ارشيف من :نقاط على الحروف
عاجل.. الحريري للمحكمة الدولية: إسرائيل اغتالت والدي
"عاجل.. الحريري للمحكمة الدولية: إسرائيل اغتالت والدي". الأكيد أن هذا الخبر مفبرك، لكن الأكيد أيضاً أن عنواناً كهذا كفيل بأن يجذب ملايين المشاهدين والقرّاء والمستمعين، الى أية وسيلة إعلامية تتنبّاه أو تنشره عبر أثيرها أو شاشاتها أو صفحاتها. بصرف النظر عن صحة الخبر أو واقعيته أو حقيقته، بات البحث عن الإثارة والتشويق هدف وسائل الإعلام اللبنانية التي تخوض حرباً ضروساً في ما بينها لجذب الجمهور ورفع "الرايتنغ".
واقع مؤسف تعيشه معظم الشاشات – وحتى المواقع الإلكترونية – اللبنانية. جميع الأسلحة المتاحة استخدمت في الحرب الدائرة بين "التلفزيونات" اللبنانية، والهدف المعلن: زيادة نسب المشاهدة. "القتال" من أجل الظفر بانتباه الجمهور يتبّع قاعدة "الجمهور عايز كدا". على الأقل هذا ما يسوقه بعض المنخرطين في المعركة. هنا يبرز السؤال المركزي: هل صحيح أن الرأي العام اللبناني يُفضّل برامج الإيحاءات الجنسية وتلك التي تُسلّع المرأة وتنشر الخلافات العائلية مباشرة على الهواء؟ وهل حقاً تضمن الحرية الإعلامية لصنّاع الترفيه والإعلان الخوض في "كل شيء" دون حسب أو رقيب؟ ومن هي الجهات الراعية والمراقبة للقطاع الإعلامي في لبنان؟ وأين دورها؟
انخرطت المؤسسات الإعلامية اللبنانية العريقة التي لعبت منذ الثمانينيّات دوراً رائداً في تشكيل المشهد التلفزيوني لبنانيّاً وعربيّاً، في منافسة تدنّت من مستوى جودة المنتَج والتنافس على شراء أفضل البرامج الترفيهية والتثقيفية والسياسية وعرضها، في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، الى مستوى تتحكم فيه الخلافات الشخصية ونقل مضمون مجلات صفراء كـ"صون العدالة" مثلاً، الى الشاشة.
يُبرّر الكثير من المشتغلين على خط المنافسة التلفزيونة، حال الإعلام اليوم بغياب مصادر التمويل، وبالتالي تقديم المنتَج "البيّاع"، أي ما يُفترض أنه يستهوي الشريحة الأكبر من الجمهور. من المعلوم أن وسائل الإعلام في لبنان تعاني شحّاً في التمويل السياسي، ازدهر في فترة التوترات التي شهدها لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
إذاً، استعاض مديرو المحطات اللبنانية مصادر برامج فارغة المضمون، تقدّم إيحاءات غير أخلاقية وكلامًا نابيًا، بمصادر التمويل الشحيحة، للحفاظ على التوفق في لعبة "الرايتنغ"، خصوصاً مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي حلبة المنافسة مع الإعلام التقليدي، كمنافس شرس. في وسط هذه الحرب يقف المشاهد كمتهم بإعطاء البرامج فرصاً للنجاح. حتى ذهب البعض الى اعتبار تعبيره عن رفضه لهذه البرامج دعاية سلبية تستفيد منها المحطات في لعبة "الرايتنغ" أيضاً.
لكن السؤال عن دور المشاهد هنا في الحروب الشخصية التي خاضتها وتخوضها الشاشات اللبنانية، وعن رأيه أو رغبته فيها. مثلاً، أين "ما يريده المشاهدون" من المعركة التي دارت رحاها على الهواء مباشرة ولعدة أيام بين "أم تي في" و"الجديد" على خلفية كشف الأخيرة عن شبكة الاتصالات غير الشرعية. وبعدها، ذهبت "أم تي في" الى الكشف عمّا قالت إنها صفقات مشبوهة لشركات تابعة لرئيس مجلس إدارة "الجديد" تحسين خياط، في أكبر جردة حسابات شخصية بين مالكي القناتين؟
وأخيراً، عندما تشكّل شبه اجماع لدى الرأي العام اللبناني على انتقاد برنامج هابط تعرضه شاشة “LBCI"، وارتفعت الأصوات المطالبة بإيقاف البرنامج، كيف ردّت القناة؟ خصّصت مقدمة هجومية في إحدى نشراتها الإخبارية لتأنيب منتقديها (الجمهور)، ولتقول لهم: "يا سادة، هناك اختراع اسمه "ريموت كونترول" وبراءة اختراعه واستخدامه تنازل عنها مخترعها للمشاهدين فلماذا لا يستخدمونها وتستخدمونها؟". تقول المحطة للجمهور الذي يتهمه الجميع بأنه "عايز كدا". "روح بلّط البحر".
على كلٍّ، يبدو أن إدارات المحطات اللبنانية المتنافسة ينظرون الى الجمهور كـ"زبون"، والى المادة الإعلامية المنشورة كـ"سلعة" تؤمّن وفراً في العائدات التي تغذي الصندوق، بدل شبح الشحّ المخيّم على أجواء قطاع الصحافة والإعلام في لبنان. أما الصحافة الإلكترونية وما يجري على صفحاتها من مجازر بحق اللغة والذوق والأخلاق والتربية في سبيل "الرايتنغ".. فحدّث ولا حرج.
الى أن ينتبه الجميع (مشاهدون ومالكو المحطات والجهات الرقابية والمدنية والرسمية) الى عمق الهوة التي يتخبّط فيها قطاع الإعلام في لبنان، ستبقى العناوين الخالية من أي مضمون تتصدر صفحات بعض المواقع، وستبقى البرامج المسيئة للعائلة والمرأة والطفل والخادشة للحياء العام، تتصدر أوقات الذروة، بحثاً عن فوز في لعبة "الرايتنغ".