اميركا تغامر بمصيرها ومصير حلفائها
ويقول بعض الخبراء ان هذا التوسيع للناتو باتجاه الشرق ومحاصرة روسيا برادارات الدرع الصاروخية الاميركية التي وظيفتها كشف الدفاعات الاستراتيجية الروسية، ليس لها اي قيمة استراتيجية فعلية، في حسابات المواجهة المتصاعدة بين اميركا وروسيا، لاعتبارات عديدة اهمها:
ـ1ـ لقد اثبتت تجربة الازمة الجورجية (2008) والاوكرانية والسورية، تفوق المدرسة الحربية الروسية، التي تقوم على مبدأي "اللاعدوانية" و"الدفاع الهجومي الكاسح".
ـ2ـ ان الدول التي تسمح بتحويل اراضيها الى قواعد للعدوان على روسيا وحلفائها، تغامر بمواجهة مصير النازية في الحرب العالمية الثانية والتحول الى ارض محروقة.
ـ3ـ ان القيادة السياسية ـ العسكرية الروسية تنظر الى اي حرب اقليمية بوصفها مقدمة وجزءا لا يتجزأ من الحرب العالمية النووية الشاملة. وتكون القوات المسلحة الاستراتيجية الروسية مستنفرة على هذا الاساس. وفي اللحظة التي يتحول فيها اي نزاع اقليمي لتشكيل خطر استراتيجي على العمق الروسي، فإن اميركا ودول الناتو وجميع حلفائها سيتعرضون جميعا للضربة النووية الروسية الاولى والاخيرة. وهي الضربة المهيأة سلفا والجاهزة في كل ثانية، وبكل التفاصيل حتى اصغرها.
ان الامين العام السابق لحلف الناتو السيد أندرس فوغ راسموسن يشغل الآن مستشارًا للرئيس الانقلابي الاوكراني المافياوي بييترو بوروشينكو. وقد وجه راسموسن الى الرئيس الاميركي المنتهية ولايته باراك اوباما تهمة عدم الحزم.
تحدي الصين
والواقع ان ادارة اوباما اعلنت مرارا وتكرارا نية الانسحاب من الشرق الاوسط وتوجيه اهتمامها وقواها نحو الشرق الاقصى، لمواجهة تنامي قوة ونفوذ الصين والدفاع عن حلفائها الاقربين اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية. وقد توجهت غالبية القطع الحربية وحاملات الطائرات الاميركية من الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى واخذت "تتنزه" بين الجزر الصغيرة في المياه الدولية في بحر الصين، قبالة البر الصيني، وهو البحر الذي تعتبره الصين مدى حيويا لها. وبالمقابل قررت الصين توسيع وجودها البحري العسكري الدولي. وقد انشأت قاعدة تموين بحرية في جيبوتي على البحر الاحمر، كما تعمل لانشاء قاعدتي تموين في بحر الكاريبي في كوبا وفينزويلا. وفي الوقت ذاته فإن الزوارق الحربية الصينية تقوم بالطواف حول القطع الحربية وحاملات الطائرات الاميركية الموضوعة تحت الرقابة الصينية والروسية الدائمة.
وينبغي التذكير ان لا وجود حتى الان لحلف عسكري معلن بين روسيا والصين، إلا أن السنوات الاخيرة شهدت مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، فلم تمر سنة دون ان تقوم روسيا والصين باجراء مناورات عسكرية مشتركة كبرى، جوية ـ برية ـ بحرية، يشرف عليها الرئيسان الروسي والصيني شخصيا جنبا الى جنب. وقد عززت روسيا وجودها العسكري في بحر الصين وبحر اوخوتسك وجزر ساخالين والكوريل المواجهة لليابان.
*كاتب لبناني مستقل